هل صحيح ان السفارة انتفت في زمن الغيبة الكبرى

استدل الشيخ السند في كتابه ( فقه علائم الظهور ) بأمور أخرى زعم أنها تدل على انتفاء السفارة في الغيبة الكبرى، وهذه الأدلة المزعومة كالتالي:-
1- استدل الشيخ السند بالروايات التي تتحدث عن وقوع غيبتين؛ صغرى وكبرى، وذهب الى أن وجود غيبتين يقتضي وجود مائز بينهما وإلا لكانتا غيبة واحدة لا غيبتين، وليس هذا المائز – برأيه – سوى انتفاء السفارة في الكبرى!؟

وهذا الإستدلال في الحقيقة ليس سوى صورة طبق الأصل من إستدلاله في الموضع الأول من توقيع السمري آنف الذكر. وجوابه إن الروايات التي أشار لها لا تنص على انعدام السفارة في الغيبة الكبرى، ولا يستظهر منها هذا الأمر. ويكفي في جوابه ما سبق أن أجبنا به على استدلاله المشار إليه، ونضيف هنا قائلين إن من تدبر كلام الصادق (ع) في الروايتين الآتيتين يتضح له الفرق بين الغيبتين واضحاً جلياً دون حاجة الى تأويلات لا أساس لها، فعن أبي عبدالله (ع) قال : ( للقائم غيبتان ؛ أحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الأولى لايعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لايعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه) . وعنه (ع) : ( لصاحب هذا الأمر غيبتان؛ إحداهما يرجع الى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك… ) .
فالفرق كما تنص هاتان الروايتان هو:
أ – الأولى قصيرة ، والأخرى طويلة.
ب – الأولى يطلع على مكانه خاصة شيعته، والثانية يطلع على مكانه خاصة مواليه
ج – إحداهما يرجع منها إلى أهله والأخرى يقال:هلك في أي واد سلك .
ولعل في روايات أخرى فروقاً أخرى تركنا تتبعها ، والمهم أن انتفاء السفارة ليس منها.
2- استدل الشيخ السند أيضاً بالروايات الآمرة بالانتظار، والروايات التي تتحدث عن وقوع التمحيص والامتحان. فبزعمه إن الروايات التي تأمر بالانتظار، وعدم تعجل الظهور تقتضي وجود حيرة واضطراب، ومن هنا تأتي الروايات لتعصم الناس من الانزلاق في الضلال المترتب على هذه الحيرة. وما سبب هذه الحيرة ؟ يجيب الشيخ السند : إنه عدم الاتصال بالإمام (ع) ، أو غياب السفير!
والنتيجة إذن إن الروايات هذه يستفاد منها انعدام السفارة في الغيبة الكبرى!؟
يرد على هذا الاستدلال:-
أ – لا دليل على اختصاص فترة الغيبة الكبرى بأوامر الانتظار، بل ورد النص من المعصومين (ع) على شمول أصحابهم، ومعاصريهم بانتظار الفرج، بل إن الأمة في اضطراب دائم طالما كان حجج الله مقهورين ومبعدين عن مراتبهم التي رتبهم الله بها والأمة معرضة عنهم، ومع عدم الاختصاص لا يبقى وجه لاستدلال السند . ورد عن الإمام الصادق (ع): (( من بات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم)) و عنه أيضاً قال: ((ألا أخبركم بما لايقبل الله (عز وجل) من العباد عملاً إلا به؟ فقلت: بلا. فقال: … والإنتظار للقائم (ع) )).
ب – لا دليل على أن سبب الحيرة والاضطراب هو عدم وجود السفير، بل الأحرى أن يقال أن السبب هو عدم معرفة ولي الله؛ سفيراً كان أو إماماً، وعدم الالتفاف حوله، والإلتجاء إليه، وإطاعته، وإلا كيف نفسر حدوث الحيرة والاضطراب في أزمان سابقة للغيبة الكبرى (فتنة الواقفية على سبيل المثال) ؟
ج – إذا كان غياب السفير هو سبب الحيرة والاضطراب، فهذا يعني أن الحيرة وما يتبعها من ضلال لا يمكن أن ترتفع إلا بوجود السفير، لأن المعلول يدور مدار علته وجوداً وعدماً، وهنا نسأل إذا كان الأمر هكذا فما جدوى روايات الانتظار طالما لا تعصم الناس من الضلال؟ لأنه بحسب الفرض وجود السفير وحده يعصمهم. وإذا كان السند يقول إن من شأن روايات الانتظار أن تعصم الناس من الضلال، وأن حصول الحيرة والاضطراب التي يفترضهما لابد أن ينتج عن عدم تمسك الناس بمفاد هذه الروايات وإعراضهم عنها، فالأمر إذن لا علاقة له بوجود السفير أو حتى الإمام (ع) أو عدم وجوده، بل بإقبال الناس على كلامهم (ع) أو إعراضهم عنه. وعلى أي حال اعتقد إن أي عاقل سيرى بوضوح أن استدلال السند غاية في التهافت، بل ومعيب أيضا.
وبخصوص روايات التمحيص يسوق الشيخ السند استدلاله بالصورة الآتية: تشير هذه الروايات إلى وجود تمحيص يخضع له الناس، وهذا التمحيص يقتضي وجود محن شديدة يمر بها الناس يكون التمحيص نتيجتها، وهذه المحن الشديدة لا تكون إلا عند انعدام السفارة أو انعدام الاتصال بالإمام، وهكذا تشير هذه الروايات إلى انعدام السفارة!
يرد على هذا الاستدلال:-
أ – لا يختص التمحيص بزمن دون زمن، بل يشمل الأزمان كلها، بما فيها الأزمان التي يوجد فيها الأنبياء والأوصياء والسفراء، ومع عدم الاختصاص لايبقى موجب لأن نستدل منه عدم وجود السفراء.
ب – لا تنص هذه الأحاديث على عدم وجود سفارة في الغيبة الكبرى، ولا تنص على أن سبب المحن هو انقطاع السفارة. ويرد عليه ما ورد في النقطة السابقة.
3- ادعى الشيخ تسالم الطائفة على القول بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى، واستشهد بنماذج من كلماتهم، سيتم عرضها خلال المناقشة.
ويرد عليه:-
1- لا وجود لأثر عن المعصومين (ع) ينص على انقطاع السفارة، فمن أين لعلماء الطائفة القول بانقطاعها، على فرض حصوله؟
2 – ادعاء الشيخ لا حقيقة له، والأقوال التي استشهد بها لا تحقق غرضه، وإليك هذه الأحاديث:
أ- (قال الشيخ سعد بن عبدالله الأشعري القمي – وقد كان معاصراً للإمام العسكري، وكان شيخ الطائفة وفقيهها- في كتابه المقالات والفرق بعد أن بين لزوم الإعتقاد بغيبة الإمام عجل الله فرجه، وانقطاع الإرتباط به:(فهذه سبيل الإمامة، وهذا المنهج الواضح، والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك إجماعنا الى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه). أقول واضح إن الشيخ القمي يتحدث عن اجماع حاصل في زمن الإمام العسكري (ع)، ومعلوم أن السفارة لا عين لها ولا أثر في هذا الوقت، وعليه لايمكن أن تكون مقصودة لحديثه، وإلا شمل حديثه االسفارة في الغيبة الصغرى. وأغلب الظن أن عبارة (وانقطاع الإرتباط به) – إن كانت مما تفوه به الشيخ – يراد منها عدم لقاء الناس بالإمام المهدي(ع) أيام أبيه للضرورة المعروفة. كما إنه واضح إن الإجماع الذي يتحدث عنه إجماعهم على لزوم الإعتقاد بالغيبة.
ب- قول الشيخ ابن قولويه (إن عندنا إن كل من ادعى الأمر بعد السمري – وهو النائب الرابع – فهو كافر منمس، ضال مضل).
أقول كلام ابن قولويه هذا ذكره الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص412 باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية [ والسفارة كذبا وافتراء ] ( لعنهم الله ). والخبر بتمامه كالآتي: (( أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي قال : سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول : أما أبو دلف الكاتب – لا حاطه الله – فكنا نعرفه ملحدا ثم أظهر الغلو ، ثم جن وسلسل ، ثم صار مفوصا وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة ، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به . وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه ، فأنكر ذلك وحلف عليه ، فقبلنا ذلك منه ، فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه ، لم نشك أنه على مذهبه ، فلعناه وبرئنا منه ، لان عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل ، وبالله التوفيق )).
وهذا الكلام منصرف كما هو واضح لجهة تكذيب أشخاص بعينهم كانوا قد ادعوا السفارة بعد السمري زوراً وبهتاناً، وقد ذكرهم الطوسي في الباب المذكور، فهو لا يعبر عن مبدأ تعتقده الطائفة المحقة كما يريد السند أن يوهم، ولعل قوله ( ادعى ) بصيغة الماضي لا ( يدعي ) بصيغة المضارع قرينة واضحة على ما نقول.
ج- قول الشيخ الصدوق (فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه).
كلمة الشيخ الصدوق هذه وردت في كتابه كمال الدين وتمام النعمة/ ص 432 – 433، وإليك تمامها: (( حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن غياث بن أسيد قال : ولد الخلف المهدي عليه السلام يوم الجمعة ، وأمه ريحانة ، ويقال لها : نرجس ، ويقال : صقيل ويقال : سوسن إلا أنه قيل : لسبب الحمل صقيل وكان مولده عليه السلام لثمان ليال خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ، ووكيله عثمان بن سعيد ، فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم ، قال : فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصى فقال : لله أمر هو بالغه ، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه )).
أقول لا أدري كيف استساغ الشيخ السند الاستدلال بهذا القول، مع أن الصدوق لا يريد منه أكثر من الإشارة إلى مبتدأ الغيبة الكبرى. ولعل الشيخ السند توهم أن الصدوق يفهم التمامية كما يفهمها هو، وإذا كان هذا فعليه إبراز الدليل، وعندئذ يرد ما سبق أن أوردناه على فهم السند.
د- قول الشيخ المفيد : (وله غيبتان؛ إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار؛ فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده الى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف) .
أقول أين الدليل الذي يطلبه الشيخ السند؟ هل في هذا الكلام ما يدل و لو من بعيد على انتفاء السفارة في الغيبة الكبرى؟ أم إن الأمر تسطير كلمات فقط؟ أليس حديث الشيخ المفيد منصرفاً إلى التحديد التاريخي للغيبتين لا أكثر؟ وإذا كان السند قد توهم من قوله ( وعدم السفراء بالوفاة ) ما توهمه، فإن من البين الواضح إن مراد الشيخ المفيد هو الإشارة إلى موت السفراء الأربعة لا انعدام السفارة. والذي يؤكد قولنا إن الشيخ المفيد قد ذكر هذا القول في كتاب الإرشاد / ج 2 – باب ذكر الإمام القائم بعد أبي محمد عليه السلام وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره وغيبته ، وسيرته عند قيامه ومدة دولته. وهو واضح في المنحى التاريخي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الله يشهد لاحمد الحسن (ع)

الله يشهد لاحمد الحسن (ع) بالرؤيا الاستخارة والطرق الغيبية، الله سبحانه وتعالى يشهد لمن استشهد بالرؤيا وبالاستخارة وبمختلف الطرق الغيبية ، فطرق الله سبحانه بعدد انفس الخلائق.   الرؤيا بالنسبة ...

أحمد الحسن (ع) اجتمع عليه آل محمد (ع) في الرؤيا

عشرات ، بل مئات الأشخاص شاهدوا رؤى بأهل البيت ع والانبياء والمرسلين خصوصاً، كلها تخبرهم بأن السيد أحمد الحسن صادق في ما يدعيه ، علماً إن بعض هؤلاء الأشخاص ممن ...