هل الامامة بالنص الالهي او باختيار الناس؟

المقولة الأولى والأهم التي يفترق بها الشيعة عن السنة، هي قول الشيعة إن الخليفة أو الحاكم أو الإمام يتعين بالنص الإلهي عليه، بينما يذهب السنة إلى القول بأن الناس تختاره، ولهم في طريقة الاختيار أقوال من أهمها طريقة الشورى، على أنهم قد يقولون أحياناً بالنص.

إذن لننظر قبل كل شيء إلى ما يقوله القرآن الكريم حول هذه المسألة الجوهرية، وكما يلي.

يمكنك ان تقرأ أيضا هذا الجواب للإمام أحمد الحسن: هل يمكن ان يعين الناس الحاكم المنفذ شريعة الله في ارضه بالشورى ؟

–      الآيات التي تدل على التنصيب الإلهي للحاكم:-

1-  قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[1].

تنص الآية الشريفة على أن منصب الخلافة أو الإمامة جعل أو تنصيب وتعيين من الله تعالى، فآدم (ع) مجعول من الله تعالى خليفة في الأرض. والذي يدل على أن المراد هو الإمامة وليس الاستخلاف العام للبشر الذي نطقت به آيات أخرى، هو أن الخليفة في الآية المباركة زُود بعلم لا تملكه حتى الملائكة، قال تعالى:

{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[2].

ومعلوم أن بني آدم ليسوا جميعهم يملكون هذا العلم، وكيف وفيهم من هو كالأنعام بل أضل سبيلاً، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }[3].

كما أن الأمر بالسجود للخليفة، وهو سجود طاعة لا سجود عبادة كما هو واضح، يدل على أن طاعته مفترضة، حتى بالنسبة للملائكة، قال تعالى:

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }[4].

ويدل عليه كذلك إن الملائكة حين قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) بكّتهم الله عز وجل بقوله: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )، ومعلوم أن بني آدم يفسدون ويسفكون الدماء، بخلاف الإمام أو الخليفة، فلو كان كل البشر هم المقصودون لم يكن موجِب لتبكيت الملائكة.

إن التعبير القرآني الذي جاء بصيغة اسم الفاعل: ( جَاعِلٌ )، الذي وقع خبراً لـ ( إن ) يدل على أن الخليفة موجود في كل زمان فلا يخلو منه زمان، ذلك أن صيغة الفاعل ( جَاعِلٌ ) بمنزلة الفعل المضارع الذي يفيد الدوام والإستمرار، وهذا الجعل يناظر ما ورد في القرآن الكريم من قبيل قوله تعالى : ( جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِـلَـلاً ) و( وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ) ونحوهما، وهي تفيد معنى السنة الإلهية الثابتة.

والحق إن دوام الخلافة واستمرار وجود الخليفة وحده يجعل اعتراض الملائكة غير ذي موضوع. إذ لو افترضنا عدم وجود الخليفة أو الإمام في زمن معين فلن يكون المعنى من الخليفة هو الإمام وإنما مطلق الناس، وهؤلاء ثبت أنهم يفسدون فلماذا تم تبكيت الملائكة إذن؟ إن تبكيت الملائكة يكون له وجه فيما لو كان المراد وجود من لا يفسد في الأرض وهو الإمام.

وقد يقال هنا أن الخلافة جعلت لآدم لكونه نبياً، وهي بالتالي لا تشمل غير النبي، فنقول إن هذا الفهم يخالف ما ثبت من أن الخلافة مستمرة في الزمان، بينما النبوة من الله منقطعة، ومعلوم أن النبوة من الله تعالى تستلزم وسيطاً بين الله والنبي يقوم بنقل الوحي والعلم، وهو المَلَك، وهذا لا يتم لأن الملائكة كلهم شملهم الامتحان، وكلهم لم يعرف الأسماء التي كانت معرفتها علة الخلافة، وعلة سجودهم لآدم، قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }[5]، فالسجود شملهم كلهم أجمعون. وسيتضح هذا المعنى أكثر فيما يلي من أدلة.

إن من يذهب إلى القول بأن المقصود من الخليفة هو مطلق الإنسان قد يبني على أساس ما ورد من آيات كريمة من قبيل قوله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }[6].

والآية كما هو واضح بصدد بيان خلافة المؤمنين للكافرين في ديارهم، وتمكينهم من دينهم بعد الخوف، والاستخلاف هنا إذن ليس هو خلافة عن الله تعالى.

وقوله تعالى: { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون }[7].

وهو واضح كذلك في خلافة المؤمنين للأرض، أي بسط نفوذهم فيها بعد إهلاك العدو، فهو خلافة المؤمنين للكافرين في ديارهم، أيضاً. فموسى (ع) يبشر المؤمنين إنهم إذا صبروا يفعل بهم الله ذلك.

وقوله تعالى: { وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين }[8].

والمراد من الاستخلاف هنا هو خلافة قوم لقوم، لا خلافة الله تعالى.

وقوله تعالى: { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون }[9].

وهو مثيل سابقاته. فالمؤمنين يخلفون الظالمين في ديارهم، من بعدهم.

وقوله تعالى: { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير }[10].

هذه الآية بصدد الحديث عن الأموال التي جعلهم الله مستخلفين عليها.

وقوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }[11].

الآية تحذرهم من أنهم إذا ما تولوا يستخلف الله غيرهم في أرضهم وديارهم، ولا دلالة فيها على خلافة الله في أرضه.

وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }[12].

فهم خلائف الأرض، أي يرثونها من غيرهم، وليسوا خلفاء لله فيها.

وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ }[13].

هم خلائف من قد أغرقهم الله في الطوفان، فورثوا أرضهم وديارهم.

وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً}[14].

المراد من الاستخلاف في هذه الآية هو جعل البشر خلفاء في الأرض لعمارتها، وهو ليس الاستخلاف الخاص الذي يتطلب علماً مخصوصاً.

إن العلم المخصوص الذي أُعطي للخليفة يدل على أنه ليس كل النوع البشري، وإنما هو نمط خاص منهم.

وعلى أية حال ورد في التفاسير هذا المعنى وهو مخصوصية الخليفة وكونه حاكماً أو إماماً، وسأنقل هنا بعض كلمات المفسرين في هذا الصدد:-

أ‌-     جامع البيان – ابن جرير الطبري:

( فكان تأويل الآية على هذه الرواية التي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عباس: إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي ، وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه )[15].

وهو تأكيد واضح لما قلنا.

ب – تفسير الثعلبي:

قال في صدد تفسير الآية:

( في معنى الخليفة قيل: سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، طلحة والزبير وكعبا وسلمان: ما الخليفة من الملك؟ فقال طلحة والزبير: ما ندري. فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعية ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري ، ولكن الله عز وجل ملأ سلمان حكما وعلما وعدلا )[16].

وفيه بيان أن الخليفة هو الحاكم.

ج- تفسير السمعاني:

قال في صدد تفسير الآية:

( وقيل : إنما سمى خليفة لأنه خليفة الله في الأرض ؛ لإقامة أحكامه ، وتنفيذ قضاياه ، وهذا هو الأصح )[17].

د – تفسير النسفي:

( ( إني جاعل ) * أي مصير من جعل الذي له مفعولان وهما * ( في الأرض خليفة ) * وهو من يخلف غيره فعيلة بمعنى فاعلة وزيدت الهاء للمبالغة والمعنى خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته ولم يقل خلاف أو خلفاء لأنه أريد بالخليفة آدم واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما تستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك مضر وهاشم أو أريد من يخلفكم أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك أو خليفة مني لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي قال الله تعالى * ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) )[18].

النسفي يذهب إلى القول بأن آدم (ع) خليفة الله، وكذلك كل نبي، ويستشهد بقوله تعالى: ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض )، وفيه دلالة جلية على أن الخليفة بمعنى الحاكم.

هـ- زاد المسير:

( وفي معنى خلافة آدم قولان : أحدهما : أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ، ودلائل توحيده ، والحكم في خلقه ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد . والثاني : أنه خلف من سلف في الأرض قبله ، وهذا قول ابن عباس والحسن )[19].

القول الأول نص فيما قلناه، وستأتي مناقشة القول الثاني.

ومثله ورد في تفسير الرازي:

( الثاني : إنما سماه الله خليفة لأنه يخلف الله في الحكم بين المكلفين من خلقه وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والسدي وهذا الرأي متأكد بقوله : * ( إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) )[20].

وكذلك في تفسير العز بن عبد السلام:

( ( خليفة ) * الخليفة من قام مقام غيره ، خليفة : يخلفني في الحكم بين الخلق ، هو آدم صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ذريته ، أو بنو آدم يخلفون آدم ، ويخلف بعضهم بعضا في العمل بالحق ، وعمارة الأرض ، أو آدم وذريته خلفاء من الذين كانوا فيها فأفسدوا ، وسفكوا الدماء )[21].

تفسير القرطبي:

( والمعنى بالخليفة هنا – في قول ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل – آدم عليه السلام ، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره ، لأنه أول رسول إلى الأرض ، كما في حديث أبي ذر ، قال قلت : يا رسول الله أنبيا كان مرسلا ؟ قال : ( نعم ) الحديث ويقال : لمن كان رسولا ولم يكن ‹ صفحة 264 › في الأرض أحد ؟ فيقال : كان رسولا إلى ولده ، وكانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى ، وتوالدوا حتى كثروا ، كما قال الله تعالى : ” خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ” [ النساء : 1 ] . وأنزل عليهم تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير . وعاش تسعمائة وثلاثين سنة ، هكذا ذكر أهل التوراة . وروي عن وهب بن منبه أنه عاش ألف سنة ، والله أعلم . الرابعة – هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع ، لتجتمع به الكلمة ، وتنفذ به أحكام الخليفة . ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم ، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه ، قال : إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك ، وأن الأمة متى أقاموا حجهم وجهادهم ، وتناصفوا فيما بينهم ، وبذلوا الحق من أنفسهم ، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها ، وأقاموا الحدود على من وجبت عليه ، أجزأهم ذلك ، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولى ذلك . ودليلنا قول الله تعالى : ” إني جاعل في الأرض خليفة ” [ البقرة : 30 ] ، وقوله تعالى : ” يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ” [ ص : 26 ] ، وقال : ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ” [ النور : 55 ] أي يجعل منهم خلفاء ، إلى غير ذلك من الآي . وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين ، حتى قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك ، وقالوا لهم : إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ، ورووا لهم الخبر في ذلك ، فرجعوا وأطاعوا لقريش . فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها ، ولقال قائل : إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم ، فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة ، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك ، فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين ، والحمد لله رب العالمين )[22].

القرطبي في هذا النص المقتبس من تفسيره يؤكد كون آدم خليفة لله في الأرض، وأن خلافته تعني الإمامة، وإنها ركن من أركان الدين. وإذا كان القرطبي يقحم في النص رأيه بأبي بكر، فإننا سنرى لاحقاً حظ رأيه هذا من الصحة.

تفسير البيضاوي:

( والخليفة من يخلف غيره وينوب منابه والهاء فيه للمبالغة والمراد به آدم عليه الصلاة والسلام لأنه كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي استخلفهم الله في عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتلقي أمره بغير وسط ولذلك لم يستنبئ ملكا كما قال الله تعالى * ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) * ألا ترى أن الأنبياء لما فاقت قوتهم واشتعلت قريحتهم بحيث يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار أرسل إليهم الملائكة )[23].

البيضاوي بدوره يؤكد المعنى الذي قلناه، ويعلل ضرورة وجود خليفة لله بفكرة أن قصور المستخلف تقتضي وجود واسطة تستقبل الفيض الإلهي.

تفسير ابن كثير:

( خليفة ” قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة . قالوا : ربنا وما يكون ذاك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . قال ابن جرير فكان تأويل الآية على هذا إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه ، وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه )[24].

ابن كثير ينقل عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة أن الخليفة هو خليفة لله يخلفه في الحكم.

وأضاف ابن كثير في موضع آخر من تفسيره قوله: ( وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب )[25].

تفسير الجلالين:

(* أذكر يا محمد * ( إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) * يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم )[26].

وهو واضح في أن الخلافة بمعنى الحكم.

تفسير الثعالبي، وهو في صدد تفسير الآية:

( وقال ابن مسعود : إنما معناه : خليفة مني في الحكم )[27].

تفسير الآلوسي:

( ومعنى كونه خليفة أنه خليفة الله تعالى في أرضه ، وكذا كل نبي استخلفهم في عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم لا لحاجة به تعالى ، ولكن لقصور المستخلف عليه لما أنه في غاية الكدورة والظلمة الجسمانية ، وذاته تعالى في غاية التقدس ، والمناسبة شرط في قبول الفيض على ما جرت به العادة الإلهية فلا بد من متوسط ذي جهتي تجرد وتعلق ليستفيض من جهة ويفيض بأخرى . وقيل : هو وذريته عليه السلام ، ويؤيده ظاهر قول الملائكة ، فإلزامهم حينئذ بإظهار فضل آدم عليهم لكونه الأصل المستتبع من عداه ، وهذا كما يستغني بذكر أبي القبيلة عنهم ، إلا أن ذكر الأب بالعلم وما هنا بالوصف ، ومعنى كونهم خلفاء أنهم يخلفون من قبلهم من الجن بني الجان أو من إبليس ومن معه من الملائكة المبعوثين لحرب أولئك على ما نطقت به الآثار ، أو أنه يخلف بعضهم بعضا ، وعند أهل الله تعالى المراد بالخليفة آدم وهو عليه السلام خليفة الله تعالى وأبو الخلفاء والمجلي له سبحانه وتعالى ، والجامع لصفتي جماله وجلاله )[28].

وزاد الآلوسي في موضع آخر قوله:

( ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام )[29].

وهو واضح في استمرار الخلافة إلى قيام الساعة، وقوله الإنسان الكامل تقييد أخرج به خلافة غير الكامل.

أضواء البيان – الشنقيطي:

( في قوله : * ( خليفة ) * وجهان من التفسير للعلماء : أحدهما : أن المراد بالخليفة أبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ؛ لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره )[30].

وأضاف قوله:

( قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة ؛ يسمع له ويطاع ؛ لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم إلى أن قال : ودليلنا قول الله تعالى : * ( إني جاعل في الأرض خليفة ) * . وقوله تعالى : * ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) * . وقال : * ( وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) * . أي : يجعل منهم خلفاء إلى غير ذلك من الآي )[31].

والملاحظ على المفسرين السنيين أنهم ينقلون آراء متعددة في المسألة، ومن بينها قولهم أن خلافة آدم تعني خلافته للملائكة الذين سكنوا الأرض بعد القضاء على المفسدين الذين كانوا يسكنوها، وهو معنى يناقضه تعليم آدم الأسماء. فالعلم بها يراد منه تأهيله لمهمة خلافة الله، ولم يكن الغرض منه منع الجنس البشري من الفساد، وكيف وهو حاصل، بل إن الله سبحانه لم ينف وقوع الفساد من الجنس البشري، فالعلم وامتحان الملائكة به يثبت أنهم غير مؤهلين لخلافة الله، بعكس آدم (ع)، بل إن نفس اعتراض الملائكة (  قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) يدل على أنهم فهموا من الخلافة خلافة الله تعالى، فدلالة قولهم هي أنهم يستنكرون أن يكون الخليفة لله مفسداً، ولو كانت الخلافة لأولئك المفسدين لم يكن موجب لهذا الاستنكار.

2-  قوله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }[32].

الخلافة هنا كما هو واضح بمعنى الحكم، والخليفة هو الحاكم والإمام، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾، والخلافة هنا إنها جعل وتنصيب من الله تعالى، ويلاحظ أنها لم تنسب إلى الناس جميعاً أو إلى البشريّة، وإنّما نُسبت إلى شخص داود الذي هو معيّن من قبل الله تبارك وتعالى، ولم يكن للناس أيّ دخل في تعيينه.

وقد ورد هذا المعنى في كلمات الكثير من علماء العامة، من قبيل العيني، حيث قال:

( قرأ الحسن البصري قوله تعالى : * ( يا داوود إنا جعلناك خليفة ) * أي صيرناك خلفا عمن كان قبلك * ( في الأرض ) * أي : على المُلك من الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها )[33].

وقال ابن جرير الطبري:

( وقوله : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض يقول تعالى ذكره : وقلنا لداود : يا داود إنا استخلفناك في الأرض من بعد من كان قبلك من رسلنا حكما بين أهلها )[34].

وقال الرازي:

( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب * وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار * كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) * اعلم أنه تعالى لما تمم الكلام في شرح القصة أردفها ببيان أنه تعالى فوض إلى داود خلافة الأرض ، وهذا من أقوى الدلائل على فساد القول المشهور في تلك القصة ، لأن من البعيد جدا أن يوصف الرجل بكونه ساعيا في سفك دماء المسلمين ، راغبا في انتزاع أزواجهم منهم ثم يذكر عقيبه أن الله تعالى فوض خلافة الأرض إليه ، ثم نقول في تفسير كونه خليفة وجهان الأول : جعلناك تخلف من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى الله تعالى ، وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفه ، وذلك إنما يعقل في حق من يصح عليه الغيبة ، وذلك على الله محال. الثاني : إنا جعلناك مالكا للناس ونافذ الحكم فيهم فبهذا التأويل يسمى خليفة، ومنه يقال خلفاء الله في أرضه ، وحاصله أن خليفة الرجل يكون نافذ الحكم في رعيته وحقيقة الخلافة ممتنعة في حق الله ، فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة مفيدة اللزوم في تلك الحقيقة وهو نفاذ الحكم )[35].

وفي كلام الرازي إشارة إلى ما يتهم به البعض داود (ع) في قصة أوريا، وبقية كلامه يتضح منها ما قلنا.

3-  {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }[36].

هذه الآية الكريمة تنص على أن الإمامة جعل من الله تعالى، ففيها ( إني جاعلك للناس إماما )، كما أن قوله تعالى: ( لا ينال عهدي الظالمين ) جواباً على طلب إبراهيم الإمامة لذريته دليل على أن إمامة الظالم ليست من الله تعالى وهي بالنتيجة إمامة باطلة وغير شرعية.

والآية علاوة على ما تقدم تدل على أن الإمامة أمر آخر غير النبوة، فإبراهيم (ع) قد استحق الإمامة بعد أن رزقه الله بالذرية وهو شيخ، قال تعالى:

{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}[37].

وإبراهيم (ع) كان نبياً قبل أن يرزق بالذرية كما هو معلوم.

وفي الآية كذلك دليل على أن مقام الإمامة أعظم شأناً من مقام النبوة، فقد استحقها إبراهيم النبي (ع) بعد أن اجتاز بنجاح جملة من الابتلاءات أوضحها امتحانه بذبح ولده إسماعيل (ع)، قال تعالى: (  {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }[38]، إلى قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ}[39].

وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المقصود من الإمامة هنا هي النبوة، قال أبو حيان الأندلسي: ( والمراد بالإمام هنا النبي أي صاحب شرع متبع، لأنه لو كان متبعاً لرسول لكان مأموماً لذلك الرسول لا إماماً له، ولأن لفظ الإمام يدل على أنه إمام في كل شيء، ومن يكون كذلك لا يكون إلا نبياً، ولأن الأنبياء من حيث يجب على الخلق إتباعهم هم أئمة قال تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)، والخلفاء أيضاً أئمة وكذلك القضاة والفقهاء والمصلي بالناس ومن يؤتم به في الباطل قال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار)، فلما تناول الاسم هؤلاء كلهم وجب أن يحمل هنا على أشرف المراتب وأعلاها، لأنه ذكره في معرض الامتياز فلابد أن يكون أعظم نعمة، ولا شيء أعظم من النبوة)[40].

وهذا الكلام مردود لما عرفناه من استحقاق إبراهيم (ع) لمقام الإمامة بعد أن كان نبياً وبعد اجتياز جملة من الامتحانات، وفي أواخر حياته.

فقد رزق بإسماعيل (ع) بعد تحطيم الأصنام في بابل وإعداد العدة للخروج إلى فلسطين حيث وافاه الوحي وبشره (فبشرناه بغلام حليم)، ورزق بإسحاق (ع) فقد عندما دخل الملائكة عليه ضيوفاً فقالوا: (إنا نبشرك بغلام عليم).

وذهبت جماعة أخرى من المفسرين إلى أن المقصود من الإمامة هنا بمعنى القدوة، قال جلال الدين السيوطي: ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يقتدى بدينك وهديك وسنتك)[41].

وقال ابن كثير بعد ذكره للآية الشريفة: ( لما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماماً يقتدون به ويأتمون بهديه )[42].

وذكر ابن عربي في تفسير هذه الآية: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) بالبقاء بعد الفناء والرجوع إلى الخلق من الحق تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ويقتدون بك فيهتدون)[43].

هذا الرأي لا يمكن قبوله، لأن القدوة والهداية هي من لوازم النبوة، فإذا كان الإنسان نبياً فلازم هذا المقام أن يكون مقتدى ومتبعاً وأسوة وهادياً لمن بُعث إليهم، فإذا علمنا أن إبراهيم (عليه السلام) كان نبياً حين جعله الله إماماً فهذا يعني أن إعطاءه الإمامة بمعنى القدوة والأسوة سيكون تحصيلاً للحاصل، أي كأنه لم يعطه شيئاً، لأنها متحصلة عنده سلفاً.

يقول الرازي في ذيل هذه الآية: وقوله: ( وَ مِن ذُرِّيَّتِى ) طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال، فتصير الآية كأنّه تعالى قال : (لا ينال الإمامة الظالمين، وكل عاص فإنّه ظالم لنفسه) فكانت الآية دالّة على ما قلناه.

فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً، ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة.

قلنا: أمّا الشيعة، فيستدلّون بهذه الآية على صحّة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً. وأمّا نحن فنقول: مقتضى الآية ذلك. إلاّ أنّا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة )[44].

الرازي يترك اعتبار الباطن في العدالة دون أن يبين، على الرغم من إنه قال: (مقتضى الآية ذلك)، وعلى أي حال ستأتي مناقشة مسألة العصمة.

4-  قوله تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[45].

الآية واضحة في أن المُلك اصطفاء أو اختيار إلهي ليس للناس يد فيه، ولا هو موكول لهم، يقول الزمخشري: ( .. ( إن الله اصطفاه عليكم ) يريد أن الله هو الذي اختاره عليكم وهو أعلم بالصالح منكم ولا اعتراض على حكم الله )[46].

وثمة الكثير من الآيات التي تدل على هذا المطلب، منها:

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[47].

وقوله تعالى: ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }[48].

وقوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }[49].

وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا }[50].

وقوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )[51].

وقوله تعالى: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[52].

وقوله تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً )[53].

وقوله تعالى: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }[54].

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[55].

وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }[56].

وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[57].

هذه الآيات كلها – وغيرها الكثير – تدل على أن الحاكم الشرعي هو الذي ينصبه الله تعالى، لا الذي يسطو على الحكم بالقوة والغلبة، ولا الذي يصل بما يسمونه الانتخابات واختيار الناس.

ولكي نستكمل البحث ينبغي أن نتعرض إلى الآيات التي استدل بها البعض على أن الخلافة تتم بالشورى، أي باختيار الناس.

الآيات التي استدل بها البعض على أن الخلافة تتم بالشورى، أي باختيار الناس

النص الأول :

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[58].

الآية الكريمة كما يتضح من سياقها يتحرك مدلولها في إطار الجو الأسري، فالأبوان يتشاوران بشأن وليدهما الرضيع، فقد تتم الأم رضاعه إلى الحولين، وقد تفصله عن الرضاع، وقد ينتهي التشاور إلى اتخاذ مرضعة له. فالآية فيها ثقافة إسلامية مهمة تتعلق بإدارة شؤون الأسرة والمنطق التشاوري الذي ينبغي أن يسود فيها، ولا علاقة لها من بعيد أو قريب بمسألة الحكم أو الإمامة.

النص الثاني :

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }[59].

في هذه الآية خطاب من الله عز وجل لنبيه الكريم (ص) بعد ما آلت له الأمور من هزيمة القسم الأعظم من جيش المسلمين، حيث نجد الخطاب الإلهي يكرس ثقافة الابتعاد عن تقريع المنهزمين، وعدم إشعارهم بتقصيرهم، ويوجه إلى استعمال اللين والمشاورة بين القائد والجند أو المقودين، وهو منهج رحيم يحفظ اللحمة والتماسك المجتمعي.

ولكن الآية في الوقت ذاته أخبرت بأن النبي (ص) إذا عزم على أمر فيه الصواب والصلاح يفعله متوكلاً على الله تعالى، حتى إن كان هذا الأمر بخلاف آراء من يستشيرهم، فالآية لم تقل للنبي (ص) نفذ ما يراه القوم صحيحاً، بل قالت ( فإذا عزمت فتوكل على الله ). أي افعل ما تراه صالحاً سواء كان هذا مما نطق به المستشارين أو لا.

وفي صدد الموضوعات التي تدخل في دائرة الاستشارة، قال الشوكاني – وكثير غيره من المفسرين: ( إن المراد أيُّ أمر كان مما يشاور في مثله ، أو في أمر الحرب خاصة كما يفيده السياق . . . والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها )[60].

فموضوع المشاورة، بحسب الشوكاني، ليس هو أمور الدين التي هي من شأن الشرع، وإنما أمر الحرب، وما يمكن التشاور فيه مما لم يرد به شرع. والتأريخ شهد بأن النبي (ص) قد استشار أصحابه في بعض شؤون الحرب كما حدث في اختيار لقاء العدو يوم بدر، وفي أسارى بدر، وفي الخروج إلى أحد، وفي الخندق، أما غير شؤون الحرب فقد كان طلب المشورة يحصل نادراً.

بل حتى شؤون الحرب لم تكن كلها خاضعة لمبدأ الشورى، فقرار النبي (ص) في اختيار الحرب وتحديد مكانها وزمانها كان دائماً هو الحاسم، والشاهد على هذا قراره (ص) في إنفاذ بعث أسامة، على الرغم من كثرة الخلاف واللغط بين الصحابة حوله، والأمر نفسه في مسألة اختيار زيد بن حارثة أميراً على جيش مؤتة، وهناك أيضاً مثل آخر هو عقده (ص) لصلح الحديبية، والأمثلة كثيرة.

ويمكننا أن نتوضح أبعاد الشورى من ملاحظة الأحاديث وأقوال المفسرين؛                   فعن قتادة، قال: ( أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على الرشدة )[61].

فالقائد يشاور أصحابه لتحقيق المنافع المذكورة، لا أن المشاورة واجب يلزمه.

وعن الحسن، قال: ( قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده )[62].

الأمر إذن يتعلق بإيجاد سنة يتبعها القادة من بعده (ص)، لأنهم أولى بإتباعها، إذ هو لا حاجة له بها.

ومثل الحسن قال الرازي: ( ليقتدي به غيره في المشاورة، ويصير سنة في أمته)[63].

ويُلاحظ على هذه الشورى أنها لم تتخذ صورة منظمة فالرسول (ص) كان يختار للمشورة أحياناً من يشاء، وأحياناً يستمع إلى مشير يبدي رأيه ابتداء، دون أن ينتخب أشخاصاً بأعيانهم للمشاورة في النوازل، فيوم الخندق، أشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق حول المدينة، فأخذ برأيه، وأيام الخندق ذاتها، أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفت في عضد الأحزاب ويفرق شملهم ليخفف على أهل المدينة ضنك الحصار، بأن يصالح كبير غطفان عيينة بن حصن على سهم من ثمر المدينة لينسحب بمن معه من غطفان وهوازن ويخذل الأحزاب، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الأمر سيدي الأوس والخزرج من الأنصار: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك، فقالا: يا رسول الله، إن كنت أمرت بشيء فافعله وامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لم أؤمر بشيء، ولو أمرت بشيء ما شاورتكما، بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. وسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهما، فقال لعيينة بن حصن، ورفع صوته بها ارجع، فليس بيننا وبينكم إلا السيف[64]. وفي هذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اختبر صبر الأنصار وثباتهم وصدق إيمانهم. كما كشف هذا الحوار صراحة أنه لا محل للشورى في ما كان عن أمر من الله ورسوله. وفي حدث ثالث كان المستشار علي عليه السلام وزيد بن حارثة، ذلك حين كان حديث الإفك. وفي حدث رابع استمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مشورة امرأة واحدة، هي أم المؤمنين أم سلمة، وذلك يوم الحديبية ، بعد إمضاء الصلح، إذ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن ينحروا ما معهم من الهدي الذي ساقوه، فلم ينحر أحد، فبان الغضب بوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعاد إلى خيمته، فقالت له أم سلمة، لو نحرت يا رسول الله لنحروا بعدك، فنحر صلى الله عليه وآله وسلم هديه، فنحروا بعده[65]. هذه هي أشهر نماذج الشورى التي يعرضها التاريخ، بغض النظر عن صحة أسانيدها أو ضعفها، منذ نزلت آية الشورى هذه حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  فليس هناك شيء أكثر مما كان قبل نزولها، وليس هناك نظام محدد، ولا أشخاص معينون. وليس هناك أثر لما دعاه البعض ( هيئة العشرة ) . . تلك هيئة ليس لها أثر أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها، ولا استطاع مدعيها[66] أن يأتي بشاهد تاريخي واحد على وجودها في أيام النبي ( ص )، ولا يستطيع أن يأتي بشاهد واحد يؤيدها من حياة أبي بكر كلها وحياة عمر كلها، لغاية اختياره الستة المعروفين لشورى الخلافة! وأضعف من هذه الدعوى ما جاء في محاولة البرهنة عليها من أشياء متكلفة، وأخرى لا واقع لها، وأخرى تفيد نفيها بدلا من إثباتها! ومن أنكر وأغرب ما استدل به ، وهو يراه أقوى أدلة الإثبات ، ثلاثة أشياء ، هي الأول : قوله : يتحدث سعيد بن جبير عن هذه الحقيقة الهامة ، فيقول : ( وكان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة وسعيد بن زيد ، كانوا أمام رسول الله في القتال ووراءه في الصلاة ). ثم يستنتج من هذا القول أن هؤلاء العشرة لم يكونوا فقط وزراء الرسول ومجلس شوراه ، وإنما كانوا يديمون الوقوف خلفه مباشرة في الصلاة ، كما يلتزمون الوقوف أمامه عند الحرب والقتال[67]!! إننا بغض النظر عن صحة نسبة مثل هذا القول إلى سعيد بن جبير ، أو عدمها ، لو سألنا الباحث أن يكشف لنا حربا واحدة فقط من حروب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقف فيها هؤلاء العشرة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت القتال ، لعاد بعد بحث طويل في خيبة أمل ! الثاني : قوله : هؤلاء العشرة فيهم أول ثمانية دخلوا في دين الإسلام ، فهم أولون في الإسلام ، ومهاجرون[68]. وهذا كلام مع ما فيه من تهافت فهو دعوى غير صحيحة أيضاً. فهل كان سبق الثمانية إلى الإسلام هو الذي رفع الاثنين الآخرين ؟  ثم أين هذا السبق، وكلهم – ما خلا علي – مسبوق؟ إنهم ، غير الإمام علي عليه السلام ، مسبوقون إلى الإسلام ، سبقتهم خديجة ، وجعفر بن أبي طالب ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأخوه عثمان ، وسبقهم زيد بن حارثة ، وسبقهم أبو ذر الغفاري خامس الإسلام ، وسبقهم آخرون[69].

الثالث: وهو أكثرها نكارة ، ما نقله عن المستشرق فان فلوتن ، بعد أن قدم له بسؤال مثير ، فقال : ( ولكن هل خرجت الشورى على عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظم ، إلى نطاق التنظيم المحكوم بمؤسسة من المؤسسات ؟ ) . فلما لم يجد لهذا التساؤل الهام جوابا من التاريخ ، تعلق بالخطأ الذي وقع فيه فان فلوتن لسوء فهمه لمفردات العربية ، فحين قرأ عن أصحاب الصُّفّة وهم المقيمون في المسجد على صفة كبيرة فيه، والبالغ عددهم سبعين رجلا، ظن أن الصفة تعني ( الصفوة )! فظن أن صفوة الصحابة كانوا سبعين رجلا لا يفارقون المسجد كمؤسسة استشارية تتخذ من المسجد مقرا لها ، ولم يفهم أن أصحاب الصفة هؤلاء هم أضعف المسلمين حالا ، لا يملكون مأوى لهم فاتخذوا المسجد مأوى ! ! وليس هذا بمستغرب من مستشرق لا يتقن العربية ، ولا تعنيه فداحة الخطأ العلمي بقدر ما يعنيه الادلاء برأيه . . لكن المستغرب أن يأتي باحث كالشيخ محمد عمارة فيعتمد هذا الخطأ العلمي مصدرا لتثبيت قضية هامة كهذه ، قائلا : ( نعم ، فهناك ما يشير إلى وجود مجلس للشورى في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضوا ) ويصرح أن مصدره فان فلوتن[70]!

ولديهم وجه آخر في تفسير مشاورة الرسول (ص) لأصحابه وهو ما روي عنه : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم )! لكن هذا الوجه مردود من أول نظرة، حتى على فرض صحة الحديث. ذلك أن هذا كان في واقعة محددة ، هي قضية تأبير النخل في عام من الأعوام ، وقضية مثل هذه لا تدخل في شؤون النبوة ولا في شؤون القيادة السياسة والاجتماعية ، فلم يكن قائد من قواد الأمم مسؤولاً عن نظام تأبير النخل! أو عن إصلاح شؤون بيوت الناس من ترتيب أثاثها وترميم قديمها ! أو كيفية خياطة الثياب ! أو طريقة رصف السلع في الأسواق ! هذه هي أمور دنيا الناس التي يباشرونها بأذواقهم وبخبراتهم الخاصة الخاضعة لظروفها الزمانية والمكانية . أما أن يقال إن من الناس من هو أعلم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشؤون سياسة الدولة ، وأقدر منه على تقدير مصالحها وحفظها ، فهذا من الفكر الشاذ الذي لا يستقيم ومبادئ الإسلام . فمن المستنكر جدا أن يستفاد من حديث أنتم أعلم بأمور دنياكم أنهم أعلم منه بسياسة البلاد وبتخطيط النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية!

إن الحديث لا يتجاوز في معانيه تلك الأمثلة المتقدمة في شؤون الناس الخاصة التي يتعاهدونها بأنفسهم ، وليس القائد – نبيا أو غيره – بمسؤول عن تنظيمها . إذن فخلاصة ما وقفنا عليه أن الشورى التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزاولها إنما هي شورى الحاكم ، القائد ، يشاور من يشاء من أهل الخبرة أو أهل الصلة المباشرة بالأمر ، وليس هناك ما يشير من قريب أو بعيد إلى اعتماد الشورى في تعيين رأس النظام السياسي والاجتماعي في الإسلام ، هذا حتى لو تحقق في التاريخ وقوع مشاورة في ما يتصل بخطط سياسية أو اجتماعية .

وثمة بعد ثان للشورى هو أبعد من الأول عن شؤون النظام السياسي ، وهو البعد الاجتماعي ، المتمثل بمزاولة الناس للشورى في شؤونهم الخاصة، ولم نقل إنها ذات بعد شخصي فقط ، ذلك لأنها علاقة بين طرفين ، المشير والمستشار ، وعلى الثاني مسؤوليته في النصح والصدق والأمانة ، فعادت علاقة اجتماعية ، ذات أثر اجتماعي هام .

فقد روى ابن عباس أنه لما نزلت ( وشاورهم في الأمر ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ، ومن تركها لم يعدم غيا[71]. فلم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إلى الشورى في أمور الدنيا ليستنير برأي ويهتدي إلى صواب ، بل كان غنيا عن ذلك ، وإنما هي رحمة للعباد لئلا يركبوا رؤوسهم في شؤونهم وأعمالهم ويتمادوا بالغطرسة والاعتداد بالرأي الذي يوردهم المهالك ! ويوضحه الحديث الشريف عنه ( ص ) : ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم[72]. والحديث الشريف: استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا[73]. وقد ورد حديث كثير في الحث على المشورة بهذا المعنى ، وحديث يخاطب المستشار بمسؤوليته : المستشار مؤتمن[74]. من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه[75]. هذا البعد الاجتماعي للشورى هو الذي يبرز في خطاب النص الثالث من نصوصها.

النص الثالث :

قوله تعالى : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }[76].

جاءت هذه الآية الكريمة ضمن سياق عام يتحدث عن خصائص المجتمع الأمثل، قال تعالى : ( . . . وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ). فهي ناظرة إلى ظواهر يتميز بها المجتمع الإسلامي التي تمثل أهداف الإسلام وآدابه ، فمع ما يتحلون به من الإيمان ، وحسن التوكل على الله تعالى ، واجتناب الكبائر والفواحش ، والعفو والمسامحة ، والاستجابة لأمر ربهم ، وإحياء الصلاة ، ورد البغي والعدوان ، فهم أيضا شأنهم المشاورة بينهم. ففيه الإشارة إلى أنهم أهل الرشد وإصابة الواقع ، يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول . فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى : ( يستمعون القول فيتبعون أحسنه ). وهذه نصوص تؤكد على أهمية التشاور والاسترشاد : وعلى هذا انطلق المفسرون في ظلال هذا النص يتحدثون عن استحباب مشاورة الناس لمن أهمه أمر ، والاسترشاد بعقول الآخرين وآرائهم الناضجة ، دائرين في دائرة ذلك البعد الاجتماعي الذي تقدم آنفا . . ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم . استرشدوا العاقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا . من أراد أمرا فشاور فيه ، اهتدى لأرشد الأمور[77].

أخرج السيوطي ، منسوبا إلى الإمام علي عليه السلام قال : قلت : يا رسول الله ، الأمر ينزل بنا بعدك ، لم ينزل فيه قرآن ، ولم يسمع منك فيه شئ ؟ قال : اجمعوا له العابد من أمتي ، واجعلوه بينكم شورى ، ولا تقضوه برأي واحد[78].

والبحث فيه على فرض صحته ، علما أنه لم يرد في شيء من مصادر الحديث المعتمدة . . فهو حديث عن أمر لم ينزل فيه قرآن ، ولم يرد فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مما قد يستجد بعده من أمور لم يكن لها موضوع ، أو ضرورة تدعوه لطرقها وتقديم الإرشاد فيها . . وهذا موضوع عام لسائر مستجدات الحياة المدنية والاجتماعية والتنظيمية . . ثم إن جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجه على ما يبدو إلى جهة تتولى مهام القيادة، وتقع عليها مسؤولية الحكم: (اجمعوا له العابد من أمتي) فهناك جهة مسؤولة هي التي تتولى مهمة جمع الصالحين من المؤمنين للمشاورة، أما إذا كان الأمر قد ورد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقوله نافذ ، ولا محل للشورى والرأي فيه. والبحث في هذا الحديث إنما كان على فرض صحته ، والثابت أنه لم يصح وليس له أصل ، قال فيه ابن عبد البر : هذا حديث لا أصل له ! وقال الدارقطني : لا يصح ! وقال الخطيب : لا يثبت عن مالك[79].

ولنتابع الشورى في التاريخ والفقه السياسي، بعد أن ثبت في البحث المتقدم أن شيئا ما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يمكن أن يلتمس منه إيكال أمر اختيار خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشورى ، بل الأدلة الثابتة من الكتاب والسنة قائمة على عدم إيكاله إلى أحد من الأمة مطلقا . ومما يشهد بذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عرض الإسلام على القبائل اشترط عليه بعضهم أن يكون الأمر لهم من بعده ، فرفض في تلك الظروف الصعبة هذا الشرط قائلا : إن الأمر لله يضعه حيث يشاء[80]. وعدم ورود شئ عن النبي (ص) في هذا الموضوع ، قضية مفروغ منها ، متفق عليها ، لا نزاع فيها.

فمتى ولد التفكير في إسناد هذا الأمر إلى الشورى؟

أول ظهور لمبدأ الشورى هذا أمر أثبته أصحاب التاريخ وأصحاب الحديث ، بلا نزاع فيه ولا خلاف . . اتفقوا على أن ذلك مبدأ سنه عمر بن الخطاب قبل وفاته ، وليس له قبل هذا التاريخ أثر . . قال القرطبي ، بعد كلام في استحباب الشورى : ( وقد جعل عمر بن الخطاب الخلافة – وهي أعظم النوازل – شورى )[81]. وقال ابن كثير : ( وأمرهم شورى بينهم ) أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم ، في مثل الحروب وما جرى مجراها ، كما قال تبارك وتعالى : ( وشاورهم في الأمر ) ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم . وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة حين طعن جعل الأمر بعده شورى[82]. فانظر إلى هذا التحول الكبير في المدى الذي حدث قبل وفاة عمر، ولم يكن له قبلها أثر! أما كيف حدث هذا التحول الكبير ؟ وتحت أي دافع ؟ فهذا سؤال هام أجاب عنه عمر بن الخطاب بنفسه في ذات الوقت الذي جعل فيه الخلافة شورى ، ذلك في خطبته الشهيرة التي ذكر فيها السقيفة وأخبارها ، ثم قال : ( لا يغترن أمرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا إنها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرها ! فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تغرة أن يقتلا )[83]. أما سبب هذه الخطبة التي أفرزت ( الشورى ) مبدءاً في اختيار الخليفة لأول مرة ، فيحدثنا عنه القسطلاني وهو يفك ألغازها . . فبعد أن يأتي بإسنادها الذي أورده البخاري عن ابن عباس ، وفيه أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى ابن عباس في موسم الحج وكان يتعلم عنده القرآن ، فقال له : لو سمعت ما قاله أمير المؤمنين – يعني عمر بن الخطاب – إذ بلغه أن ” فلانا ” قال : لو قد مات عمر لبايعت ” فلانا ” فما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة ، فهم عمر أن يخطب الناس ردا على هذا القول ، فنهيته لاجتماع الناس كلهم في الحج وقلت له إذا عدت المدينة فقل هناك ما تريد ، فإنه أبعد عن إثارة الشغب . . فلما رجعوا من الحج إلى المدينة قام عمر في خطبته المذكورة . . فمن هو ” فلان ” القائل ؟ ومن هو ” فلان ” الآخر ؟ حين تردد بعض الشارحين في الكشف عن هذين الاسمين ، استطاع ابن حجر العسقلاني أن يتوصل إلى ذلك بالإسناد الصحيح المعتمد عنده ، والذي ألغى به كل ما قيل من أقوال أثبت ضعفها ووهنها ، فقال : وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي ، من رواية هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن الزهري ، بالإسناد المذكور في الأصل ، ولفظه : ( قال عمر : بلغني أن الزبير قال : لو قد مات عمر لبايعنا عليا . . ) الحديث[84]! ! فذلك إذن هو السر في ثورة عمر ! وذلك هو السر في ولادة مبدأ الشورى في الخلافة !

إن الأساس الذي قامت عليه نظرية الشورى هو أن أمر الخلافة متروك إلى الأمة .. ومن هنا ابتدأت الأسئلة تنهال على هذه النظرية، عند البحث عن الدليل الشرعي في تفويض هذا الأمر إلى الأمة . . وعند محاولة إثبات شرعية الأسلوب الذي سوف تسلكه الأمة في الاختيار . . لقد رأوا في قوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) أفضل دليل شرعي يدعم هذه النظرية ، ومن هنا قالوا : إن أول وجوه انتخاب الخليفة هو الشورى . لكن ستأتي الصدمة لأول وهلة حين نرى أن مبدأ الشورى هذا لم يطرق أذهان الصحابة آنذاك . فانتخاب أول الخلفاء كان بمعزل عن هذا المبدأ تماما ، فإنما كان ” فلتة ” كما وصفه عمر ، وهو الذي ابتدأه وقاد الناس إليه ! ثم كان انتخاب ثاني الخلفاء بمعزل أيضا عن هذا المبدأ ! نعم ، ظهر هذا المبدأ لأول مرة على لسان عمر في خطبته الشهيرة التي ذكر فيها السقيفة وبيعة أبي بكر فحذر من العودة إلى مثلها ، فقال : ( فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تغرة أن يقتلا )[85]. ذلك القول الذي عرفنا قبل قليل أنه ما قاله إلا ليقطع الطريق على الإمام علي عليه السلام ومن ينوي أن يبايع له ! لكنه حين أدركته الوفاة أصبح يبحث عن رجل يرتضيه فيعهد إليه بالخلافة بنص قاطع بعيدا عن الشورى ! فقال : لو كان أبو عبيدة حيا لوليته[86]. ثم قال : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته[87]. ثم قال : لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته[88]. إذن لم يكن عمر يرى أن الأصل في هذا الأمر هو الشورى ، وإن كان قد قال بالشورى في خطبته الأخيرة إلا أنه لم يعمل بها إلا اضطرارا حين لم يجد من يعهد إليه ! لقد أوضح عن عقيدته التامة في هذا الأمر حين قال قبيل نهاية المطاف : ( لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى )[89]! ! ثم كانت الشورى . . وأي شورى ! ! إنها شورى محاطة بشرائط عجيبة لا مجال للمناقشة فيها ! وجملتها :

1 – إنها شورى بين ستة نفر ، وحسب ، يعينهم الخليفة وحده دون الأمة !

2 – أن يكون الخليفة المنتخب واحدا من هؤلاء الستة ، لا من غيرهم !

3 – إذا اتفق أكثر الستة على رجل وعارض الباقون ، ضربت أعناقهم !

4 – إذا اتفق اثنان على رجل ، واثنان على آخر ، رجحت الكفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف – أحد الستة – وإن لم يسلم الباقون ضربت أعناقهم !

5 – ألا تزيد مدة التشاور على ثلاثة أيام ، وإلا ضربت أعناق الستة أهل الشورى بأجمعهم ! !

6 – يتولى صهيب الرومي مراقبة ذلك في خمسين رجلا من حملة السيوف ، على رأسهم أبو طلحة الأنصاري[90]! فالحق أن هذا النظام لم يترك الأمر إلى الأمة لتنظر وتعمل بمبدأ الشورى ، بل هو نظام حدده الخليفة ، ومنحه سمة الأمر النافذ الذي لا محيد عنه ، ولا تغيير فيه ، ولا يمكن لصورة كهذه أن تسمى شورى بين المسلمين ، ولا بين أهل الحل والعقد . لقد كانت تلك الظروف إذن كفيلة بتعطيل أول شورى في تاريخ الإسلام عن محتواها ، فطعنت إذن في تلك القاعدة الأساسية المفترضة ( قاعدة الشورى ) .

والحق أن هذه القاعدة لم يكن لها عين ولا أثر من قبل . . فلم يكن أبو بكر مؤمنا بمبدأ الشورى قاعدة للنظام السياسي وأصلا في انتخاب الخليفة ، ولا مارس ذلك بنفسه ، بل غلق دونها الأبواب حين سلب الأمة حق الاختيار وممارسة الشورى إذ نص على عمر خليفة له ، ولم يصغ إلى ما سمعه من اعتراضات بعض كبار الصحابة على هذا الاختيار. علما أن اعتراض هؤلاء الصحابة المعترضين حينذاك لم يكن على طريقة اختيار الخليفة التي مارسها أبو بكر ، ولا قالوا : إن الأمر ينبغي أن يكون شورى بين الأمة ، ولا احتج أحدهم بقوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) ، وإنما كان اعتراضهم على اختياره عمر بالذات ، فقالوا له : استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ؟ ! وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك[91]! بل كان عمر صريحا كل الصراحة في تقديم النص على الشورى ، ذلك حين قال : ( لو كان سالم حيا لما جعلتها شورى )[92]! ! إن عهدا كهذا ليلغي رأي الأمة بالكامل ، وحتى الجماعة التي يطلق عليها ( أهل الحل والعقد ) ! قالوا : إذا عهد الخليفة إلى آخر بالخلافة بعده ، فهل يشترط في ذلك رضى الأمة ؟ فأجابوا : إن بيعته منعقدة ، وإن رضا الأمة بها غير معتبر ، ودليل ذلك : أن بيعة الصديق لعمر لم تتوقف على رضا بقية الصحابة[93]! لم يكن إذن لقاعدة الشورى أثر في تعيين الخليفة ! ! لعل هذه الملاحظات هي التي دفعت ابن حزم إلى تأخير مبدأ الشورى وتقديم النص والتعيين الصريح من قبل الخليفة السابق ، فقال : ( وجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه ، أولها وأصحها وأفضلها : أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته )[94]!

الهوامش

[1] – البقرة30

[2] – البقرة31

[3] – الفرقان44

[4] – الحجر29

[5] – ص73 .

[6] – النور55.

[7] – الأعراف 128- 129.

[8] – الأنعام133.

[9] – يونس14.

[10] – الحديد7.

[11] – هود57

[12] – الأنعام165

[13] – يونس73

[14] – فاطر39

[15] – ج1 – ص 289

[16] – ج1 – ص 177

[17] – ج1 – ص 64

[18] – ج 1 – ص 36

[19] – ابن الجوزي – ج 1 – ص 47

[20] – ج 2 – ص 165

[21] – ج 1 – ص 114

[22] – ج 1 – ص 263 – 265

[23] – ج 1 – ص 280

[24] – ج 1 – ص 73 – 74

[25] – تفسير ابن كثير – ابن كثير – ج 1 – ص 75

[26] – السيوطي – ص 8

[27] – ج 1 – ص 205

[28] – ج 1 – ص 220

[29] – ج 1 – ص 220

[30] – ج 1 – ص 20

[31] – أضواء البيان – الشنقيطي – ج 1 – ص 21.

[32] – ص26.

[33] – عمدة القاري- ج 24 – ص 240

[34] – جامع البيان- ج 23 – ص 180

[35] – تفسير الرازي – ج 26 – ص 199

[36] – البقرة124

[37] – هود72

[38] – الصافات102

[39] – الصافات106

[40] – تفسير البحر المحيط ج1 ص547.

[41] – الدر المنثورج1 ص288.

[42] – البداية والنهاية ج1 ص166.

[43] – تفسير ابن عربي ج1 ص73.

[44] – تفسير الرازي ج4 ص46-47.

[45] – البقرة247

[46] – الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل- ج 1 – شرح ص 379

[47] – آل عمران26

[48] – البقرة 251

[49] – القصص5

[50] – السجدة24

[51] – البقرة258

[52] – يوسف101

[53] – النساء54

[54] – البقرة251

[55] – البقرة258

[56] – الأنبياء73

[57] – السجدة24

[58] – البقرة233

[59] – آل عمران159

[60] – فتح القدير 1 : 393

[61] – الدر المنثور 2 : 358

[62] – الدر المنثور 2 : 358

[63] – تفسير الرازي 9 : 66

[64] – انظر: سيرة ابن هشام 3 : 234 ، الاستيعاب 2 : 37 ، تاريخ الطبري 2 : 573 عن الزهري .

[65] – انظر: تاريخ الطبري 2 : 637 عن الزهري

[66] – انظر: محمد عمارة ، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : 54

[67] – نفسه: 57

[68] – نفسه: 58

[69] – انظر : البداية والنهاية 3 : 34 – 38 ، ترجمة أبي ذر في : الاستيعاب ، أسد الغابة ، الإصابة ، سير أعلام النبلاء

[70] – الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : 53 .

[71] – الدر المنثور 2 : 359

[72] – أخرجه عبد بن حميد ، والبخاري في الأدب المفرد ، الدر المنثور 7 : 357 .

[73] – أخرجه الخطيب في ( رواة مالك ) ، الدر المنثور 7 : 357 .

[74] – مسند أحمد 5 : 274

[75] – مسند أحمد 2 : 321 .

[76] – الشورى38

[77] – الدر المنثور 7 : 357

[78] – الدر المنثور 7 : 357 ، وقال : أخرجه الخطيب في ( رواة مالك ) .

[79] – لسان الميزان 3 : 78 / 283 ترجمة سليمان بن بزيع .

[80] – ذكره أصحاب السيرة ، انظر منها : إنسان العيون 2 : 154 .

[81] – تفسير القرطبي : 161 – 162 .

[82] – تفسير ابن كثير 4 : 119 .

[83] – صحيح البخاري – كتاب الحدود – باب رجم الحبلى من الزنا / 6442 ، مسند أحمد 1 : 56 ، سيرة ابن هشام 4 : 308 ، تاريخ الطبري 3 : 200 .

[84] – مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري : 337 . وتبعه القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 10 : 19 .

[85] – صحيح البخاري – كتاب المحاربين 6 / 6442 ، مسند أحمد 1 : 56 ، سيرة ابن هشام 4 : 308

[86] – الكامل في التاريخ 3 : 65 ، صفة الصفوة 1 : 367 .

[87] – الكامل في التاريخ 3 : 65 ، صفة الصفوة 1 : 383 ، طبقات ابن سعد 3 : 343 .

[88] – صفة الصفوة 1 : 494 .

[89] – طبقات ابن سعد 3 : 248 .

[90] – الكامل في التاريخ 3 : 66 – 67 .

[91] – الكامل في التاريخ 2 : 425 .

[92] – طبقات ابن سعد 3 : 248 .

[93] – مآثر الإنافة 1 : 52 ، الأحكام السلطانية – للماوردي – : 10 ، الأحكام السلطانية – للفراء – : 25 – 26 .

[94] – الفصل 4 : 169 .

إقرأ ايضاً