الامام أحمد الحسن (ع) كما عرفته

الشيخ ناظم العقيلي ، العراق – محافظة ميسان

من طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف،

كنت اسكن النجف – حي النصر، عند إعلان الدعوة اليمانية المباركة سنة 2002 م،

وكنت من أول المؤمنين بها ولله الحمد والمِنَّة، وأسأل الله أن يثبتني ويختم لي على ولاية ونصرة الإمام المهدي (ع) وابنه ووصيه ورسوله السيد احمد الحسن (ع)، انه سميع مجيب.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد واله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً

عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : ( سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له : وكيف يحيى أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا ... ) عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 275.

وانطلاقاً من هذا المعنى ، ومن حب الخير والصلاح والهداية للناس ، وزيادة المعرفة للمؤمنين، اكتب شيئاً مما عرفته عن السيد احمد الحسن (ع) وصي ورسول الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود، فأقول:

قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 18.

هكذا عَرَفْتُهُ:

السيد احمد الحسن (ع) وصي ورسول الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود، أول المهديين وطالع المشرق ، نجمة الصبح ودرع داود، سعد السعود وآية المعبود، سلام الله عليه وعلى آبائه وأبنائه ، كلما طلعت شمس وغربت وكلما هبت ريح وسكنت ، سلاماً دائماً لا ينقطع ما دام الجديدان وما تنفس انس وجان.

هكذا عَرَفْتُهُ:

ومنذ أول يوم عرفته والى الآن ... صاحب القران لا يفارق القرآن ولا القران يفارقه ...

منهمك في تلاوته وتدبر معانيه ، مفسراً ومؤولاً له ، يقضي معنا الليل حتى الصباح في شرحه وبيانه ودراسته ... يحثنا دائماً على حمل القران وتلاوته وتدبره واستلهام العبر والحكمة من آياته وقصصه واتخاذه شعاراً ودستوراً ومنهاجاً ودثاراً.

لا يستعصي عليه شيء من تفسير القران أو تأويله وكأنه يغرف من بحر لا ينضب ، فلكل سؤال عنده جواب حاضر ، غواص في القران يستخرج لآلئه ويبحر في بواطنه وكأنها مودعة عنده منذ مئات السنين – وهو كذلك - ، لا يتشابه عليه شيء من القرآن ، فكله محكم عنده في كل آن، قال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } العنكبوت49.

هكذا عَرَفْتُهُ:

مولع في حب أهل البيت (ع) وشيعتهم الأبرار، يترنم بذكرهم ليلاً ونهاراً، عندما تعاشره تجزم بأن هذا الرجل مجبول على حب أهل البيت (ع) لا يسقط ذكرهم عن لسانه ، فهو بين ذاكر لفضائلهم ومقاماتهم وكراماتهم وبين مبين وشارح لأحاديثهم وسيرتهم ونهجهم القويم، داعياً كل من يسمعه إلى التزام نهجهم وأخلاقهم وتطبيقها مسيرة وسلوكاً وواقعاً حياً بين الناس .. لا قولاً باللسان فحسب.

تراه اصلب ما يكون في وجه من يخالف القران وسنة الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، وإن كان المخالف من اقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، وإن كانت المخالفة بسيطة في نظر البعض ... فلا يداهن في ذلك ولا يجامل .. بل يسعى جاهداً لتقويم أصحابه ومن يتصل بهم ومن يسمعون كلامه وفق القرآن وأخلاق آل محمد (ع) ، وكلٌ بما يناسبه ويكون أنجع في إصلاحه وتقويمه.

حريص دائماً وأبداً على وزن الناس بميزان سيرة محمد وآل محمد (ص) ومنهجهم وأوامرهم ونواهيهم وأخلاقهم ، فـ ( الثقلان ) هما كفتا ميزانه ولا ثالث لهما أبداً، فتجده دائماً منكراً لكل بدعة وانحراف ومخالفة للثقلين اللذين أوصى الرسول محمد (ص) بالتمسك بهما ، وأنهما سبيل النجاة لا غير.

فلا تجد عنده غير ( الآية والرواية ) وما عداهما فهو عنده باطل حتى يوافقهما أو يكون مستمداً منهما ، مشدداً النكير على إخضاع تشريع الدين الإلهي للعقول الناقصة والآراء والأهواء، مستنداً إلى ما تواتر عن أهل البيت (ع) في ذلك، وما يهتف به القران الكريم.

هكذا عَرَفْتُهُ:

مشغوفاً بزيارة الأضرحة المقدسة للأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين وأصاحبهم المنتجبين، والتبرك بهم وبمقاماتهم عند الله تعالى، ولا سيما زيارة أمير المؤمنين (ع) والإمام الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع) والجوادين والعسكريين (ع)، وكان مواظباً على زيارة الإمام الحسين (ع) مشياً على الأقدام حتى في زمن الطاغية صدام ( لعنه الله ) حيث كان منع هكذا زيارة شديداً جداً، وكان الأمر يصل أحياناً إلى القتل والسجن والتعذيب الشديد.

وكان يحثنا جميعاً على زيارة الأئمة (ع) والتوسل بهم إلى الله تعالى، وكان يعلمنا جوهر آداب الزيارة وحقيقتها، وما زلت أتذكره في أحد الأيام عندما ذهبنا إلى زيارة كربلاء المقدسة ، وعند دخولنا إلى ضريح الإمام الحسين (ع) رأينا السيد احمد الحسن (ع) لم يطل الدعاء عند رأس الإمام الحسين (ع)، ورأيته كئيباً جداً حزيناً ودموعه في عينيه، وعندما خرجنا من ضريح الإمام الحسين (ع) سألناه عن السبب أو هو قال لنا: بأنه عندما دخل إلى الحضرة الحسينية ، سمع صوتاً من الضريح يقول – ما معناه -: هذه الناس تطوف بي ولا تعرف حقي، وكلها تأتي لتطلب مني ولم يأتِ احد ليعطيني .

فيقول السيد احمد الحسن : عندها وقفت عند رأس الإمام الحسين (ع) واكتفيت بقولي : يا أبا عبد الله فداؤك نفسي وأهلي ومالي .. ثم انصرفت لصلاة الزيارة.

فعندها تعلمنا درساً بليغاً بل دروساً، في الهدف من زيارة الأئمة (ع)، ومنها أن تكون الزيارة كتجديد عهد وبيعة للمعصوم في بذل النفس والأهل والمال من اجل دين الله تعالى، وان يكون الزائر ناوياً وبصدق على السير في طريق الإمام الحسين (ع) ، طريق الشهادة ونبذ كل أشكال الطواغيت ، ولو كلفنا ذلك كل ما نملك حتى النفوس ، لان الإمام الحسين (ع) لم يترك عذراً لمعتذر ولا حجة لمحتج ، فقد قدم لدين الله نفسه وماله وجاهه وذريته حتى الرضيع وقدم زينب – وما أدراك ما زينب – تركها بين أنجس خلق الله بلا ناصر ولا معين ولا كفيل، تركها بين الذئاب الضارية بين شمر اللعين ويزيد الفاسق الماجن ، ويعز عليَّ كثيراً أن أتطرق إلى هذه المصيبة الكبرى، التي لابد للمؤمن أن يقف عندها ويذرف الدموع حسرة وحرقة على آل الرسول وما حل بهم بعد جدهم المصطفى ، وما جنته هذه الأمة في حقهم ، في حين أن الله تعالى جعل اجر الدين هو مودتهم وحبهم.

نعم .. تعلمنا أن زيارة الأئمة (ع) ليست فقط لطلب الحوائج بحيث يكون هم الزائر نفسه وما يتعلق بها .. بل أن الهدف الأسمى أن يذهب المؤمن ليعطي نفسه وما يملك لإحياء نهج الحسين وآل الحسين (ع) وان يعقد عقداً ويعهد عهداً بذلك، لا يحول عنه ولا يزول.

وأيضاً تعلمنا من السيد احمد الحسن: أن المؤمن قبل أن يذهب إلى زيارة مراقد الأئمة (ع)، ينبغي له أن يدعو الله ويتوسل إليه لكي يوفقه للزيارة حقاً ، زيارة مقبولة مفلحة ، تكون ذخراً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ثم يقدم على الزيارة.

وأيضاً تعلمنا من السيد احمد الحسن (ع)، أن زيارة الأئمة (ع) لا تعني فقط المشي إليهم واللطم والبكاء عليهم، بل أن زيارتهم (ع) كالصلاة ، قال تعالى: ( ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت 45.

لا أن يمشي الزائر إلى الإمام الحسين (ع) وهو مبايعاً للطواغيت والظالمين ومحباً لهم وعوناً إليهم .. بل لابد أن يكون مصداقاً من مصاديق ثورة الإمام الحسين (ع) في وجوه الطواغيت والظالمين – وكل بحسبه وإمكانه – وحينئذ يكون قد زار الإمام الحسين (ع) بروحه وقلبه قبل أن يزوره ببدنه ... أي يكون الإنسان قولاً وفعلاً باطناً وظاهراً زائراً للإمام الحسين (ع)، لأنه ( كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ) .. وكذلك كم من باك ولاطم وزائر للحسين والحسين يلعنه – أعاذنا الله - .

لأننا نقف أمام الحسين (ع) ونزوره بزيارة عاشوراء ونقرأ فيها:

( ... فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم يا أبا عبد الله ! إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ....... فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أولياءكم ورزقني البراءة من أعداءكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة ، وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة ، وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله ، وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم ... ) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 774 – 775.

فهل الزائر فعلاً وحقاً متبرئ من قتلة الحسين ومن ( أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم ) إلى يوم القيامة ؟ وهل هو فعلاً صادق في قوله: ( إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ) ؟ وهل هو حقاً صادق في دعائه ( وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم ) ؟!

إن لم يكن كذلك فلا يأمن أن يكون لاعناً لنفسه عندما يقول: ( فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم ).

فكل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء .. وفي كل زمن يزيد وشمر وشريح القاضي ... فما هو موقفنا تجاههم ؟

وغير ذلك من الدروس والعبر السامية تعلمناها من السيد احمد الحسن في النهج الإلهي المحمدي العلوي الحسني الحسيني ... المهدوي .. أن نرفض كل مظاهر الكذب والخداع والرياء والنفاق وان نكون صادقين في كل شيء وان تكون أقوالنا كأفعالنا وظاهرنا كباطننا، وإلا فنكون من الملعونيين والمطرودين من ساحة رحمة الله – أعاذنا الله من ذلك -.

هكذا عَرَفْتُهُ:

دائم الذكر للإمام المهدي (ع)، شديد الحزن عليه لما يلاقيه من مظلومية ونسيان حتى من قبل من يدعون أنهم شيعته ومنتظرون لظهوره وقيامه، ولم انسَ تلك الكلمات التي كان يرددها في أول أيام الدعوة اليمانية المباركة، نقلاً عن الإمام المهدي (ع): ( أنا منسي منسي منسي ، والقران مهجور مهجور مهجور ) !!!

كان يرددها بألم وحزن ولوعه، وكأنها فعلا تخرج من لسان الإمام المهدي (ع) مباشرة، بل كان حتى قبل إعلان دعوته منهمكاً في توجيه أنظار الناس ومن يتصل به نحو الإمام المهدي (ع) مبيناً لهم قرب ظهوره وما ينبغي أن تفعله الأمة لاستقباله والتمهيد له .. حتى أن البعض يقول له – ما مضمونه - : كأن لا شغل لك إلا ذكر الإمام المهدي (ع) ... وكأنك وكيله ... أو: لو كنت مكان الإمام المهدي (ع) لاخترتك وكيلاً ... وما شابه ذلك.

بل أن احد طلبة الحوزة العلمية القدماء قال لي : كنا متأكدين أن السيد احمد الحسن يلتقي بالإمام المهدي (ع) ، وانه يتكلم بأمور كثيرة عرفها عن الإمام المهدي (ع)، ولكنه لا يصرح بذلك أبداً، وكنا أحياناً عندما يتكلم ببعض الأمور الملفتة للنظر، نقول له : هل هذا منه – نقصد من الإمام المهدي - ؟ فيسكت السيد احمد الحسن ولا يجيب.

وقال لي نفس هذا الشيخ: كنا عميان عن معرفة احمد الحسن ، وإلا فعطر آل محمد يفوح من هذا الرجل ، ولا يخفى إلا على العميان !

وقال لي أيضاً: كنا في بعض مجالس طلبة الحوزة العلمية أحياناً نتعرض إلى ذكر الإمام المهدي (ع)، فقلت لبعض الطلبة ، ماذا تتوقعون لو أراد الإمام المهدي (ع) أن يرسل رسولاً فمن يختار من طلبة الحوزة العلمية .. يقول: فقال احد الطلبة: فلاناً – احد طلبة الحوزة - . يقول فقلت له: لا . إذا أراد أن يرسل رسولاً يرسل احمد الحسن ( وكان هذا الطالب لا يعرف السيد احمد الحسن آنذاك )، يقول: فكلمتهم عن السيد احمد الحسن وعن تقواه وعلمه ودينه ... ومدى تمسكه بالإمام المهدي (ع).

بل اني ذهبت في أول أيام الدعوة إلى بعض أصدقائي من شيوخ وسادة الحوزة العلمية ممن كان معاشراً للسيد احمد الحسن أو مطلعاً على بعض أحواله، وقلت لهم: إن هذا الرجل يقول انه رأى الإمام المهدي (ع) وقد أرسله رسولاً إلى الناس كافة وهو يطلب البيعة ... فماذا تقولون ؟!

فكان مجمل جوابهم: إن هذا الرجل نعرفه ونعرف صدقه وأمانته وتورعه ودينه ... فلا نقول انه كاذب .. لأنه لا يمكن أن يتعمد الكذب .. هذا نشهد به.

فقلت لهم: وما موقفكم ؟

فقالوا: نحن لا يمكن أن نصدقه الآن ونتبعه .. يجب التريث الآن، لأنه وان كان لا يمكن أن يتعمد الكذب ولكنه قد يكون مشتبهاً !

فقلت لهم: هو يقول بأنه التقى بالإمام المهدي (ع) في اليقظة يعني لا في رؤيا ولا كشف ولا خيال .. حتى يمكن أن يشتبه .. فإما أن يكون صادقاً أو كاذباً .. وانتم تقولون بأنكم تعرفونه صادقاً ورعاً ... الخ.

هذا مجمل ومضمون ما دار بيني وبين بعضهم آنذاك .. وبقوا مترددين يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى .. وبعد ذلك بفترة .. وبعد أن شاعت القضية سمعت احدهم – وهو ممن أثنى على السيد احمد الحسن وشهد بصدقه – سمعته يتكلم على السيد احمد الحسن بكلام غير مقبول ... فتعجبت من تناقض هؤلاء وتقلبهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكان السيد احمد الحسن – قبل ان يعلن دعوته – قد كتب بعض الكتب عن الإمام المهدي (ع) وعن واقع الأمة وتكليفها تجاه الإمام المهدي (ع)، وكانت عبارة عن نسخ خطية تتداول بين بعض طلبة الحوزة العلمية آنذاك ، لعدم إمكانية الطبع وشدة مراقبة أزلام صدام لهكذا نشاط والمنع الصارم تجاهه، وقد وصلت بعض هذه الكتب إلى بعض كبار رموز الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقد أعجبه ونصح بقرائته وتعميم فائدته بطبعه أو ما شابه ذلك.

هكذا عَرَفْتُهُ:

دائم التفكر محزوناً خاشعاً لله راجياً له ، كثير العبادة والسجود والدعاء والقنوت ، حتى اننا كنا نظن انه قد نام في سجوده ، محباً للخلوة في عبادته ومناجاته، مؤدياً للنوافل اليومية ، دائم الحرص على أداء صلاة الليل، ولا زلت أتذكره وهو يتململ تململ السليم في قنوته وركوعه وسجوده ، وهو يحاول جاهداً أن يكتم بكاءه ونحيبه عمن يسمعه، ولكن يغلبه البكاء وهو يقول بصوت تتفطر له القلوب – ما مضمونه -:

( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، لك العتبى حتى ترضى، لك العتبى حتى ترضى ).

فلا يكاد من يسمعه أن يملك دموعه، فتنزل قهراً وبحرقة ولوعة ، على مظلومية هذا العبد الغريب الطريد الذي تظاهرت عليه أعداؤه من كل جانب وهو لا يملك إلا ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ).

نعم .. والله العلي العظيم .. كنا عندما نصلي خلفه ونسمع دعاءه في قنوته أو ركوعه أو سجوده، كأنه يرتقي بنا في ملكوت السماوات ، وكنا نحس به ونعرف انه يتمنى أن يتعبد ويناجي الله لوحده، ولكن كان مضطراً أن يكون مع الأنصار في غرفة واحدة .. لان الوضع لا يسمح بذلك وكنا بصعوبة نحصل على مكان نبيت فيه أو نستقر فيه أياماً ... وخصوصاً بعد أن علم فقهاء آخر الزمان وأتباعهم بانتشار الدعوة وكثرة أنصارها، ومدى خطورتها على دنياهم وجاههم المزعوم .. وبعد أن اطلعوا على أدلة الدعوة وإصداراتها العلمية التي لم تبقِ لهم عذراً ولا حجة يحتجون بها.

وأتذكر أني أكثر من مرة طرقت عليه الباب فجأة، فيفتح لي الباب وعيناه غارقتان بالدموع، رغم انه قد مسح دموعه ، ولكنها ما زالت بادية للعيان لا تخفى على الناظر.

وكان سلام الله عليه .. دائماً يحث الأنصار على المداومة على النوافل اليومية وصلاة الليل وبعض الأدعية المهمة كدعاء ( أبي حمزة الثمالي ) ودعاء ( الجوشن الكبير ) ودعاء ( الجوشن الصغير ) ودعاء ( الذخيرة ) وغير ذلك من الأدعية والأذكار والزيارات.

وكان أيضاً يحثنا على الحرص على قراءة القران الكريم وخصوصاً سورة ( يس ) وسورة ( النور ) وغير ذلك من السور المباركة.

وفي الحقيقة أجد الكلمات عاجزة عن وصف شدة خشوعه وخضوعه وخوفه من الله تعالى، وكثرة سجوده عند تجدد كل نعمة وطول سجوده عند كل شدة ومحنه، ورجوعه إلى الله تعالى وفزعه إليه.

هكذا عَرَفْتُهُ:

شجاعاً مجاهداً مقداماً لا يخاف في الله لومة لائم وان اجتمعت عليه الإنس والجن، فلا يعرف إلا ( لا قوة إلا بالله )، فكم مرت به من الشدائد العظام والمحن الجسام ، فلا نراه إلا كالجبل الشامخ لا تثنيه العواصف ولا يستفل بالمعاول، فقد تعرض في دعوته إلى ردتين رجعت بهما الدعوة اليمانية إلى الصفر وتركه جميع من آمن به إلا نفر يسير جداً، ومع ذلك لا نراه يضعف أو يتردد بل لا يزداد إلا إقداماً وعزيمة وكأن شيئاً لم يكن ، ثابت اليقين بأنه على الحق ومن الحق والى الحق ، راسخ الإيمان بأن الله معه وناصره ولو بعد حين، لا يحسب حساباً لكثرة الأتباع والأنصار إلا حباً في هداية اكبر عدد من الناس، وكأني الآن انظر إليه وأتذكره بعد الردة الثانية وهو جالس مع نفر قليل ممن بقي معه وهو يقول لهم بصوت كله ثقة وإيمان وطمأنينة: لماذا انتم باقون معي ؟ لماذا لا تذهبوا مع الذاهبين ؟ ارجعوا إلى أهليكم ؟ فإن طريقي صعب جداً ، ربما لا تستطيعون تحمله ، ليس معي دنيا ولا جاه ولا أموال ولا .. ولا .. ولا ...، احسموا أمركم من الآن ... من أراد الدنيا وزينتها فهي ليست مع احمد الحسن، أنا أواصل طريقي حتى لو كنت وحدي ... ( هذا هو مضمون كلامه (ع) حينئذ ) فقال له بعض الحاضرين: مولانا لم نتبعك من اجل دنيا أو مال أو جاه بل لأننا عرفناك صاحب الحق، وأرواحنا وأموالنا لك الفداء لا نتركك ولا نرجع إلى أهلينا .. ونحن طوع أمرك.

فكان سلام الله عليه لا يبالي بكثرة أعدائه مع ما لهم من نفوذ وأتباع وهالة إعلامية ضخمة ، وكأن ذلك لا يعادل في عينه جناح بعوضة – بل هو كذلك – ففي كل شدة وفي كل محنة تجده ملتجئاً إلى ركن وثيق وحصن حصين وعروة وثقى لا انفصام لها، يمشي ومعه اثنان أو ثلاثة ولكنه يمشي مشية مَنْ معه جنود السماوات والأرض، دؤوب لا يفتر ولا يكل ولا يمل من السعي لهداية الناس وانقاذهم من الضلال والانحراف، يجوب المدن والقرى والأرياف ، فيمسي في مدينة ويصبح في مدينة أخرى وهكذا.

وكم تعرض هو وأنصاره للاستهزاء والبهتان والكذب والافتراء من قبل من لا يخافون الله تعالى أمثال فقهاء السوء وأتباعهم وغيرهم، استهزاء وافتراء لا يقف عند حد ولا يمكن أن تصفه الكلمات بحيث وصل إلى الطعن بالأعراض والاتهام بالعمالة ... إلى غير ذلك مما استحي أن اسطره في هذه الأسطر، فتجده سلام الله عليه أحياناً يقول : مال هؤلاء الفقهاء يفترون ويكذبون بلا ورع .. أي برهان لديهم على ذلك .. ألا يخافون الله .. أ ليس ورائهم حساب ألا يستحون من الكذب والبهتان ولحاهم قد ملأها الشيب وهم يلبسون لباس الدين؟! لماذا يخدعون الناس ويغررون بهم ويقطعون طريق الله فلا هم يدخلون ولا يتركون الداخلين يدخلون !!

قد خدعوا الناس وساروا بهم إلى وادٍ مقفر حيث لا كلأ ولا ماء .. فوالله لو يعلم الناس أي حرمة انتهكوا وأي جرأة اجترؤوا على الله ... للطموا الصدور ولأسبلوا دمع العيون ولعضوا على أصابعهم حسرة وندماً لا ينقطع ... ولكن هيهات سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ( وما آمن معه إلا قليل ) وأكثرهم كافرون وأكثرهم فاسقون وأكثرهم لا يعلمون وأكثرهم للحق كارهون ... وأهل الحق دائماً ثلة مستضعفون خائفون وجلون.

نعم أخوتي الأنصار ويا من تقرؤون أو تسمعون كلامي ، هذه مضامين ما أتذكره من بعض كلماته المقدسة في بعض المواقف.

بل أحياناً عندما يسمع التعدي على الأنصار واتهامهم واتهام أعراضهم والافتراء عليهم بأنهم ( بعثيون ) أو ( عملاء لإسرائيل ) أو ما شابه ذلك مما هو تهمة جاهزة لدى من لا يخافون الله تعالى .. فأحياناً يلتفت إلينا معتذراً وهو يقول: اعتذر ... فقد سببت لكم أذى كثيراً ، ولكن اقرؤوا التاريخ وتفحصوا سيرة الأنبياء والأئمة (ع) وأصحابهم فلا تجدونهم إلا مثل حالكم وأكثر.

فكان سلام الله عليه مع شدة ما يلاقيه من الناس ... يحثنا على الرفق بهم وبيان الحق لهم بالتي هي أحسن .. ودائماً كان يقول : هؤلاء أكثرهم مخدوعون ومغرر بهم ولا يعرفون الحقيقة .. فاسألوا الله لهم الهداية ... فإن الآتي عظيم وعظيم جداً.

هكذا عَرَفْتُهُ:

غيوراً أبياً ... تقوم قيامته إن رأى أو سمع الاعتداء على الأعراض والحرمات، لا يسمح لأحد أن يمس أعراض الناس بالباطل أبداً ، واعتقد أن كل الأخوة الذين عاشروه يتذكرون حاله، عند فضيحة سجن ( أبو غْريْب )، عندما عرضت الفضائيات أمام كل العالم كيفية اعتداء جنود الاحتلال الأرجاس على النساء المسلمات وعلى الرجال أيضاً، حيث التعذيب المشين والاغتصاب وغير ذلك مما لا أستطيع أن أكتبه الآن .

فكان سلام الله عليه كالأسد الغضبان الذي يرى الاعتداء على عياله وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فكان يتقطع ألماً وحسرة ، وما كان بيده في أمثال هذه المواقف إلا أن يبادر إلى كتابة بيان يخاطب به الشرفاء ويستنهض هممهم ويقرع الجبناء الذين رضوا أو سكتوا على هذه الجرائم المشينة التي سودت صفحات التاريخ بالعار والشنار.

نعم .. هذه الفضيحة وغيرها العشرات .. لم تحرك جمود فقهاء السوء ، ولم تستنهض ما بقي عندهم من غيرة وحمية – إن كانت هناك بقية - ، وكأن الأمر لا يعنيهم أبداً، وكأنهم لم يسمعوا أو يقرؤوا قول الرسول محمد (ص)، هذا القول الذي طالما تمثل به السيد احمد الحسن (ع):

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان إبراهيم - عليه السلام - غيوراً وأنا أغير منه وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين و المسلمين ) الكافي ج 5 ص 536 .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال ( إن الله تبارك وتعالى غيور يحب كل غيور ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها ) الكافي ج 5 ص 535 - 536.

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أيضا انه قال: ( إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب ) الكافي ج 5 ص 536.

نعم جدع الله أنف من لا يغار .. ومن لا يغار فهو منكوس القلب – أعاذنا الله من ذلك -.

هؤلاء الفقهاء الذين يدعون أنهم أولياء أمور المسلمين ، لا يعرفون المسلمين إلا عند استلام الخمس أو عندما يريدون أن ينفذوا بهم أمراً معيناً كتمرير مشاريع أمريكا في العراق وفي غيره من بلاد المسلمين، وفي تسليط الطواغيت والعملاء والخونة على الأمة، وبعد ذلك يرمون الناس في المهملات .. وكأن الناس مجرد عود ثقاب بعد استعماله لا يبالي المستعمل في أي مكان يرميه ، وبعدها حتى لا ينظر إليه.

فنجد هؤلاء الفقهاء عندما يتأزم موقف أمريكا ومشروعها .. وعندما تحضر انتخابات أو تصويت على دستور وضعي شيطاني .. نراهم يبرون أقلامهم ويملؤون قراطيسهم بتلك الفتاوى التي دائماً مطلعها ( يجب شرعاً ) : ( الهدوء والسكينة )، ( المشاركة في الانتخابات )، ( التصويت على الدستور ) .. إلى غير ذلك مما يصب في مصلحة أمريكا وأذنابها الذين دخلوا العراق على دباباتها.

ولكن أمريكا وأذنابها عندما يهتكون الأعراض ، وينتهجون نهج فرعون وقوم لوط وعاد، نرى تَكسُّرَ أسنة الأقلام ، والصمت المريب ، الذي هو كصمت القبور .. وهنا يحق لكل عاقل أن يسأل ألف سؤال وسؤال .. لماذا ؟؟ ولماذا ؟؟ ولماذا ؟؟؟

وأتذكر أحد الأيام كنا جالسين أمام التلفاز نستمع إلى نشرة الأخبار، وكان في النشرة مداهمات الجيش اللاعراقي لبعض البيوت في كربلاء المقدسة ، وأعلنوا عن الاعتداء السافر على الحرمات والأعراض .. وأظهرت تلك القناة احد النساء قد اعتدى الجنود عليها بالضرب بلا ذنب .. وخرجت وهي تبكي منكسرة الخاطر واثر الضرب على وجهها – حسب ما أتذكر – فعندها رأينا السيد احمد الحسن (ع) قد قامت قيامته وكأن هذه المرأة هي ابنته فعلا، واخذ يتكلم بقوة وبصوت عال وبألم وحرقة ، حتى أني استغربت من شدة انفعال السيد (ع) حتى أنه صار يضرب يداً بيد، ويقول: الله اكبر ما ذنب هذه المسكينة تضرب وتهان .. هؤلاء أ ليس عندهم أعراض .. أليس عندهم نساء وأخوات وأمهات .. لماذا هذه القسوة وهذه الخسة .. أين وصل الحال بهؤلاء ؟! فإن كان للرجال ذنب .. فما ذنب النساء ؟!!!

وكان يتمثل ببعض كلمات الإمام الحسين (ع) هذه: ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم أنا الذي أقاتلكم وأنتم تقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح ).

هكذا عَرَفْتُهُ:

كريماً سخياً جواداً .. حنين القلب رحيماً رؤوفاً بالفقراء والمساكين والأيتام ، عندما يقول: ( يتيم ) أو ( مسكين ) أو ( أرملة )، اشعر بأنها تخرج من أعماق قلبه ممزوجة بالحزن والأسى، وكان يوصينا دائماً بالعطف على الأيتام والفقراء والمساكين وان نساعدهم بما نتمكن منه، ورغم قلة ذات اليد وما يمر به من عوز مادي شديد جداً .. نراه قد عال بعض الأيتام الفقراء وتكفل أن يوصل إليه مبلغاً معيناً كل شهر عن طريق بعض الأنصار، رغم أن هؤلاء الأيتام ليسوا ممن يؤمن به أي ليسوا من أنصاره .. ولكنه بغض النظر عن هذا .. يرى أن مسألة اليتيم والأرملة مصيبة يجب علاجها بغض النظر عن أي شيء آخر.

وكنت دائماً عندما أنظر إليه، أتذكر قول دعبل الخزاعي للإمام الرضا (ع):

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * * وأيديهم من فيئهم صفرات

لأني أقسم جازماً لو كان السيد أحمد الحسن (ع) يملك عشر العشر مما عند فقهاء السوء من الأموال لما ترك أرملة أو مسكيناً أو يتيماً يتسول في الشوارع والأزقة يبذل ماء وجهه من أجل الحصول على لقمة تسد ألم الجوع والحرمان الذي أخذ منه مأخذاً.

وأن أردت التكلم عن السيرة المالية لفقهاء النجف ، فالحديث ذو شجون ويدمي العيون، فنحن نعلم جازمين بأن أكداس الأموال عندهم بلا حصر ولا عد، وأنهم وأتباعهم والمقربين منهم وحواشيهم يعيشون حياة الملوك المترفين، وما ينفقونه في يوم واحد على ملذاتهم وحاجاتهم ربما يقتات به عشرات العوائل الفقيرة، حيث كانت بيوتهم مغلفة ومزخرفة بالحجر الفاخر لا تعرف برد الشتاء ولا حر الصيف وغير ذلك مما لا حصر له.

وكنا في النجف الأشرف عندما نتنقل بين المساجد لحضور دروسنا في الحوزة العلمية، كنا نرى الفقراء والمساكين والأرامل والزمنى والمعوقين كيف هم بين جالس ونائم على الأرصفة قرب أمير المؤمنين (ع) منهم من اتخذ من حائط الصحن الشريف الخارجي مسكناً عسى أن يقيه من حرارة شمس الصيف وبرودة شتاء النجف القارص .. بل ما زلت أتذكر تلك العجوز المسكينة النحيفة التي تكاد لا تقوى على الحركة قد افترشت رصيف شارع الرسول ( شارع القبلة ) بالقرب من مكتب ومسكن السيستاني ، صيفاً وشتاءً ، وهي تكسر القلب ، تكاد لا تحصل على ما يسد رمقها ... ولا زلت أتذكر لحافها الذي تلتحف به في الشتاء، شتاء النجف الذي يمتاز بشدة برودته، بحيث كنا نسرع المشي في الشوارع لكي نصل إلى المساجد ونتخلص من ذلك البرد القارص، في حين أن هذه العجوز المسكينة وغيرها الكثير في العراء، في أحسن الأحوال يلتجئون إلى حائط صحن أمير المؤمنين من الخارج يلوذون به .. وكأن كافل المساكين واليتامى يجرهم بحنين قلبه الرؤوف إليه ... ليعطف عليهم زواره بكسرة خبز أو بما يعينهم على جحيم حياتهم.

نعم كل هذا يجري على مرأى ومسمع فقهاء النجف ووكلائهم وأتباعهم وطلابهم .. وهم يمرون عليهم .. وكأني أنظر الآن إلى ذلك المعمم الذي وصل إلى مسكين مريض قد اجتمع عليه الذباب .. فعندما فوجئ بأنه بقرب هذا المسكين لملم عباءته وانحرف بسرعة كأنه مر على كلب أجرب يخاف أن يعديه .. فنظرت إلى هذا المشهد .. فانكسر قلبي وتأذيت جداً .. ولكن ما الحيلة وما عسى الإنسان أن يفعل وهو يرى أن يده قصيرة لا تستطيع أن تصل بالعون إلى هؤلاء المساكين ، وغاية ما كنا نستطيع فعله أن نعطيهم بعض المال الذي قد يساعدهم ولو على اليسير من عيشهم.

وأيضا ما زلت أتذكر ذلك الطفل الذي يحمله أبوه أو احد أقاربه وهو بعمر سنتين أو أكثر بقليل، يحمله أبوه وهو واقف في باب مكتب السيستاني ، وهذا الطفل قد اخرج الآن من المستشفى وقد يبس جلده على عظمه ، وأبوه يحمله بيد ورافع له كيس المغذي باليد الأخرى، وهو يقول لبواب السيستاني - هذا البواب الذي كان يسميه بعض طلبة الحوزة بـ ( عبد حمود ) لقسوته وجفوته وسوء أخلاقه – يقول له: لقد أخرجت ابني هذا الآن من المستشفى ، ولقد بعت حتى أثاث منزلي وكل ما املك من اجل علاجه .. والآن نفد كل ما عندي .. فإما أن يموت وإما أن تساعدوني لأنقذ حياته ؟

فقال له البواب : هل عندك معرِّف ؟

فقال له : معرِّف ماذا ؟

قال البواب: معرِّف .. وكيل أو ما شابه يزكيك لكي نساعدك ؟

فقال له الرجل: أنا لا اعرف أي وكيل أو شخص يعرِّفني إليكم .. ولكن انتم تنظرون إلى حال هذا الطفل وهذه أوراق المستشفى والدكتور كاملة .. وان شئت اذهب معي إلى المستشفى لترى وتتأكد بنفسك.

وكان والد الطفل يتكلم بأسلوب منكسر .. لأنه يرى ابنه شارف على الموت بين يديه.

فقال له البواب: نحن لا نعطي إلا من لديه معرِّف أو مزِّكي .. اذهب.

فرجع هذا الرجل وابنه جنازة بين يديه .. وهو مكسور الخاطر ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأيضا أتذكر ذلك الرجل المسن الذي أراد أن يدخل باب مكتب السيستاني فضربه بواب السيستاني ودفعه .. فقال له : ( خصيمك أمير المؤمنين .. أنا بعمر والدك وتضربني ) وعندها جاء رجال الأمن الذين في باب السيستاني واخذوا الرجل واعتذروا منه وطيبوا خاطره .

فقلت سبحان الله حتى هؤلاء أعوان الطاغية صدام رحموا هذا الرجل ، و ( عبد حمود ) قلبه كالحجر لا يرحم أحداً ؟!!

هذه بعض القصص التي رأيتها بعيني وأما ما سمعت به وما رآه غيري فلا تسعه المجلدات ، من مصائب تدمي القلوب وتقرح العيون، مرضى يموتون بسبب عدم الدواء .. مساكين يتضورون جوعاً ... يتامى يفترشون الشوارع والأرصفة.

ومما سمعته من أحد أصدقائي .. أن هناك عائلة علوية في النجف الأشرف فيها عدة نساء في عباءة واحدة .. عندما تصلي أحداهما بهذه العباءة تنتظر الأخرى لكي تنتهي أختها من الصلاة لتصلي بنفس تلك العباءة !!!

وفي عام ( 2003 م ) بعد سقوط نظام صدام اللعين بشهر أو أكثر بقليل .. كنت امشي في النجف الأشرف في شارع الرسول بالقرب من منزل ومكتب السيستاني، متجهاً نحو أمير المؤمنين (ع)، فصادفني شاب ، وقال لي: السلام عليكم.

قلت له : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قال لي: هل تعرف مرجعاً غير هذا – يقصد السيستاني - ؟

قلت له : لماذا ؟

قال لي : أنا كنت في دور الرعاية – لقيط – وبعد سقوط النظام أخرجونا من تلك الدور ، والآن لا اعرف أهلاً ولا ملجئاً التجئ إليه وليس عندي ما يسد حاجتي من أكل وملبس ، وقد ذهبت إلى مكتب السيستاني هذا ، وقال لي البواب : ( نحن لا نتعامل مع هكذا أشكال ) !!!

فوقفت متحيراً وأنا انظر إليه وهو يكسر القلب ، وقلت في نفسي إذا كان أبوا هذا الشاب قد أذنبا فما ذنبه هو .. وكيف يسمعونه هكذا كلام جارح ومؤلم ؟!!!

وقال لي: أرجو أن تذهب معي إليهم أو إلى غيرهم لكي يساعدوني – قال لي ذلك لأنه رآني البس العمامة -.

فقلت له: حبيبي أنا لست وكيلاً ولا مقرباً منهم ولا يأخذون بتزكيتي ولا يلبون طلبي ، بل أنا إن طلبت منهم مساعدة لنفسي لا يعطوني .. ربما إلا بعد اللتيا والتي.

فألح عليَّ .. فقلت له أنا سمعت بأن مكتب الشهيد الصدر، هم الآن متولون على أموال ضريح أمير المؤمنين وهم يوزعونها على الفقراء المساكين وأظن أنهم لا يشترطون مزكياً أو ما شابه .. فاذهب إليهم.

فقال لي : ربما أيضاً يطردونني ولا يعطوني شيئاً ؟

فقلت له : لا .. أنا اعرفهم .. فهم أفضل من غيرهم بكثير .. وسيعطونك إن شاء الله.

فقال لي لا اعرف أين هم ؟

فأشرت له نحو مكتبهم والذي هو في ( مسجد الرأس ) الذي بجانب مقام أمير المؤمنين من جهة الغرب ... فذهب إليهم.

وقد رأيت بعيني أكثر من مرة، بل هو مظهر مألوف .. كيف أن أطفال الفقراء يقتاتون على المزابل على بعد أمتار من ضريح أمير المؤمنين (ع)، أي في وسط الحوزة العلمية .. يقتاتون على المزابل التي تزكم رائحتها الأنوف .. فيستخرجون منها بعض ما يؤكل ممزوجاً بالأوساخ ... في منظر يدمي القلب والله العلي العظيم.

ولكن أسمعت لو ناديت حياً .. ومن أين لمن كان همه بطنه أن يحن على الفقراء والمساكين والأيتام ؟!!!

وعلى أي حال فالقصص كثيرة جداً وما ذكرته غيض من فيض، ولا يتصور احد أن سوء العدالة المالية مقتصرة على عوام الناس وعلى الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل .. بل حتى على أكثر طلبة الحوزة العلمية ... فكل مرجع يقرِّب حاشيته ومريديه ومؤيديه من طلبة العلم ويغدق عليهم الأموال بلا حساب .. وأما غير هؤلاء فسبيلهم العناء والجوع والعوز .

فمثلا ... مقلدو السيد الشهيد الصدر ( رحمه الله ) كان أكثرهم إن لم اقل كلهم لا يعطيهم احد راتباً ولا مساعدة .. وان أعطوهم فهو من فتات موائدهم ولا يعادل عشر معشار ما يعطوه إلى أتباعهم ومؤيديهم، وكان بعض طلبة الحوزة العلمية في المدارس يضطرون إلى أكل الخبز اليابس الذي تفوح منه رائحة العفونة ... وهذا ما شاهدته بعيني .. ولعل كاتب هذه الأسطر قد أكل منه .. في حين إلى جانب هؤلاء الطلبة الجياع - والذين لا يملكون حتى ما يشترون به كتاباً منهجياً للدراسة .. وكنا نعتمد فقط على الاستعارة .. واستعارة لكتب مستنسخة بالكاد نستطيع قراءة بعض الأسطر والكلمات - إلى جانب هؤلاء وفي نفس المدرسة .. الطلبة الذين هم مؤيدون للسيستاني أو للحكيم أو للنجفي .. تجدهم لا يحتاجون إلى شيء من كتب مذهبة وغير ذلك من الاحتياجات.

وخارج المدارس الطلبة الذين يسكنون مع عوائلهم في بيوت منفصلة ، فهؤلاء حدث ولا حرج عن سوء حالهم .. فأكثرهم ربما في السنة لا يستطيع أن يشتري لزوجته أو لأطفاله ملابساً للعيد أو ما شابه ذلك.

وفي الحقيقة كانت سعادتي لا توصف رغم صعوبة الظروف .. لشيء واحد .. وهو أني اعلم بأني ابغض أهل الباطل والانحراف ولا أقيم لهم وزناً مهما كانوا ...

واحتقر كل من كان همَّه بطنه – كالبهيمة – ولا يبالي مع من يكون .. إذا سلمت له دنياه الرخيصة ، بحيث يبيع دينه ومبادئه وضميره من اجل حفنة أموال .. وهو يظن انه قد فاز بالحظ الأوفر !!!

فالمجتمع الحوزوي في النجف الأشرف يمثل الطبقية في أعلى مستوياتها ، وقد اعتادوا إطلاق مصطلح ( الشأنية ) ، أي مثلاً أن الطالب الفلاني الذي هو وكيل أو مقرب أو متقدم لديهم في مستواه العلمي أو ما شابه .. فكذا طالب أو وكيل من شأنه أن يسكن في بيت كذا ومن شأنه أن يركب كذا ومن شأنه أن يكون عنده كذا ... الخ، وغير هؤلاء ليس من شأنهم .. وبهذه المهزلة يريدون أن يبرروا تنعم مقربيهم وحواشيهم وبذخهم وترفهم على انه بمسوغ شرعي وهو ( الشأنية ) ، أي أن هؤلاء أصحاب شأن ومقام رفيع .. وكأنهم شعب الله المختار، وطبقة النبلاء وما دونهم عبيد أو لا ينبغي لهم أن يعيشوا كما يعيش أصحاب الشأن !

متغافلون عن أن هذا هو عين الطاغوتية والاستبداد ولا يمت بصلة إلى سيرة الرسول محمد (ص) ولا سيرة أمير المؤمنين والأئمة من ذريته (ع) .. فقد ساوى أمير المؤمنين (ع) بالعطاء بين الجميع ولم يستمع إلى من أشار عليه باتباع سيرة معاوية في التفريق بالعطاء .. ولا يخفى ما جرَّ ذلك على أمير المؤمنين (ع) من انقلاب أهل الدنيا ضده وتأليب المنافقين عليه.

سيقول لك الآن من يدافع عن الفقهاء : بأن رواتب الحوزة محددة للطلاب بلا تفاوت.

أقول: بل مقدار الراتب عندهم متفاوت حسب المرتبة العلمية التي هي خاضعة لمناهجهم، وبغض النظر عن ذلك فإن الطالب لكي يحسب له راتب عندهم يجب أن يدرس عند أساتذة معينين ترتضيهم حاشية المرجعية ويجب أن لا يكون ممن يقول للمرجعية وأتباعها في عينكم قذى .. وأما غير ذلك فيقضي سنيناً في الحوزة يذوق شتى أنواع المرارة من العوز المدقع ومن النادر أن يكون له راتب إلا بعد اللتيا والتي .. بل لا يكون له راتب أبداً حتى يغض النظر عن عيوب المرجعية وسياساتها المنحرفة عن منهج أهل البيت (ع) ويكون تحت عباءتهم ، أو يبقى يرى ولا يتكلم ويكتم ما في نفسه حتى يلقى حتفه . أما أن يكون الطالب لا يداهن ولا يسكت عن قول الحق .. ومع ذلك يحسب له راتب .. فهذا من نوادر الزمن.

وأنا شخصياً اعرف احد الطلبة حسب له راتب ومساعدات منذ أول شهر أو شهرين من دخوله للحوزة ... ربما تسألون لماذا ؟

الجواب: لأنه من مقلدي السيستاني وجاء بتزكية من وكيل السيستاني ( فلان ) !!!

ومثله الكثير الكثير .. والمسألة لا تتوقف على الراتب المسمى بالنسبة للمقربين والحاشية والمحسوبين على المرجعية ومن لديهم وساطات .. بل الذي يأتيهم ( من تحت العباءة ) لا يعد ولا يحصى .. بحيث في فترة ليست بالطويلة ترى هكذا الطالب اشترى أو بنى بيتاً وأثثه و .. و .. و .. من أين ؟! طبعاً من الأموال الشرعية التي هي ملك للإمام المهدي (ع) وتسلط عليها هؤلاء .. وبدل أن تصرف على مستحقيها من اليتامى والمساكين والأرامل .. تجد طريقها إلى أكراش هؤلاء بيسر وسهولة وتجد احدهم كأنه عذراء داخل شرنقة !

وأما الوكلاء والطلبة الذين يجوبون البلاد لجمع الخمس .. فلهم حصة ( نسبة ) ثابتة مما يجمعوه ( نصف ) أو ( ثلث ) أو ( ربع ) .. على اقل تقدير .. فكلما اجتهد الطالب والوكيل في جمع اكبر مبلغ من الخمس من التجار والفلاحين بل وحتى من الفقراء .. كلما زادت نسبته وحصته .. فقد تجد الطالب يصعد المنبر ويجعل الجحيم قاب قوسين أو أدنى عن رؤوس هؤلاء المساكين الذين يكدون ويشقون في جمع قوتهم .. لماذا ؟ لأنهم لم يدفعوا الخمس .. وقد تجد نيته انه كم سيجمع من أموال الخمس وكم ستكون منها حصته، فان استطاع مثلاً أن يجمع خمسة ملايين فحصته منها على اقل تقدير ( مليون ) وإذا كان المرجع يحسب له الثلث أو النصف فستزيد حصته على المليون بكثير !!!

فتجد الناس وبحسن نية يدفعون أموالهم إلى هؤلاء الوكلاء على أنها ستصل إلى مستحقيها الشرعيين وهم لا يدرون أنها سيقع ربعها – على اقل تقدير – في بطن هذا الوكيل .. وسيأتي لهم بوصل مختوم من المرجع بأنه قد استلم المبلغ كاملاً !!!

ويرجع هذا الوكيل إلى بيته يفتل بشاربه ممتلئ نشوة وسروراً .. في حين انه قد سرق أموال الفقراء واليتامى الذين ربما يمر بهم في طريقه وصرة أموالهم بيده .. يراهم على الأرصفة في حالة يرثى لها .. وربما لا يطيق النظر إليهم !!!

ولا ندري ما هو المسوغ الشرعي لهذا المكر والخداع الذي يستحي الإنسان أن يتكلم به لولا وجوب قول الحق ووضع النقاط على الحروف وبيان السيرة العثمانية في آخر الزمان.

ففي هذا الظرف وهذا الفساد المالي الشنيع .. قام السيد احمد الحسن (ع) باحتجاج قوي جداً ضد هذا الفساد المالي وقد أيده كثير من طلبة الحوزة العلمية على ذلك آنذاك وحدثت ضجة في الحوزة العلمية تدخل فيها بعض كبار رموز الحوزة .. لأن أخبار هذا الاحتجاج وصل حتى إلى بعض محافظات العراق ولم يقتصر على النجف فقط .. وسمعت الناس بأن هناك شخصاً ومعه مجموعة من الحوزة العلمية قد احتجوا واعترضوا بقوة على الفساد المالي لدى الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وأنا شخصياً كنت ممن عاصر هذا الاحتجاج وكنت اسمع بأخباره أول بأول وكنت من مؤيديه ومن الرافضين بشدة لهذه السياسة المالية الشنيعة.

ومن الطريف المضحك .. ( وشر البلية ما يضحك ) أني قرأت قبل أيام لأحد أبواق المرجعية والمنتفعين منها يقول: إن احمد الحسن ومن أيده احتجوا على السياسة المالية للمرجعية لان المرجعية لا تعطيهم راتباً ... !!!

ولا يدري هذا المغفل بأن السيد احمد الحسن (ع) كان معروفاً لكل من عاشرة في الحوزة بأنه يمتنع أصلاً أن يستلم راتباً أو مساعدة من المراجع لعدم العدالة عندهم في توزيع الحقوق الشرعية ، وان كثيرا من الذين أيدوا السيد احمد الحسن في اعتراضه هم ممن تحسب لهم رواتب من المراجع وبعضهم ذهب وألقى ( كارت ) الراتب في وجه السيستاني ومكتبه ، ورفض أن يستلم راتبه أبداً .. احتجاجاً على الفساد المالي عندهم .. عسى أن يحرك ضمائرهم ولو نسبياً وعسى أن يردهم عن غيهم.

أي أن هؤلاء المحتجون لم يحتجوا من اجل أنفسهم فقط بل من اجل غيرهم ومن اجل الفقراء والمساكين والمظلومين .. وإلا كما قلت ان كثيراً منهم لهم رواتب ومعروفون لدى مكاتب المراجع .. ولكن قاتل الله الحسد والحقد والتعصب الأعمى ماذا يعمل بصاحبه !!!!

وبعد هذا الاحتجاج الذي قاده السيد احمد الحسن (ع) .. حصل تحسن بسيط في السياسة المالية لدى المراجع .. ولكنه يبقى محدوداً جداً ... وتبقى حواشي المراجع والمقربون إليهم في ترفهم وبذخهم على حساب الآخرين ممن سحقهم العوز والفقر.

والكلام في هذا الموضوع طويل جداً وذو شجون نتركه الآن وربما تأتي له مناسبات أخرى إن شاء الله تعالى.

هكذا عَرَفْتُهُ:

متواضعاً اشد التواضع وقد عشت معه سنيناً ، فكان بيننا كأحدنا ، بل يخدمنا في كثير من الأحيان ، ولا يمتاز عنا لا بمأكل ولا ملبس ولا مجلس ... بل نحن نلبس أفضل منه ، وكان يقدمنا عند الدخول إلى أي مكان ندخله، أو سيارة نستقلها ، ولا يرضى عن احد يقدمه على بقية الأنصار، وكان دائماً يقول أنا أخوكم وخادمكم ونحن جميعاً نسير إلى رضى الله تعالى ، فأنا جئت لأخرجكم من الصنمية فلا تجعلوني صنماً، وكان سلام الله عليه يتضايق جداً عندما يعامله بعض الأنصار معاملة خاصة ويفرِّق بينه وبين الأنصار عند السلام والمصافحة مثلاً وما شابه، وأيضاً كان دائماً يقول: ( لا تشغلنكم العلامة عن الهدف والغاية الذي تشير إليه فالأئمة والحجج علامات على طريق الهدى والحق .. فلا تُقْصِروا نظركم على العلامة وأيضاً لا تظلموا العلامة حقها ).

كان سلام الله عليه بسيط الملبس والمجلس ، يستأنس بالجلوس والسجود على التراب ويعتبره رزقاً من الله إن وجده، وكان إذا قُدَّ ثوبه أو رداءه يقول : الحمد لله الذي رزقنا الاقتداء بأمير المؤمنين (ع).

وكنا قد قضينا هذه السنين معه أكثرها في السفر بين محافظات العراق للتبليغ والتعريف بالدعوة اليمانية ، فكان يخدمنا في كل أسفارنا .. فإذا أصاب السيارة عطل ما ، كان هو من يصلح ذلك العطل مع ما يرافق ذلك من افتراش التراب تحت السيارة والاتساخ بزيت المحرك وما شابهه ، كان يعمل ذلك لسنين وبكل سجية وبدون أي تكلف يذكر .. وكان أيضاً يشارك الأنصار في غسل الأواني بعد الانتهاء من الطعام ويشاركهم أيضاً في تحضير الطعام إن كنا في احد الحسينيات.

وكان دائماً يتمثل بكلام نبي الله عيسى (ع): ( بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ).

وكان يحثنا على محاربة الأنا بقوله : ( إن الله قدوس لا يقرب إلا قدوس فتقدسوا لكي يقربكم الله )، معه ومنه عرفنا حقيقة التواضع وحقيقة الدين، فقد تعلمنا منه أن الإنسان كلما نظر إلى نفسه وانشغل بها وأعجبه حاله كلما قل مقامه عند الله تعالى حتى يصل إلى مقام إبليس لعنه الله ( أنا خير منه )، وكان يقول من يريد أن يكون من أنصار الإمام المهدي (ع) حقاً وصدقاً فلابد أن يكون من مصاديق قوله تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } القصص83 .

أي لا يخطر في بالهم أنهم يريدون العلو في الأرض ولا يحدثون أنفسهم بذلك ولا يرغبون به .. وليس فقط أنهم لا يمارسون العلو في الأرض والفساد، بل لا يخطر في بال احدهم انه أفضل من احد اخوته مهما كان ظاهره بسيطاً، وكان يقول: من يحتقر مؤمناً بسيطاً ومن يحتقر فقيراً .. فقد احتقر احمد الحسن.

كان دائماً يقول : ( أعدى أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه )، وفي الحقيقة كان السيد احمد الحسن (ع) مدرسة عظيمة في كل شيء، ومنه عَلِمْنا مدى بشاعة وانحطاط مناهج التكبر والتعالي الذي هو السمة الغالبة على أكثر المؤسسات الدينية .. من تقبيل الأيدي والتعالي والاستطالة على الناس، وإطالة اللحى وتكبير العمائم ... فتجد أن العرف السائد انه كلما ظن رجل الدين بأنه قد ارتقى في العلم زاد من طول لحيته وكبر عمامته أكثر .. بل يتميز حتى في النعال .. فيلبس نعالاً اصفراً .. وهذا النعال الأصفر يعني انه أصبح مجتهداً ... فتعساً لهكذا اجتهاد يكون النعال دليلاً عليه !!!!!!!!!!

بل اني شدَّ انتباهي في أحد الأيام .. أحد من يدَّعون الاجتهاد في النجف الأشرف .. حيث كنت واقفاً في الصحن الحيدري الشريف وجاء هذا المجتهد وخلفه أحد أتباعه .. فعندما وصل إلى مكان نزع الأحذية ترك نعاله الأصفر بدون أن يضعه عند المسؤولين عن حفظ الأحذية .. وكانت مهمة الشخص الذي يمشي خلفه أن يحمل هذا النعال الأصفر ويعطيه لهؤلاء المسؤولين وعندما يخرج هذا المرجع يقدم هذا الشخص له ذلك النعال الأصفر .. فاشمأزت نفسي من هكذا منهج فرعوني منحرف عن منهج أهل البيت (ع) منهج التواضع والبساطة والإيثار.

وأما من يدعون المرجعية العليا الآن .. تجد الناس يقفون طوابير طيلة ساعات في انتظار أن يصل إليهم الدور ليقبلوا يد هذا المرجع ليس إلا !!!!

وتجد ذلك المرجع رافعاً يده وأحياناً كثيرة يلتفت إلى من بجانبه ويتكلم معه .. والناس تقبل يده وتذهب وهو لا ينظر إليهم حتى ... وهذا ما رأيته بعيني والله على ما أقول شهيد.

في حين أن هؤلاء المراجع يقرؤون ما روي عن أهل البيت (ع) في النهي عن ذلك:

عن علي بن مزيد صاحب السابري قال : ( دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فتناولت يده فقبلتها ، فقال : أما إنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي ) الكافي ج 2 ص 185.

وعن الرضا ( عليه السلام ): ( لا يقبل الرجل يد الرجل ، فإن قبلة يده كالصلاة له ) تحف العقول ص 450.

فهؤلاء لا يظنون بأن أحداً أفضل منهم ولذلك أيديهم مشرعة أمام كل الناس للتقبيل ، وإلا إذا كانوا يظنون ربما يوجد في من يقبل أيديهم من هو أفضل منهم واقرب إلى الله منهم فكيف يقبلون أن يُقبل أيديهم ؟!

وهذا بعيد كل البعد عن أخلاق آل محمد (ع) وما رَبُّوا عليه شيعتهم ومحبيهم، ولله در الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( رحمه الله ) حين وضح شناعة هذه البدعة بأوضح بيان وفند جميع الحجج الواهية لتبرير هذه البدعة ، حيث قال في احد خطبه أو تسجيلاته الصوتية، ما معناه: ( الذي تقبل يده فهو شيطان من حيث يعلم أو لا يعلم ).

وقال أيضاً ما معناه: ( أنا كنت غريباً في الحوزة والمجتمع لأني لا أقدم يدي للتقبيل .. ولكن إن شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه من تقبل يده هو الغريب والمنبوذ ).

نعم .. إن شاء الله يكون هذا اليوم قريباً جداً .. فيرجع دين محمد وال محمد (ع) غضاً طرياً بلا بدعة أو تحريف، فقد طلع الفجر الصادق وها نحن بانتظار اشراقة الشمس ... قال تعالى: ( ... إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } هود81.

نعم ربي قريب وقريب جداً وقلوبنا تتوق بشوق ولهفة إلى هذا الصبح الذي هو قرة عين المتقين المنتظرين، والذي يستبعده المشككين والمرتابين، قال تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً ) المعارج 6 -7.

فكان السيد احمد الحسن (ع) يؤكد تأكيداً بليغاً على نكران الذات ومحاربة النفس ، والانصهار في حب الله ومعرفته ومعرفة أوليائه، بل كان دائماً يؤكد على أن لا يكون هدف الإنسان من الطاعة هو الجنة واتقاء النار ، بل لابد أن يعبد الإنسان ربه لأنه المستحق للعبادة .. كما روي عن أمير المؤمنين (ع) .. فمن قتل نفسه وهواه يمكنه أن يدخل ملكوت الله وفضاء المتقين حقيقة .. وأما من كان منشغلاً بالنظر إلى نفسه .. فبقدر هذا الانشغال يكون غافلاً عن ربه.

ودائماً كان سلام الله عليه يقول : من نحن حتى نعتبر لأنفسنا فضلاً أو مقاماً أو رفعة على غيرنا .. فإذا كان أمير المؤمنين (ع) وسيد الموحدين بعد رسول الله (ص) يقول عن نفسه: ( الهي قد جرت على نفسي في النظر لها ، فلها الويل إن لم تغفر لها ) بحار الأنوار ج 91 ص 97. فمن نحن حتى نغتر بأنفسنا وننشغل بالنظر لها أو الإعجاب بها أو نرى أننا قد أدينا حقاً من حقوق الله علينا .. ينبغي لنا أن نستحي ونخجل من وجودنا ونعض على أيدينا حسرة وندامة على تقصيرنا في حق الله تعالى وشكر نعمائه علينا التي لا تعد ولا تحصى.

وعلى إي حال إلى هنا ألوي سنان القلم فهذا مضمار مهما كتبت فيه فلا ابلغ منتهاه ولا استطيع وصف جزء من ثناياه .. فلا يمكن لي أن أصف تواضع هذا العبد العظيم .. إلا بما اعرفه ومن أين لي معرفته .. وكيف يعرف الثرى الثريا .. وأنَّى لي ذلك .. فحتى الكلمات والتعابير تزدحم لدي واحتار في تقديم بعضها على بعض .. حتى أجد نفسي لا استطيع كتابة شيء.

ولكن ربما نستطيع معرفة شيء من الحقيقة عندما نستمع إليه وهو يقول عن نفسه: ( لا أرى نفسي إلا ذنباً بين يدي ربي ).

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

هكذا عَرَفْتُهُ:

زاهداً في الدنيا وزخرفها .. لا يقيم لها وزناً أبداً .. زاهد ليس كالزهاد المزيفين ، الذين يتظاهرون بالزهد أمام الناس وقلوبهم منخلعة لحب الدنيا والجاه والمنصب والظهور .. بل زاهد كزهد آبائه الطاهرين ، قولاً وفعلاً وسلوكاً .. يبغض كل معالم العلو والظهور .. متطبعاً على التواضع والبساطة والقناعة .. ليس له بيت يؤويه أو يؤوي عياله .. ولا مركبة تقله ويقضي بها حوائجه و لا .. ولا .. ولا .. كأنه ضيف في هذه الدنيا وعما قليل راحل.

ورغم هذا عندما تراه تجده أغنى الناس واعز الناس .. متوكلاً على الله تعالى في كل شيء، يصب كل اهتمامه على تأدية طاعات الله تعالى وإصلاح الناس وإحياء السنن وإماتة البدع .. وأما الرزق المادي الدنيوي .. فهو مطبقاً لقول أمير المؤمنين (ع):

( أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إن المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسمه عادل بينكم ، وضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه ) الكافي ج 1 ص 30.

فتعلمنا منه: ان الذي يصلح ما بينه وما بين الله .. يتكفل الله بجميع شؤونه ويجعل له من كل ضيق مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، كما قال الله تعالى: ( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق: 1 – 2.

والرزق الطيب هو ما كان مع طاعة الله وفي طاعة الله ولطاعة الله .. أي حتى طلب الرزق يجب أن يكون لطاعة الله تعالى وتأدية ما افترض علينا .. من نصرة الدين ومساعدة الفقراء والمحتاجين والقيام بواجبات الأهل والعيال والأرحام .. لا أن يكون حباً في جمع الأموال وحرصاً على الدنيا والجاه .. فالقلب إناء لا يتسع لشيئين في آن واحد .. فإما حب الله وإما حب الدنيا .. فما خُلقنا لتشغلنا الدنيا وزخرفها ولمنازعة كلابها المسعورة.

وكان سلام الله عليه دائماً يتمثل بوصف أمير المؤمنين (ع) للدنيا:

- ( الدنيا جيفة وطالبها كلاب ، فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب ) شرح إحقاق الحق ج 32 ص 237.

- ( والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم ) نهج البلاغة ج 4 ص 52 – 53.

وكان سلام الله (ع) دائماً يردد بألم وحسرة قول الله تعالى لكليمه موسى بن عمران:

- عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في مناجاة موسى ( عليه السلام ) : ( يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنب عجلت عقوبته ) الكافي ج 2 ص 263.

وما زلت أتذكر تمثله بقول نبي الله عيسى (ع) وما أحلاه عندما يخرج من فمه الطاهر:

- ( النوم على المزابل واكل خبز الشعير كثير مع سلامة الدين ) معاني الأخبار ص341.

نعم .. مولاي .. فعلاً كثير وكثير جداً مع سلامة الدين والعقيدة .. هذا ما تعلمناه منك يا ابن الأطهار ونسأل الله تعالى أن يرزقنا طاعته والزهد في الدنيا وان لا يجعلنا من أهل آخر الزمان الذين لا يعرفون العالم إلا بلباس حسن وإلا بالتعالى والغرور، كما روي عن النبي محمد (ص):

- ( سيأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن ، ولا يعبدون الله إلا في شهر رمضان ، فإذا كان كذلك سلط الله عليهم سلطاناً لا علم له ولا حلم له ولا رحم له ) بحار الأنوار ج 22 ص 454.

- ( سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم ، طمعاً في الدنيا ، لا يريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب ، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم ) الكافي ج 2 ص 296.

نعم دعاء الغريق ... هذا الدعاء الذي أوصى به أهل البيت (ع) عند ظهور الفتن في آخر الزمان .. وانه المنجي منها:

- عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : ( ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق ، قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول : " يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت : " يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك " قال : إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) كمال الدين وتمام النعمة ص 352.

نعم أهل البيت (ع) ينصون في هذا الحديث وفي غيره بأنه لا منجي للناس من فتن آخر الزمان إلا بالرجوع إلى الله تعالى والاعتصام به وطلب الهداية منه، واليوم نجد فقهاء السوء يثقفون الناس على أنهم هم سبل النجاة وان الناس بخير وعلى الحق ما داموا متمسكين بالفقهاء .. وكأن الفقهاء هم أصحاب الوحي .. فلا ينزل شيء إلى الأرض ولا يصعد شيء إلى السماء إلا بعد المرور بهم !!!

في حين أننا لو رجعنا إلى أهل البيت (ع) وسألناهم عن فقهاء آخر الزمان لوجدنا الإجابة كالآتي:

- عن محمد بن مسلم قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام : متى يظهر قائمكم ؟ قال : ( إذا كثرت الغواية وقلت الهداية ، وكثر الجور والفساد وقل الصلاح والسداد ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ومال الفقهاء إلى الدنيا ، وأكثر الناس إلى الأشعار والشعراء ..... فعند ذلك ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، فكأني أنظر إليه قائما بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه : البيعة لله ، فتقبل إليه شيعته ) معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) ج 3 ص 490 – 491.

- عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه ، يسمعون به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود ) الكافي ج 8 ص 307 - 308.

- عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( يكون في آخر الزمان قوم يُتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم ... ) تهذيب الأحكام ج 6 ص 180.

- وفي حديث المعراج: ( ... فقلت: إلهي وسيدي متى يكون ذلك – يعني قيام القائم (ع) - ؟ فأوحى الله عز وجل : يكون ذلك إذا رفع العلم ، وظهر الجهل ، وكثر القراء ، وقل العمل ، وكثر القتل ، وقل الفقهاء الهادون ، وكثر فقهاء الضلالة والخونة ، وكثر الشعراء ... ) كمال الدين وتمام النعمة ص 251.

- عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ) اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 589.

- عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته ، متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود ، لا تدركون . فقلت : أهل زمانه . فقال : ولن تدرك أهل زمانه ، يقوم قائما بالحق بعد إياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد ..... ويسير إلى الكوفة ، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية ، شاكين في السلاح ، قراء القرآن ، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم ، وشمروا ثيابهم ، وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا بن فاطمة ، ارجع لا حاجة لنا فيك . فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولا يصاب من أصحابه أحد ، دماؤهم قربان إلى الله . ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله ( عز وجل ) ... ) دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري ( الشيعي) ص 455 – 456.

وغير ذلك الكثير من الروايات لا يسع المجال لذكرها في هذا المختصر.

وأخيراً أقول: هذا قليل من كثير وغيض من فيض مما عرفت به السيد احمد الحسن (ع) كتبته على نحو السرعة والعجلة .. واعتذر إلى الله والى رسوله والى أهل البيت (ع) عن التقصير .. ولكن رجائي أن أوفق في المستقبل أن اكتب سيرة للدعوة اليمانية المباركة وأحاول أن أجمع كل ما عرفته وعاصرته منذ بداية الدعوة المباركة والى يومنا هذا.

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد واله الأئمة والمهديين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين.

الشيخ ناظم العقيلي

23 – جمادي الثاني – 1431 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هكذا عرفته ....

بدءاً عليَّ أن أقول هكذا رأيته ، أما القول بأنني هكذا عرفته فهذا فيه مجازفة كبيرة وظلم للحقيقة والتاريخ ، فهذه شهادة سألاقي بها ربي غداً ، وسأسأل عن كل كلمة فيها ، وكذلك أجعل بين يدي شهادتي هذه الاعتراف مقدماً أنني لا أستطيع الادعاء أنني بكل كلمة سأكتبها كنت منصفاً في شهادتي لولي من أولياء الله سبحانه وصفيٍّ من أصفيائه(ص) ، ولكن حسبي أن شهادتي لهذه المعرفة بقدري لا بقدره ، ولعل الله سبحانه أن يجعل هذه الشهادة المشوبة بالتقصير فضلا على القصور باب هداية للقارئ الباحث عن الحق والحقيقة . لقد كان لقائي الأول بهذه الدعوة المباركة وليس بداعيها (صلوات الله وسلامه على داعيها وآبائه وأبنائه) في ذكرى أربعينية الإمام الحسين(ص) أي في 20/صفر/1426هـ ق الموافق يوم الخميس 31/3/2005م ، حيث رافقنا في تلك الزيارة شقيقان لم يكن أياً منهما من المنتسبين للجامعة ، وهذه الزيارة كانت مخصصة لمنتسبي الجامعة ، ولكن سبحان الله هكذا الأمر حصل.

ووافق أن ركب هذان الرجلان معنا في الحافلة التي أقلتنا إلى كربلاء المقدسة ، مع أن هناك سيارات أخر غيرها كانت ، ولعل لمعرفة أحد الأخوين بصديقي الأستاذ سببا في أن يركبا معنا ، المهم كان الحال في البداية اعتياديا عرفني صديقي عليهما وتبادلنا التحية ، وبدأت الرحلة وكانت الحوارات فيها طوال الطريق هي بخصوص صاحب الذكرى (صلوات الله وسلامه عليه) ، وكان أحد الأخوين قد جلس بيني وبين صديقي ، وكان حوارهما مستمر من بداية الرحلة إلى أن قطعنا منها شوطاً كبيراً ، وأتذكر كان هذا الأخ مصطحبا معه كتاب (مفاتيح الجنان) وكان يقرأ فيه دعاء الجوشن الصغير ويسألنا عن معاني بعض الألفاظ فيه ، ويتوقف عند بعض الفقرات ويحاول إثارة النقاش فيها ، ويبدو أن هذا الأخ كان قد قطع شوطاً كبيراً في الحديث مع صديقي عن دعوة يماني آل محمد(ص).

وبحسب ما ذكر لي صديقي أن صاحبه قال له ؛ كيف ترى تقبل صديقك لهذا الأمر؟؟ هل أبادر بطرحه عليه؟؟ فيقول صديقي : أجبته وأنا أشعر بالخوف من ردة فعلك ، فقلت له ؛ حاول إن شاء الله خير ، وكان أن التفت إليّ هذا الأخ وبدأ بالتطرق إلى حال العلماء وكيف أنهم قد أخلوا بوظيفتهم وتكليفهم اتجاه الناس وتقصيرهم في هدايتهم ، وقلة ورعهم والتفاتهم للدنيا ، ولم يكن حديث الأخ بغريب عما كان يدور برأسي فأنا ـ وأعوذ بالله من الأنا ـ لم أعرف التقليد في حياتي ، وحتى عندما كنت أذكر أنني أقلد فلانا من العلماء ما كان القول إلا على سبيل مماشاة القوم ، لأن الثابت لدى عموم الشيعة أن الذي لا يقلد عباداته لا أقل إن لم تكن مقبولة فهي مشكوك بأمرها ، ولكي يخلص المرء من كثرة الكلام غير النافع يقول أنا أقلد فلان وانتهى ، ولكن في مواقف عندما يفتح حوار بشأن دور المرجعية ورجال الدين في المجتمع كنت أنتقد دورها بما أعرف ، فحال المرجعية وخصوصا بعد سقوط النظام صار لا يخفى حتى على المغفلين ، فما بالك بمن كان يراقب فعلها بصورة أو بأخرى في زمن الطاغية وخاصة منذ أن وعينا دورها المخزي إبان الحرب العراقية الإيرانية ، وتركها الناس لمقصلة الطاغوت تحصد بهم بدعوى التقية ، وما إلى غير ذلك من الفبركات الحوزوية التي لا علاقة للدين فيها لا من قريب ولا من بعيد.

فكان الأخ يتحدث ويذكر مواقف لأولئك العلماء مؤلمة بوصفه مطلعا على الكثير منها ومنها ما نقله الثقاة له من أصدقائه عن ممارسات مخزية يترفع عنها من يعدهم المجتمع (من أبناء الشوارع) ـ مع الاعتذار للقارئ عن هذا التعبير ـ ولكنه أخف تعبير ممكن أن يقال لوصف مخازي علماء الدين وعدد ممن يسمون أنفسهم مراجع ، وبعد أن اطمأن هذا الأخ إلى أنني معه على الخط تماما ولم يلمس مني معارضة بشأن ما طرحه من مصائب المعممين ، دخل بموضوع دعوة اليماني(ص) فقال : ظهر رجل يقول أنا وصي ورسول الإمام المهدي(ص) واسمه أحمد وأخلاقه وصفاته و... و... ، وكان الأخ يتحدث عن هذه الشخصية بمشاعرية غريبة عجيبة ، كان يتحدث عنها بلسان المحب الذي لا أبالغ إن وصفته بأنه ذائب بحبها ، وكنت أسمع من دون تعليق ولم يكن الموضوع بالنسبة لي وأنا أسمعه سوى حديث نمضي به الطريق وآخذ منه ما كنت أراه ينفعني.

لقد كنت عزمت مع نفسي على الابتعاد عن أي انتماء ، وهذا العزم ترشح لي من رؤيتي لواقع الناس وكيف أن الكثير ممن كنا نعدهم أصحاب ثقافة ووعي انجرفوا في هذا التيار الجارف تيار الانتماء للأحزاب والمنظمات التي أغرقت دكاكينها البلد بل المضحك المبكي أن للكثير منهم أكثر من انتماء ، وكانوا يتربصون أي الأطراف أو الأحزاب يكون نافعا ماديا يهرولون إليه ، ولذلك الكثير من الناس ومنهم ممن هو مقرب إلي طرح عليّ فكرة الانتماء إلى تلك الدكاكين ومشروعها وكنت أرفض ، بل وأشعر بالامتعاض من طريقة الدعاية الرخيصة لها، وبفضل هذا الشعور عصمني الله سبحانه من المشاركة بهذه الديمقراطية المستوردة تماما من دون أن يكون لي هذا الوعي الموجود الان بخطورة ذلك المشروع .

لذا سمعت الأخ وحلت ما طرحه عليّ إلى هذا الشائع لدى الناس من الانتماء ، فوعدته خيراً ولكن ما طرحه لم يأخذ عندي حيزاً للتفكير خاصة وهو قد ذكر لي أن هناك كتابات على الحيطان تخص هذه الدعوة ، والإعلان عنها فزاد هذا الأمر من عدم اهتمامي لأن ما كان يحدث على الحيطان بعد سقوط النظام خلط الحابل بالنابل وجعل الأخضر يؤخذ بسعر اليابس ، المهم زرنا ولقد رافق تلك الزيارة العجيبة مشقات كثيرة لأول مرة أكابدها لأنني كنت قليل الزيارة للمراقد والعتبات المقدسة ، بل لعل هذه الزيارة الأولى لي بهذه المناسبة على طول حياتي الماضية ، المهم في طريق العودة عاد معنا الأخوان واستمر هذا الأخ ولكن هذه المرة بصورة موسعة لأنه اطمأن إلى أنني كنت أسمعه ولم يبد عليّ أي اعتراض فضلا على توافق الرؤى بيننا بشأن المعممين ، ولقد أخذ التعب في تلك الرحلة مني مأخذه فكنت أسمع أشياء وأخرى لا أسمعها ، ولكن ما لفت انتباهي هو أن هذا الأخ عندما دخلنا إلى المدينة بعد عبورنا للسيطرة نادى : استقبلوا مدينة القائم بالصلاة على محمد وآل محمد!! (اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما) فارتفعت الصلوات من الموجودين في الحافلة من دون أن ينتبه ـ كما أظن ـ أحد إلى ما قاله الأخ ؛ (مدينة القائم) ولكن وصفه أثار استغرابي من دون أن أعلق .

وطلب منا هذا الأخ أن نهتم بالأمر ونحمله على محمل الجد في التفكير والبحث ، وقلنا له خير إن شاء الله ، وافترقنا وبعد يومين أو ثلاثة التقينا في بيت أحد الأصدقاء كان أخوه قد تزوج قريبا وأتيت لأداء الواجب معه ، ووافق أن التقيت بهذا الأخ مرة أخرى وهذه المرة تحدث بشكل أوسع عن الموضوع وعن أدلة هذه الدعوة بعمومية وكان يحمل بيده عدداً من الكراريس تخص هذه الدعوة ، وتحدث عنها وعن صاحبها بصورة عاطفية وكان منفعلا وهو يتحدث عنها ويدعونا إليها فاستمعنا منه ، وسألنا عن رأينا؟؟ وأخبرنا أن لهذه الدعوة حسينية جديدة في طور البناء وتقع في حي الزهراء ، والعاملين فيها هم من المؤمنين بهذه الدعوة وستقام فيها صلاة جمعة ، ووافق قوله هذا يوم أربعاء فتواعدنا معه على المجيء لهذه الحسينية والاطلاع على ما ذكره والتحقق منه ، وبعد أن غادرنا ، تداولنا الأمر أنا وصديقي الأستاذ وسألني رأيي فيما سمعت ، فقلت له : نذهب الجمعة إن شاء الله ونرى ، فإذا رأيت الموجودين من أهل الله فإن شاء الله خير ، وإن كان الأمر غير ذلك فلكل حادث حديث ـ كما يقال ـ أما هو فجعل الرؤيا دليله للمعرفة وقال : إذا رأيت رؤيا كما قال الأخ فلابد أن يكون هذا الأمر مهم ويستحق البحث والاهتمام ، المهم افترقنا ، ولم يبق من الموضوع غير مسألة الموعد وزيارة هذه الحسينية ، فجاءت الجمعة المباركة وذهبنا إلى موعدنا وكان هو اللقاء الأول بهذا الأمر العظيم حقا وصدقا .

لم تكن الحسينية التي أخبر عنها الأخ غير سياج لم يرتفع بضعة سنتيمترات عن الأرض وغرفة نائية وكوم من الطابوق ومواد البناء الأخرى البسيطة ، ومكان مصلى مفروش بالرمل ، وكان الوقت يقترب من القيظ ، فعلى ما أتذكر لعل في هذه الجمعة أو في الجمعة الثانية كان إمام الجمعة رجلا يرتدي كوفية وعقال كان طويلا وأسمر ، وعندما دخلنا إلى الحسينية لفت نظري أنه كان يصلي بمفرده ، وباقي الناس في الحسينية كل منشغل بأمر من الأمور ، وذهبنا ودخلنا في تلك الغرفة التي كان فيها أحد المشايخ يتحدث عن الدعوة ، وكان اسمه (شيخ حبيب) كان شخصا بسيطا ويتحدث بفطرية وتلقائية عجيبة ، كأنه ليس من زمننا.

عند الرؤية الأولى لأتباع هذه الدعوة تحقق في نفسي ما جعلني أتعلق بها، وهو عندما قلت لصديقي الأستاذ : أنا بحسب ما أعرف أن هذا الأمر لابد أن يكون أناسه من البسطاء ، لأنني أتذكر هرقل الروم عندما كان يسأل ابا سفيان(لع) عن أتباع محمد(ص) هل هم من علية القوم أو هم من البسطاء؟؟ فكان جواب أبو سفيان : بل من البسطاء والفقراء ممن لا يلتفت إليه ، فأجابه هرقل : وكذلك أتباع الأنبياء ، فهذه الجملة كانت دليلي في معرفة الحق ، فالدعوة الحق لا يتبعها إلا البسطاء في بدايتها ، وهذه الدعوة في بدايتها ، وكان الحال كما أخبر هرقل عن حال أتباع الأنبياء(ع) ، وخاصة هذا الشيخ المتصدي للحديث ، فتعلق قلبي بالمكان وبأهله ، ومن ذلك اليوم ما عدت أستطيع مفارقته.

المهم صلينا الجمعة خلف هذا الرجل الأسمر الطويل وكان يمسك بيده مصحفاً ، وكان كثير الإطراق إلى الأرض وهو يتحدث ، وعندما يصل الحديث إلى سيرة أولئك المعممين كان يتحدث بشدة وبانفعال واضح ، وخاصة عندما يذكر انحرافاتهم العقائدية والأخلاقية ، لم أجد في نفسي دافعا للسؤال عن إمام جمعتنا فهو لابد أن يكون من الأتباع فضلا على أنه في خطبتيه كان بسيطاً كذلك وتلقائيا ، لم يكن يتكلف ، ولم أدقق فيه لأن الموقف بجملته وتفاصيله كان جديداً عليّ حتى أنني كنت شبه المذهول ، بل لا أبالغ إذا قلت : كأنني اليوم أعرف هذا العالم العجيب الذي اسمه (الدين)!!!

خلاص عندما تحقق دليلي في معرفة الحق ارتبطت مع المكان وأصحابه فلم أعد أفارقهم منذ أن وطئت قدمي هذا المكان الطاهر ، فلا يمضي يوم إلا وأنا ـ وأعوذ بالله من الأنا ـ حاضر وموجود وأستمع للأخوة الأنصار ، وأتعلم منهم ، ولأول مرة ألتقي مع روايات الطاهرين(ص) بهذه الصورة ، كان كل الذي نعرفه من رواياتهم (ص) هو بعض ما يرشد إلى مكارم الأخلاق ، أما ما يصف الواقع وانحراف الناس عن الحق ، واتباعهم لفقهاء الضلالة ، علامات أولئك الفقهاء فهذا مما لم أكن أعرفه أنا شخصيا ، بل كنت على الرغم من عدم محبتي لأولئك المعممين واستثقالي لهم إلا إنني لا أعرف بما وصفهم آل محمد(ص) ، لأن الدين بالنسبة لي قبل دخولي هذا المكان الطاهر هو ليس من اختصاصي بل هو من اختصاص المعممين ، ولعل هذا ما شكل لي صدمة وجعلني مذهولا هو أن الدين مسؤولية الجميع ولا عذر ولا عاذر لأي إنسان بعدم الاطلاع والمعرفة ، ولذا مقولة (ضعها براس عالم واطلع منها سالم) ما هي إلا خدعة كبيرة ضاع الدين جله إن لم يكن كله بإشاعة هذه المقولة بين الناس ، بل ولكي يجعلوها ثابتة أكثر راحوا يحوكون حولها جملة من المغالطات من مثل ؛ (على الجاهل أن يلجأ إلى العالم) و(الدين هو جانب اختصاصي كالطب والهندسة وغيرها من العلوم) ، و(لابد للعامي أن يقلد في دينه) ، و... و... الخ من العبارات المسلفنة التي صودر بها الدين ومعرفته.

ولذلك كانت هذه الدعوة صادمة للواقع بل ثائرة فيه كالبركان ومثورة له ، فكل الناس الذين تطرح عليهم الدعوة كان رد فعلهم الأولي هو الصدمة والذهول ، وقد يستبد الذهول بهم إلى درجة أن السامع يبادر إلى الإنكار مباشرة قبل الاستبانة والتروي ، ولاشك في أن رد الفعل هذا يكشف عن أن هذا الذي استنكر وكذب انكشف له واقع تأريخ مظلم كان يتصوره هو النور ، وبعد هذه المسيرة الطويلة يكتشف أنه كان يخدع نفسه ولم يكن هناك نور بل كان ظلاما في ظلام!!!

ولذا كان صاحب الدعوة مقدراً لحال الناس وعاملهم بالهوينى وأمر أتباعه أن يترفقوا بالناس ، وأن يعاملوهم معاملة الطبيب للمريض ، ومعاملة الحكيم للمجنون ، لأن الفساد الذي أوقعه فقهاء السوء على طول مسيرتهم التاريخية في الدين كان كبيراً جداً وخطيراً جداً!!! فلولا ظهوره (ص) في هذا الوقت لمحق الدين تماما ، فكان ظهوره في هذا الوقت بالضبط هو تعبير عن امتداد يد العناية الإلهية للبشر قبل أن ينجح الشيطان في احتناكها كلها ، قال تعالى{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء/62) ، ومازال إلى اليوم يأمر (ص) أتباعه بالترفق بالناس بل ويشدد على الترفق كلما اقترب الزمن وفار التنور ، لأنه بات اليوم الذي ترفع فيه التوبة عن الناس قريباً جداً .

لقد وضعتني هذه الدعوة وجها لوجه مع (أنا) ولأول مرة أعيش هذه المواجهة المرة بكل تفاصيلها ، ولأول مرة اكتشف بأنني كنت بعيداً عن فضاء الإنسانية بل لا حظ لي فيه إلا الشيء القليل القليل جداً وربما هذا القليل هو الذي جعل الله سبحانه يتفضل علي بمنه العظيم هذا ، ولذا يصح أن يكون عنوان هذا الموضوع (هكذا عرفتني) وليس عرفته لأن أحمد الحسن(ص) مرآة إلهية عظيمة استبان فيها غربة الإنسانية فينا ، واستبان فيها ضيعة الدين وغربته ، وهو حقا وصدقا مائدة الله سبحانه الذي اكتشفنا عندها سقمنا وفقداننا للعافية ، ومنها وفيها رحت أتذوق طعم العافية وأتعرف عليه لينكشف حقيقة المرض الذي كنت أعيشه وكنت أتوهم أنه العافية!

لقد كان أحمد الحسن(ص) رسالة الله سبحانه لعباده كي يوقظهم من رقدة الغفلة بالوقت الذي كانت فيه سكين الدنيا تنوش رقابنا وتؤثر فيها ، ولذلك لا أستغرب وأنا ألحظ الناس وعنفهم في مواجهة هذا الأمر لأنه ببساطة فضح واقع الانحراف الخطير عن سبيل الله سبحانه ، وكشف الوهم الكبير والظلمة العظيمة التي كان يتصورها الناس نورا ، ومن ثم فردة الفعل هذه محكومة بقانونها (لكل فعل ردة فعل تناسبه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه) ولعل هذا القانون يحكم الجانب المادي في الإنسان ولكن الجانب الروحي هو صاحب القرار والاختيار ما بين الجنة والنار؟؟؟

سبحان الله فدروس هذه الدعوة العظيمة تبدأ مع من يتبعها منذ اليوم الأول الذي يفيق منه من صدمة الفعل ورد الفعل ليجد نفسه خاوية تماما كأنه مريض قد استؤصل منه ورم سرطاني خبيث وكبير اسمه الدنيا فالجسم يشعر بالهوان والضعف ، ولذا فهو يمر بفترة نقاهة حقيقية وعلى المرء أن ينتبه لهذه الفترة ويتعامل معها تعاملا يضمن له النجاة ، لأن فرصة عودة هذا الورم الخبيث مازالت قائمة مادام الجسم يشعر بالوهن ، وواقعا أن هذا الوهن شعور نفسي ، ولا يزول إلا بأخذ الجرعات تلو الجرعات من روايات الطاهرين(ص) ، فهذه الدعوة العظيمة هي مبضع الجراح الماهر الذي يقوم باستئصال هذا الورم الذي كان يوهم صاحبه أنه جبل لا سبيل إليه ليجده بعد استئصاله سهلا يطلب النبات والاستنبات.

وهنا تبدأ المرحلة المهمة ، وهي مرحلة استشعار التواضع والعمل على أساسه كما علمنا هو (ص) عندما ذكرنا بقول عيسى(ع) [تواضعوا فبالسهل ينبت الزرع لا بالجبل] نعم منه (ص) تعلمت هذا الأمر العظيم بل لازلت أتعلمه منه وبه أعالج هذا الورم الخبيث ، بل ومنه (ص) تعرفت إلى عيسى(ع) وموسى(ع) وكل أنبياء الله ورسله(ع) ، ومنه بدأت أعرف شيئا من محمد(ص) وعلي(ص) وفاطمة(ص) والطاهرين(ص) أجمعين .

لقد قال بعضهم : كاد المعلم أن يكون رسولا ، وهذا القول تنقصه الدقة فلو أنصفوا لقالوا : إنّ المعلم أن يكون رسولا ، فلا يكون المعلم معلما حتى يكون رسولا ، قال تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الجمعة/2-3) ، نعم كان الرسول معلما والمعلم رسولا ونعمت ، وأول درس علمه المعلم لطلبته هو : عليكم بقتال الأنا وقتلها ، فلا تصلون إلى الله سبحانه إلا بقتلها ، أو كما قال هو (ص) في إجابة على سؤال سيدة نصرانية عن مضامين دعوته وأهدافها ؟ فأجابها قائلا : [قال عيسى (ع) ( ليس بالطعام وحده يحيى ابن آدم ولكن بكلمة الله ) ، وأنا عبد الله أقول لكم بالطعام يموت ابن آدم وبكلمة الله يحيى .

فدعوتي كدعوة نوح (ع ) وكدعوة إبراهيم (ع) وكدعوة موسى (ع) وكدعوة عيسى (ع) وكدعوة محمد (ص) .

أن ينتشر التوحيد على كل بقعة في هذه الأرض ، هدف الأنبياء والأوصياء هو هدفي ، وأبين التوراة والإنجيل والقرآن ، وما اختلفتم فيه ، وأبين انحراف علماء اليهود والنصارى والمسلمين وخروجهم عن الشريعة الإلهية ، ومخالفتهم لوصايا الأنبياء (ع) .

إرادتي هي إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته . أن لا يريد أهل الأرض إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى ، أن تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أن يشبع الجياع ولا يبقى الفقراء في العراء ، أن يفرح الأيتام بعد حزنهم الطويل، وتجد الأرامل ما يسد حاجتها المادية بعز وكرامة ...... أن ...... وأن ...... أن يطبق أهم ما في الشريعة العدل والرحمة والصدق .](من كتاب وصي ورسول الإمام المهدي(ع) في التوراة والإنجيل والقرآن)

من ضمن اللقاءات التي منَّ بها الله سبحانه عليَّ كان لقاء في حسينية أنصار الإمام المهدي(ص) في البصرة حيث دعوت أحد الأشخاص ممن كنت أعده صديقا لي إلى هذه الدعوة المباركة وتوافق وجودنا في الحسينية مع وجود السيد أحمد الحسن(ع) ، وجلس هذا الشخص قبال الإمام أحمد الحسن(ع) وراح يسأله عدداً من الأسئلة ، والإمام(ع) يجيب بأريحية لا تليق إلا به سلام الله عليه لأن أسئلة ذلك الشخص لم تكن لطلب الحق بقدر ما كانت لاختبار داعي الله(ع) ، وأتذكر من ضمن تلك الأسئلة أنه سأله عن بعض الأسماء من علماء الغرب فسأل الإمام(ع) عن العالم النفسي فرويد ، فعبر الإمام(ع) عن امتعاضه من هذا الرجل ، ثم سأله عن إنشتاين ، فأجابه (ع) أن هذا الرجل يعترف بوحدة الوجود في نظريته ، ثم سأله عن التطور والحاسوب والإنترنت وهذه الثورة التكنلوجية الهائلة وموقف الإمام المهدي(ص) منها؟؟؟ فقال له الإمام(ع) : أسألك فأجبني بصراحة : هل استطاع كل هذا التطور الذي تراه من إنقاذ امرأة وقعت في مستنقع الرذيلة ، وسار بها في طريق الفضيلة؟؟؟ فكان جواب هذا الشخص : لا ، فقال له الإمام(ع) : إذن لا قيمة لكل هذا الذي تسميه تطوراً.

ومما أتذكره من أسئلة هذا الشخص قوله للإمام(ع) : هناك رين على قلبي يحجبني عن معرفة الحقيقة فما السبيل لإزالته؟؟ فأجابه الإمام(ع) : هل لك أتباع؟! قال : لا ، قال له : هل لديك منصبٌ كبيرٌ أو ... أو... ؟؟ أجاب : لا ، فقال له الإمام(ع) : فأنت تحمل همَّ نفسك فقط ، قال : نعم ، قال له هل الرين الذي على قلبك أكبر أو الرين على قلب من له أتباع؟؟ فهناك من كان له أتباعاً ولكنه لما عرف الحق ترك كل ذلك خلف ظهره والتحق بالحق .

لقد كان اللقاء طويلا ربما استمر اكثر من ساعة ونصف مع هذا الشخص ولكنني ـ وأتحدث عن نفسي ـ كنت مذهولا ولم أمتلك نفسي فالكثير من الأسئلة لم أتذكرها لأنني كنت أبكي وأنا أسمع إجابات الإمام(ع) والكثير من الأخوة الجالسين كانت دموعهم تسيل ، أما ذاك السائل ما رق له قلب (سبحان الله) سلام الله على نبي الله عيسى حيث قال : (الذي من الله يسمع كلام الله) ، لقد أحسست في تلك الليلة بحب للإمام(ع) ما كنت أشعره لأحد سابقا حتى أنني لما رأيته تأهب للخروج أسرعت إليه وعانقته وأنا أبكي وقلت له : مولاي (ادعيلي) هكذا بالعامية الدارجة، فضمني صلوات الله عليه وقال : الله يوفقك .

نعم لا يملك المرء وهو يلتقي الإمام(ع) إلا أن ينخلع قلبه ـ وأعتذر لأنني أتكلم بهذه اللغة التي ربما يصفها البعض بالعاطفية ولكن هذا ما أحسسته في ذاك الموقف ـ كان مهيبا (ص) على الرغم من البساطة التي كانت بادية عليه في الحركة والكلام وحتى في الملبس ، والله ـ حقا وصدقا ـ من يلتقيه (ص) يقول مع نفسه : يا حسرتاه على الإنسانية ، فمن يرى السيد سلام الله عليه يعرف معنى الإنسانية ، وكيف يكون الإنسان إنسانا، لقد كانت اللقاءات به قليلة سلام الله عليه وخاصة في الحسينية حيث بدأ فقهاء السوء وزبانيتهم يضيقون الخناق على السيد(ع) ، وحرمونا لقاءه سلام الله عليه ، ولكن على الرغم من ذلك منَّ الله سبحانه عليَّ وعلى عدد من الأخوة باللقاء به (ع) في عدد من الأماكن وفي تلك اللقاءات لمسنا همه العظيم ، وانشغاله بحال الأمة وما تعانيه ومدى انصرافها عما يحييها ، وسعيها خلف فقهاء السوء الذين سيوصلونها إلى الهاوية ، وكان في كل ذلك كجده رسول الله(ص) جادا ومجدا في الدعاء للناس بالهداية على الرغم من الأذى الذي يلقاه من الناس والافتراءات بل والجرأة الغريبة!!!

أتذكر مرة أن أحد الناس وفق إلى لقاء السيد في الحسينية وكان هذا الرجل أخو أحد الأنصار ، وطلب هذا الرجل ـ حتى يصدق بالسيد(ع) ودعوته ـ من السيد(ع) أن يقسم له بالقرآن على أنه وصي ورسول الإمام المهدي(ص) ، فقال له السيد(ع) ، قبل أن أقسم لك أروي لك هذه الحكاية ؛ التقى نفر من أهل مكة بأعرابي في الصحراء فأخبروه بدعوة محمد(ص) وما نزل عليه من كلمات الله سبحانه ، فطلب منهم الأعرابي أن يقرؤوا له ، فقرؤوا له قول الله سبحانه {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}(الذاريات/23) ، فقال الأعرابي متعجبا ومستغربا : أوَ جعلتموه يقسم؟؟!! وكان يريد (ص) بهذه الحكاية أن يوصل رسالة لهذا الرجل ؛ أن القسم عظيم ومحنة كبيره لهذا الرجل ، ولكن الرجل أصر إلا أن يقسم السيد(ع) ، فقال له السيد(ع) : اذكر لي صيغة القسم التي تريدها أنت حتى أقسم لك ، فقدموا القرآن للسيد(ع) واقسم للرجل على أنه وصي ورسول الإمام المهدي(ص) .

ولو كان هناك شيء من الإنصاف لهذا الولي الناصح من أولياء الله وحججه(ص) لجعل الناس كلمته الشريفة منهاج عمل للوصول إلى الله سبحانه فالكثير من الأخوة الأنصار الذين رافقوه كانوا ـ جزاهم الله خيرا ـ يسمعونا درر آل محمد(ص) التي تخرج من فمه الطاهر الشريف ، ومنها تلك الكلمة الحكيمة التي تبين دعوته المباركة (ص) بأبسط عبارة وأبلغ بيان حيث يقول : (من طلبني هلك، ومن طلب الإمام المهدي ضل، ومن طلب الله وصل ) فالغاية التي كان يريد للناس أن يطلبوها هي الله الواحد الأحد ، ولم يطلب (ص) طاعة الناس إليه والانصياع لأمره إلا بأمر الله سبحانه ، فهو (ص) يكشف للناس عن عظيم تكليفه، فحمله وتكليفه عظيم ، وليس الأمر كما اعتاد الناس أن يفهموه ـ مما عرفوه عن فقهاء الضلالة غير العاملين ـ أنه أمر سلطة وقيادة وطلب جاه ، بل الأمر أعظم من ذلك بكثير ؛ الأمر هو معرفة الله سبحانه وهذه الغاية التي هي أساس الخلق وبغيته لا يلتفت فيها المكلف بتعليم الناس إلى قضية السلطة والتحكم بأمورهم ، بل إن هذه الأمور تتحقق تلقائيا في هذا السبيل العظيم فهي من تفصيلاته وليس هي الأصل فيه ، وللناس فيما كان عليه الطاهرون من آل محمد(ص) آية واضحة أنهم ما كانوا طلاب سلطة كونها الغاية في الطلب ، بل كان طلبهم لها ليستبين الناس أنها من لوازم أداء تكليفهم بوصفهم هداة للناس ، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ص) أنه قال (لا رأي لمن لا يطاع).

فكانت غاية طاعة الناس لهم (ص) هو إيصال مراد الله سبحانه لهم ، وليس رغبة بهذه الدنيا التي هي أهون من عفطة عنز لديهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهذه السيرة العطرة هي هي لم تختلف ولم تتخلف مع الإمام أحمد الحسن(ص) ، بل هي تشكل كل خطوة من خطواته ، فهو (ص) معلم في صمته وفي نطقه ، وفي كل حركة وسكنة له ، كل همه أن يعرف الناس إلى أين يقودهم دليلهم المبعوث إليهم ، ولذلك ـ كما يذكر بعض الأخوة الأفاضل عنه (ص) ـ إنه كان لا يسأم من بيان المعلومة للأنصار بل يعيدها مرارا وتكرارا ، ويوزع هذا الأمر بينهم بالعدل والسوية وكل يوصل له الأمر بحسب ما يعي ويعرف ، وتلك الصفات والشمائل هي ذاتها صفات المعلم الإلهي الذي لا يشغله عن النظر لغايته والعمل لها تقلب المتغيرات من حوله ، بل هو يرى أن هذه المتغيرات إنما تتقلب بفعل دوران عجلة العمل الإلهي ، وهذا الأمر حق وصدق.

إن ما أحدثته هذه الدعوة المباركة في واقع حياة الناس أعظم من أن يوصف ، واستبان أثرها على من آمن بها ومن لم يؤمن ، وما هذه الآيات الإلهية النازلة إلا دليل لا يحتاج إلى بيان ، قال تعالى{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت/53) ، وهذه الآية الكريمة هي إجمال لحركة الإمام أحمد الحسن(ص) ودعوته المباركة التي بإمكانيات تكاد لا تذكر بميزان الحياة المادية وصل صوتها إلى أقاصي الأرض في الشرق والغرب ، وليس في ذلك مبالغة في القول أن الله سبحانه بمعرفة عموم الناس في هذه الأرض بهذه الدعوة الإلهية هو دليل إدانة للناس كافة ولا ينجيهم العذر والاعتذار ، حين يقيم الله سبحانه من تلك الأمم أناسا سمعوا قول الحق وأجابوا داعيه وصدقوه ونصروه ، فتخلف الآخرين عنه هو دليل اختيارهم للجهة الأخرى التي ارتضت لنفسها النهج القديم الجديد وهو محاربة كل دعوة إلهية غايتها التوحيد ، وتحقيق الغاية الإلهية من الخلق ، قال تعالى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات/56) .

وفي الختام أسجل أن هذه المعرفة هي بقدري لا بقدره (صلوات الله وسلامه عليه) ، وأقول لمن شاء أن يعرف الإمام أحمد الحسن(ص) فأقصر الطرق إلى معرفته هو سؤال الحق سبحانه ، كما ورد عنهم صلوات الله عليهم : (إعرف الحق تعرف أهله) ولذلك فالإمام أحمد الحسن(ص) هو اليوم ميزان الله على الأرض ، به يستبين للناس حالهم مع الله سبحانه ، قال تعالى{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف/8) ، وقال تعالى{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}(القارعة/1-11) ، ولعل في سورة القارعة خير بيان لمن ألقى السمع وهو شهيد .

وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي هدانا للإمام أحمد الحسن(ص) وهدانا به ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحانه ، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما .

الأستاذ زكي الأنصاري

من البصرة

16/رجب المرجب/1431هـ ق

الموافق 29/حزيران/2010م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين

اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما

الحمد لله على هدايته الحمد لله الذي عرفنا اوليائه وانقذنا بهم قبل ان نذل ونخزى

اللهم لك الحمد والمنة

(ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم37

كيفية دخولي للدعوة المباركة

في شهر صفر في عام 1424 هـ . ق وفي احد الليالي المباركة لشهر عودة السبايا جاء اخي الكبير وافتتح الحديث عن قضية الامام المهدي ع وكان بداية كلامه هذا ( اذا كان تكليفك عند مجيء الامام المهدي ع هو رفع صخرة كبيرة الحجم ووزنها ثقيل ووضعها في مكان اخر وانت لاتعلم بهذا التكليف وجاء الامام المهدي ع وقال لك الان لازم ترفع هذه الصخرة وبدون سابق انذار فهذا يكون ظلم ويكون جوابك انا لاعلم لي برفع هذه الصخرة الضخمة لماذا لم ترسل لنا احد يقول لنا يا مولاي .

وعندما يرسل لك الامام ع احد ويقول ل انت عليك رفع هذه الصخرة عند مجيء الامام المهدي ع فتكون انت حاضر لهذه القضية اي لرفع الصخرة تحضر لك سيارة كبيرة ( كرين ) لرفعها ولم يكن عليك الحمل ثقيل ولم يكن هناك ظلم عليك ..... واسترسل اخي في الكلام وقال فقضية الامام المهدي ع لابد لها من تمهيد لانها ثقيلة كما ان الصخرة ثقيلة فلا بد من وجود ممهد يمهد للامام المهدي ع وينذر الناس ويعلمهم ان عليهم تكاليف لابد لهم ان يعملوها قبل مجيء الامام المهدي ع .

ثم قال اخي ان الامام ارسل رسول وذاك هو في حي الزهراء اسمه احمد ع وهو يدعو الناس الى الامام المهدي ع فهو عندما كان يتكلم كان يلازمني خوف شديد وعندما قال ان الامام المهدي ارسل رسول ويطلب البيعة فقلت بداخلي انا معه فكانت هناك نقاشات من اولاد عمي لانهم كانوا حاضرين وهم ينكرون الدعوة الالهية وبايعنا الامام احمد الحسن ع في نفس الوقت فقال اخي لاتقوموا حتى تبايعوا فبايعنا وكان اول اسبوع لي في دخولي الى التكليف ومنها بدات ارى الامام احمد صلوات الله عليه في الرؤيا والحمد لله رب العالمين

في احد الايام من بعد دخولنا الى الدعوة المباركة وكان يوم جمعة ذهبنا انا واخوتي وقد اتفقنا انا نبحث عن السيد ع لاننا كنا نعتقد بوجوده بيننا فاتفقنا ان نبحث عنه وعند دخولنا الى الحسينية ( حسينية انصار الامام المهدي مكن ) في البصرة كانت صلاة الجمعة غير قائمة وكانوا الانصار مشغولين في اعداد الجمعة ذهبنا نسلم على الانصار فرايت شخصان واقفان قرب السياج وكان لبسهم عربي اي لباس العرب فقلبي والله العلي العظيم قامت ضرباته تسرع عندما رايت الطلعة البهية لصاحب الامر ع وكنت خائف كثيرا فذهبت اسلم عليه انا واخوتي لاننا كنا ثلاثتنا على نفس الحالة من الاضطراب وكان يداخلني شعور جميل وفرحة عظيمة عندما رايته رغم فسلمت عليه وسلم علي وعرفته انه هذا هو الامام احمد الحسن ع ثم صارت صلاة الجمعة فقام صلوات الله عليه واقامها فزاد يقيني لان الجمعة كانت تقام باحد المشايخ الاجلاء لكن حتى هذا الشيخ تنحى جانبا عندما حضر صاحب الامر ع وخطب خطبته الشريفة وكان يتكلم فيها عن وجود الامريكان قرب الضريح الشريف لامير المؤمنين علي ع وكان غضبان ومتاذي على هذه الحالة وكان يحمل السيستاني مسؤولية وجودهم حيث قال ص مامعناه ( السيستاني لو بفتوى يامرهم ان يخرجوا من ارض النجف لكان خرجوا ) وكان منزعج جدا لوجودهم لعنة الله عليهم وصلى بنا الجمعة صلوات الله عليه وتيقنت كاملا ان هذا هو الامام ع وكنا لانرى الامام احمد الحسن ع لان كانت عندنا امتحانات وهو مايقبل ان نذهب للحسينية ونحن ما مخلصين دراستنا فكنا قد حرمنا من رؤيته فترة وجوده بالحسينية بسبب المدرسة وانا كنت في الصف الثالث المتوسط والحمد لله وحده .

وفي احد الايام بعد مضي فترة طويلة في الدعوة المباركة كنا قد خرجنا الى زيارة الامير علي بن ابي طالب ع وكانت سفرتنا عائلية وقد قرب يوم الغدير فدخلنا الى النجف وكانت هناك سيطرة ( نقطة تفتيش عسكرية ) موجودة في بوابة النجف الاشرف فوقفونا للتفتيش فنزلنا لكي نتفتش فرايت اخي قد ركض فركضت وراءه واذا بسيارة فيها انصار زكنت اعرفهم فسلمت عليهم وعندما سلمت عليهم اجمعهم بقي السائق جالس في السيارة ولم ينزل فسلمت على الاخير ونظرت الى داخل السيارة واذا هو الامام احمد الحسن ع فعندما رايته لم استطع ان اتمالك نفسي وكانت تاخذني فرحة بداخلي ولكن لم استطع ان اتقدم خطوة واحدة الى الامام لكي اسلم على الامام ع ولكن كنت اسلم عليه في داخلي وذهب اخي يسلم عليه فنزل السيد ع وسلم على اخي والحمد لله وحده

حيدر العثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وال محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما

قال تعالى {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }آل عمران34

وقال تعالى {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }الكهف109

اللهم صل على محمد وال محمد في الاولين وصل على محمد وال محمد في الاخرين وصل على محمد وال محمد الائمة والمهديين الطيبين الطاهرين والعن أعدائهم من الاولين والاخرين الى قيام يوم الدين

ال محمد نور الله في الارض وكتابه الناطق الصادق يقولون ويفعلون بالمعروف , ان ذكر الخير كانوا أوله وان ذكر المعروف كانوا معدنه وأصله نور على نور من طينة واحدة خلقهم الله وكانوا بعرشه محدقين قبل أن يخلق الخلق هم شجرة النبوة ومعدن الرساله أصلها ثابت وفرعها في السماء شجرة طيبه صلوات الله عليهم أجمعين ومن هذه الشجرة فرعها وبرعمها الطبين ساقي العطاشى من نهر السلسبيل بالعلم الخالص الثقيل احمد الحسن وصي ورسول الامام المهدي عليهما السلام .

الحقيقه لا أعرف من أين ابدء سادتي الكرام أنصار الله وأيها الناس الكرام من المنصفين والمخالفين عن أخلاق سيدي يماني ال محمد احمد الحسن ع كان كالطبيب الدوار بأدويته بيننا

وكالأب يراعي أطفاله واولاده رؤوف رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين بدء يعلمنا التواضع من نفسه ففي بداية الدعوه المباركه عندما بدانا بناية ثاني حسينية لنا في العراق حسينية ومدرسة أنصار الامام المهدي في الناصريه وكانت من طين كان سيدي المهدي الاول أحمد الحسن ع يعمل معنا في بناء هذه الحسينية بيديه الشريفتين وهو يحمل الطين بيد وبالاخرى كان يحمل القلم يجيب على أسئلة السائلين ويزودهم بالعلم الثقيل العظيم ومن أخلاقه كان يجلس على المائدة معنا ويشاركنا طعامنا البسيط وكان يجلس على المائدة جلسة العبد وما دخل الحسينيه الا وجلس باتجاه القبلة ولم يستدبر القبلة يوم وبدخوله الحسينية يبدء بالسلام على كل الجالسين حتى الصغير وأين ماينتهي به السلام يجلس فلا يختار صدارة المجلس بل أين ماينتهي به المجلس يجلس حتى لو كان بقرب باب الحسينيه وكان اذا سكتنا بدأنا بالكلام واذا سألناه أجابنا واذا تكلم احدنا لايقاطعه ابدا ً حتى أنه يستمع الى كل متكلم حتى لو كان طفل صغير فاذا كان المتكلم سائل يجيبه واذا كان السائل عنده مداخله يزيده بزيادة الحق وكان يصلي بنا جماعه بصلاة أضعفنا فلا يثقل في أمامة الصلاة اذا كان فينا مريض او ضعيف واذا صلى وحده كان مابين قائم وراكع وساجد حتى يطول به المقام وخاصة في صلاة الليل وكان يلبس البسيط ويقبل بالقليل وهذه دلاله على كرمه ماسأله سائل فرده ابدا ً فيعطي ويجود بما عنده كله وهو عادل مع كل الخلق المؤمن منهم والفاجر حتى أنه في يوم من الايام قال لي الانصاري ((علاء الحداد)) : " ان سيارتي تعطلت وكان معنا الامام احمد الحسن ع فأتينا بشاب ميكانيكي لتصليحها وكان الجو حار جدا ً فدخل هذا الشاب تحت السيارة وأصلحها وبعد الانتهاء أعطيته حقه وكان المبلغ قليل فلم يقبل الامام ع على العطيه فقال لي الامام ع هل تقبل أن تدخل تحت هذه السيارة في هذا الجو الحار بهذه المبلغ .

وبداخلي أني لا أقبل ان ادخل تحت هذه السياره في هذا الجو الحار فزدنا له العطية " وكان الامام احمد الحسن ع في كثير من الاحيان جالس بيننا والناس لاتعرفه من شدة تواضعه وبساطته كأنه اخ كبير بيننا وكانت بعض الناس تأتي للسؤال على هذه الدعوه ويشرع الامام احمد ع بتبليغهم بنفسه وهم لايعلمون بذلك وكان يعرفهم الحق برأفة ورحمة وكأنه يعامل ولده وابنه حتى أنه في يوم من الايام كان احد الزائرين يسأل عن الدعوه والامام احمد ع يجيبه وهو لا يعرف أن هذا هو الامام ع وبدء هذا الرجل بالالحاح بالسؤال ولايريد أن يفهم وكنت جالس في هذا المجلس فغضبت لما يفعله هذا السائل ففكرت في نفسي أن أكلم هذا الرجل بغلظة وشدة ولم اخرج هذا الامر على لساني بل فكرت في نفسي فقط , فالتفت لي الامام احمد ع وكأنه عرف مافي نفسي فمنعني بشدة وقال لي ((ماجد)) ماذا تريد أن تقول فاستحيت من الامام ع وسكتت عن هذا الامر وكان الامام احمد الحسن ع يدرس الانصار القران وكان يبدء الدرس بعد صلاة العشاء وفي بعض الاحيان كان يستمر الدرس الى صلاة الفجر وكان يعطي الدروس في مسجد السهله وفي يوم من الايام كان يدرس الأمام احمد ع في مسجد السهله وكان احد الانصار لم يفهم مسالة فقال الامام احمد ع هل ترون هذه المصابيح في المسجد وكانت عددها بالعشرات وكان فيها بعض المصابيح منطفىء فقال السيد احمد ع لماذا تلتفت فقط الى المصباح المنطفىء بل انظر الى المصابيح التي تعمل ونورها كثير فهذه الدعوة الربانيه بها قتل وتشريد وسجن وفقدان اموال ولكن امامكم الحياة الابديه في جنات النعيم في هذه الدعوة الربانيه

وبعد بناء الحسينيات في محافظات العراق بدء الامام احمد ع بتعليمنا القران والتوحيد حتى أنه بقى يعلمنا في يوم من الايام من بعد صلاة العشاء الى صلاة الفجر وعندما أذن الاذان قام الامام احمد ع فصلى بنا الفجر ثم ودعنا وسالنا الدعاء كتوديع الاب لأبنائه ونحن كالابناء ينظرون الى أبيهم وهو يذهب عنهم وقلوبهم يعتصرها الالم .

كما اخبرني احد الاخوه الانصار قال كنت ضيف عند الامام احمد ع وبعد تناولنا الطعام قمت لكي اغسل يداي واذا الامام احمد ع قام واقفا ً وهو يصب على يدي وانا خجل من نفسي كم نحن نرى انفسنا فنحن لانصب الماء على ايدي الناس اما هذا وصي من اوصياء ال محمد وهو يصب على يدي .

كما أن الامام احمد ع كان يعرف أنصاره باسمائهم قبل ان يراهم حتى أنه يعرف اشياء كثيره عن حياتهم وطفولتهم وقد حصل الكثير من المعاجز بيننا على يديه ع عندما كنا نسير معه في الطريق او يجلس معنا كما أخبرنا الكثير من الاخبارات الغيبه وحصلت في ارض الواقع ففي يوم من الايام سالته ع عن تفسير سورة يوسف ع فقال لي الامام ع ان تفسير سورة يوسف طويل ولكن سوف اقول لك هذه الكلمه تفيدك اعلم ان الامام المهدي ع سوف يطبق سورة يوسف عمليا ً .

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين

اسمي حسين علي عباس المنصوري

من ابناء مدينة البصرة – العراق

تاريخ هذه الاحداث هو بين شوال 1424 هـ.ق - ما قبل محرم الحرام 1429هـ.ق

هكذا عرفت الامام احمد الحسن ع

عدت الى مدينتي وذهبت الى بيت السيد ابو زهراء الذي استقبلني واجلسني في غرفة الضيوف وكنت انتظر وفجأة فتح باب غرفة الضيوف ليدخل علي شخص...له نظرة لا تشبه نظرات الناس وعيون ليست كالعيون ...شاب طويل بجسم لا يمكن ان يتبادر الى ذهنك شيء عندما تراه الا ما يصف به ارباب المقاتل العباس ع ...كان يحكي العباس ع حتى في نظرة عينيه ....فمجرد ان تراها...تشعر بالانبهار...فعينيه تحكي ثباته وعزيمته وتصميمه لا يمكن ان تهزها كل جيوش العالم... عيون لا يتسرب لها شك ولا تردد...ثابتة  النظرة وتعرف ما تريد وعميقة الى درجة انك تظن ان الله ينظر منهما

سلم علينا وصافحنا ثم جلس من هنا بدأت الرحلة مع الامام احمد الحسن ع وهي رحلة سهلة بالنسبة لنا شاقة جدا بالنسبة اليه

فهو الطاهر المطهر المرسل ليعلم الناس التوحيد ونحن الناظرون الى انفسنا المحملون بارث الماضي ...ماضي السيئات والانحراف ...ماضي الاعتقاد الخاطيء ...بل ماضي التربية السيئة...ماضي قصورنا وتقصيرنا

وهو المرسل لتطير الارض بالحكمة والسيف....ونحن اهل الارض ما بين من انطوت نفسه على الجبن وبين  من يمكن ان يحمل السيف لكن بلا حكمة

هو ونحن .....بينما يريد هو ان نكون نحن كلنا كما يريد الله

جلس معنا ع في تلك الغرفة التي لا تجد فيها اجهزة تبريد او تدفئة حديثة ...جلس معنا على السجادة المفروشة

وبدئت اسئله وهو يجيب ع باسترسال العالم الذي لا تجد في كلامه الشك بل الجواب البسيط الواضح

اخرجت سجارتي بوقاحة لادخن فقام بتواضعه ليضع مطفئة السجائر امامي

كم هو البعد سحيق بينك وبين من يدعون المرجعية ؟

انت تجيب بلا تردد وببساطة

وهم يجب ان نتخطى الحرس والبوابين لنراهم ونقدم لهم فروض الطاعة قبل ان نسئلهم ثم في اخر الامر يقول لك اذهب الى الشيخ المكلف باجابة الاسئلة او او او ؟؟؟

يقدمون ايديهم للتقبيل كما تفعل الملوك ... بينما انت تقدم يدك للمصافحة مع انها احق يد بالتقبيل

هم يسكنون البيوت الفارهة المجهزة باحدث وسائل الراحة...بينما انت تقابل الناس وتعلمهم والعرق يتصبب منك

هم تذهب لهم الناس محملة بفروض الطاعة والتسليم فاذا اعترض عليهم معترض طردوه وسفهوا قوله صائبا كان ام مخطئا ....بينما انت تأتيك الناس بين مشككة ومجادلة وبين مؤمن لكنه يحمل افكاره واراءه ويريدك ان تمضيها له وتقرها له فتربيه وتعلمه بلا ان تجرحه ولا ان تقر له بشيء من الباطل الذي يحمله

هم يدعون الى انفسهم ...وانت تدعوا الى المهدي ع

اذن فالفرق بينك وبينهم هو الفرق بين الارض والسماء....الفرق بين الدنيا والاخرة ...الفرق بيت ضرتان لا تجتمعان

بعد ان جلست معه عليه السلام وسئلته واجابني وحدثني وحدثته اراد ان يخرج ع من بيت ابو زهراء فوقف وهو يرتدي عبائته فسئلته ايضا سؤال اخر فاجابني مباشرة فلم يكن مني الا ان رميت بنفسي عليه لاعانقه

فعانقني .... لم يدفعني او يعنفني

اخيرا حضينا بقائد يمس قلبنا قلبه فيحس بالامنا وامالنا

بعدها صافحنا وخرج مودعا ع

وفي الايام التي تلت توالت القاءات معه ع في بيت ابو زهراء

في الايام القليلة التي بعدها جاء معي صديقي مصطفى ابو احمد ليلتقي بالامام احمد الحسن ع وجلس معه وسئله ايضا عن الدعوة بينما كان الامام ع يرشده الى ان يسئل الله عن هذه الدعوة فلما الح مصطفى بالسؤال عن الادلة قال له الامام ع لو كانت بجانبي حصاة وهي الدليل فلن اعطيها لك مما اثار مصطفى قليلا فقال بشيء من العصبية لماذا لا تعطيني دليل على انك مرسل من الامام ع فاجابه الامام ع بشيء من الغضب قائلا اقول لكم ارجعوا الى الله فتريدون

ان تبقوا كما انتم تتبعون العبيد ....الم تكتفوا من عبادة العبيد....ارجع الى الله واسئله فان قال لك الله ان هذه الدعوة باطلة تعال فاقبلك بين عينيك

وعجبا رأيت بعدها

مباشرة خضع مصطفى واخذته هيبة الامام ع وتغير لونه من كلمات الامام ع فقال مباشرة على هذه كلمتك انا معك من الان

بعدها بايع جمع من الاشخاص....الشهيد شيخ جلال ..الشهيد مجتبى ...علاء ...محمد ...ايمن ...شيخ جهاد...ابو جعفر وبايع ايضا ابو مريم وجماعته وهم خمسة تقريبا كانوا ايضا مبشرين عن طريق الغيب بالامام ع

وكنا ناتي جميعا  تقريبا للقاء الامام ع في تلك الغرفة الصغيرة وربما نبات فيها لاننا لا نقدر ان نقوم ونذهب الى بيوتنا لحلاوة ما نسمع ونرى منه ع وايضا ياتي الانصار من محافظات اخرى  وفي احدى المرات بات عدد كبير فلم يكفي عدد البطانيات فتأكد ع ان الجميع قد اخذ غطاء وبقينا انا وهو ع وبطانية واحدة فغطاني بها ومع اني اصريت ان ياخذها هو ع لكنه تكلم باصرار ان اخذها فلم اجد بد من الخضوع له وكان الجو شتاء وانصاره حوله كلهم عليهم الاغطية بينما هو ع القى عليه عبائته ونام وكانه لا يوجد برد؟!

اما تعامله معنا فلن تصفه الكلمات فهو والله كما قال الشاعر

يغضي حياءا ويغضى من مهابته فلا يكلم الا حين يبتسم

وكما قال ضرار في وصف علي ع

عن أبي صالح مولى أم هانئ قال دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي عليا فقال أو تعفيني من ذلك قال لا أعفوك قال أما إذ لا بد فإنه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته كان و الله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه و يخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر و من الطعام ما جشب كان و الله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و كان مع دنوه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف عن عدله أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و كأني أسمعه و هو يقول يا دنيا يا دنيا أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبنتك ثلاثا عمرك قصير و خيرك حقير و خطرك غير كبير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق..........

بحارالأنوار ج : 33 ص : 275

حقيقة هي معجزة كبرى انه ع استطاع ان يربينا مجتمعين في تلك الغرفة على اختلاف ارائنا وتشتت تطلعاتنا فلم تكن تلك المهمة سهلة ابدا خصوصا مع عدم التفاتنا في ذلك الوقت لحمله ع هذا العبء الثقيل  لانه لم يتذمر ولا مرة ولم يشعرنا حتى بالانزعاج من تصرفاتنا .... مشاكلنا و الكثير الذي يمكن ان يتفكر الانسان فيه لو ضربنا المثال برب اسرة له خمسة اطفال كم سيكون عليه من العبء لتربيتهم مع ان فرصته اكبر وهم يسكنون معه وله عليهم سلطان الابوة الذي يجعل الابناء يطيعوه بديهة ... والمهمة هنا اصعب ...فنحن لسنا خمسة اطفال....بل مجموعة كبيرة في البصرة فقط فضلا عن باقي المحافظات ...ولم نكن نسكن معه ....وعلى الرغم من تكرر لقائاتنا به ع فكانت متفرقة تفصلها ايام وربما اسابيع...ونحن لم نكن اطفالا......لم نكن صفحة بيضاء ليكتب عليها ما يريد بلا عناء...بل كنا صفحات قد كتب فيها غيره وكان هو ع شديد الحرص ان يمسح منها مالابد من مسحه من دون ان تتلف الورقة وفعل ذلك بمعجزة فعلا ...فعله  بدون ان يقول او يأمر كما تفعل القادة مع شعوبها او جنودها....لم يسن القوانين في مسلة...ولم يكن له قوة تنفيذية كما للدول شرطة ...وانما كان لديه تلك الهيبة ...هيبة الحق التي كانت تفرض قوتها وهيمنتها على الجميع بلا كلام ... وكانت لديه الحكمة التي تجعل الجميع لا يخطر في بالهم ان يخالفوه...وكانت لديه تلك الثقة التي تجعل الجميع يخضعون لسلطانه بلا سيف مسلط على الرقاب...ضرب المثال الاروع للانسان الكامل....كان والدا افتقدناه في ابائنا واماما افتقدناه في زماننا فلم نجد بدا من ان نطيعه ليس خوفا منه بل حبا فيه ورغبة في ان يربينا لنصل ولو الى بعض كماله

وليتها كانت تربية في مضومنها مبسطة وبسيطة...بل كانت معقدة...نعم ...هو ع كان بسيطا في طرحها اما هي فلم تكن كذلك ابدا ...اتذكر كيف سئله ابو جعفر مرة عن قول فرعون انا ربكم الاعلى ...فقال الامام ع مباشرة ..ربكم الاعلى محمد .. ثم شرع يجيب عن سؤال ابو جعفر...لقد مرر معلومة مناسبة للمقام...معلومة ثقيلة جدا على الكثيرين...لكنه لم يقل ربما سيرتدون اذا قلتها...هذا هو احمد الحسن ع الذي عرفناه ... كما قال هو ع...لانفرح بمن ياتي ولا نحزن على من يذهب ..... مع ان ابو جعفر لم يكن مر على دخوله في الدعوة الا اسبوع او شهر بالكثير وبعد فترة وجيزة صاعقة اخرى...صاعقة على اعداءه والا فانصاره لا يرتابون فاذكر اني والعياذ بالله من الانا في جوابه عن ربكم الاعلى و وما ساتلوه لكم ابتسمت في كليهما ودخلني سرور عظيم ...كنت وقتها في حسينية النجف فاخرج الامام ع رسم في ورقة هو لختمه الى الانصار وقال لهم اصنعوا ختما بهذا الشكل ...نظرنا الى الختم واذا به النجمة السداسية ..فعلا ابتسمت وقتها...ودخلني سرور عظيم...لم يكن مصلحا فقط ...بل هو ايضا مصمم ان يهدم كل هيكل الباطل بلا اي خوف...يظهر الحق المر الثقيل وسط اعدائه ويرفع نجمة داوود ع في وسط البلد الذي يمكن ان تقتل فقط وفقط لانك تقول انها نجمة داوود....ياه ...اي رجل هذا ؟؟؟

فهو يعرف ان دفاعه عن الحق كله يعني ان الظلم كله ...اي العالم كله...سيقف ضده...ورغم ذلك هو يدافع عنه ببساطة وكانه يقول لهم انتم كلكم تظنون انكم ضدي لكنكم مخطئين ...فانتم ضد الله ومن كان الله معه لا يهتم ...او كما قال هو ع ذات يوم...انا حجر فاذا وقع علي احد يتالم وان وقعت على احد يتألم ...فمن يقدر ان يعاديه دون ان يتالم؟؟

وهو فعلا كذلك ع حتى في صفاته الجسدية فمجرد ان يقع بصرك عليه تتذكر لامة الحرب...كانها ما خلقت لسواه والله وهو كما قال بنفسه ع ذات يوم عندما كان يكتب احد كتبه...رمى القلم على الورقة وقال انا رجل حرب ولست رجل قلم ولكن ينبغي لمثلي ان يحتج عليهم ...فما اشدها خسارة المتشيعة لا هم التفوا حوله وصدقوه ليظفروا بالثار الذي انتظروه ولا هم قرئوا كتبه ليتعضوا بما بها من عبر وهو الذي ما كتب كلمة في ورقة ثم مسحها...نعم هي الحقيقة..كان لما يكتب عليه السلام....يضع القلم على الورقة ثم يكتب ويكتب باسترسال فاذا انهى الكتاب رفع راسه ليقول خذوه اطبعوه...فاذا اخذه الانصار وقلبوا الورقات لم يجدوا حرفا خطه ثم اخطأ فيه ليمسحه ... وكيف لا وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى

ومن الصفات البارزة في تربيته لانصاره ع انه كان يربيهم في العقيدة خلافا لكل الدعوات التي حولنا والتي تهتم بالقشور من الاحكام الشرعية مثلا بصورة كلاسيكية فحتى لو وعلى فرض ان اتباع تلك الدعوات طبقوا توجيهات قائدهم فهم في الحقيقة سوف يبقون قشر اسلام اما دواخلهم فمظلمة بعيدة عن الاسلام ...بينما هو ع كان يهتم بالعقيدة وطرحها من القران والروايات وملء داخل الانسان بالعقيدة الحقة التي من اضاءت في داخله فلا بد ان تشع على ظاهره بالحياة الحقيقية حياة محمد وال محمد ص ...فتراه يفسر الصلاة بالعمل بين يدي القائم والتسبيح كذلك ووو...انه يترجم كل شيء الى عمل...ولكن ليس اي عمل بل عمل عن معرفة وعمل نابع عن اعتقاد وليس مجرد حركات لا يعرف مؤديها السبب الذي يؤديها لاجله او ربما كان غاية اداءه لها انه يريد ان يدخل الجنة

اذن هو عبء ثقيل فما بين تربية انصاره وتوجيههم للعمل بقوة وبين هجوم اعداءه بقي احمد الحسن ع سجينا...نعم حقيقة هو سجين لانه لم يكن كمقتدى الصدر ورثا جيشا من المقلدين عن ابيه ولا كالسيستاني ورث جيشا عن سابقه الخوئي ولا كالخامنائي ورث جيشا ودولة عن خلفه السيد الخميني ...فكل هؤلاء ورثوا جيوشا واموالا ...اما هو ع فبدأ فردا في مواجهة الجميع واليوم صار هذا الفرد امة بعد جهد جهيد ومشقة وغدا سيكون العالم كله بجهده وتضحيته ع

فما بين حذره ع من اعداءه الذين ما اكثرهم وما اشد محاولتهم تصفيته ع جسدا وشخصية وبين تربيته لانصاره وتوجييهم في نفس الوقت الى ما يفعلوه لينشروا الدعوة كان كفتي ميزان عدله ثابتة بحكمة فهو يتحرك بين المحافظات ليتابع كل انصاره ويحضر بينهم ليحل مشاكلهم فردا فردا وجماعة جماعة وفي نفس الوقت بدون ان يعطي الفرصة لاعداءه ان يكون هدفا سهلا لهم...لم يكن لديه مواكب حماية ولا حراس بسيارات البيكب تتبعه بل كان يخرج دائما بسيارة واحدة قديمة الطراز خالية الا من الانصار وسيفه الذي كان يحمله معه غالبا في بداية الدعوة ...نعم سيف من حديد واحيانا عصى موسى ع التي ضرب بها البحر فانفلقت كل فرق كالطود العظيم ...قد يستغرب البعض من هذا لكن فعلا كانت بيده عصا موسى ع وهي الاخرى بمجرد ان تراها تحس بقدمها وهيبتها وكان يحمل دائما ايضا قران ومسبحه ...هذا ما بدأ به احمد الحسن ع في ظاهره اما في داخله فكان يحمل القران وال محمد ع او كما قال ذات يوم ع ان الامام ع قال له مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ ...مقولة عرف الامام ع معناها بعد ذلك ...كان نائما ع والقران في جيب ثوبه الجانبي وفي اثناء نومه التف ثوبه حتى صار القران على قلبه فلما استيقظ عرف معنى كلمة الامام ع ...فالمتاع هو القران .

هذه واحدة من الدقائق التي كان الامام ع يركز عليها في تعليمه لنا وهي ان نسمع الله في كل شيء فكان يعلمنا التوسم فاذا تحرك غصن او حدث امر ...قال هذا  يعني كذا وكذا سيحصل وفعلا يكون كما قال ع وبالتوسم سارت سفينة الانصار اضافة الى اشياء اخرى من بينها الرؤيا التي كان كل  ما لقانا او كنا نياما واستيقظنا سئلنا ع هل من مبشرات فنقص عليه ثم يقص علينا هو رؤاه او رؤى انصار من محافظات اخرى

وعندما كنت اسمع كلامه ع اغتبط كثيرا واقول في نفسي ما اسعد حظي فالناس لا تسمع هذا الكلام ... ثم شاء لي القدر ان اسافر ذات يوم معه ع وننزل عند اكثر من مجموعة من الانصار ونجلس وفي كل مرة كان ع يعيد على الانصار نفس الكلام ...نعم نفس الكلام بلا تغير كانه يحفظه عن ظهر قلب حكاه لنا في البصرة ثم ذهبنا للناصرية فحكاه بحذافيره وهكذا في باقي الاماكن ...الرؤى نفسها ...اللفتات نفسها والكلام نفسه...هذه هي عدالة احمد الحسن ع التي ايقنتها اكثر لما بدأت تطبع كتبه فكلما كنت اتصفح صفحة من كتاب اقول ...ياه هذا الكلام الذي اخبرنا به وقلت لما سمعته منه مشافهة ما اسعد حظي واسوء حظ الناس انها لم تسمعه.....اذن هو حتى في علمه عادل....اعطى انصاره ومن يدعوهم للحق وحتى من يعادوه ... بل حتى مع من ارتدوا عن دعوته...فاذكر ذات يوم كيف سئله احد الانصار عن الشيخ اسعد البصري وهو احد المرتدين عن الدعوة وكان مدير مكتب مقتدى الصدر وقتها .... فلم اسمعه يذمه بكلمة واحدة مع انه مرتد ؟؟؟

هذا هو الامام احمد الحسن ع الذي سل عليه الشيعة سيفا له في ايمانهم وكانوا البا لاعدائهم على اوليائهم فتعسا لمن كان شفيعه خصمه يوم القيامة

لا يمكن ان تصف الكلمات المشقة التي تحملها الامام احمد الحسن ع ولا التي لا زال يتحملها وكيف يمكن ان اصف الجهد الذي بذله رجل واحد بدأ دعوته من حسينية من طين بناها مع انصاره بتبرعاتهم البسيطة حتى ان احدى المؤمنات اعطت زوجها ذهبها القليل ليبيعه ثم يستعينوا به على بناء تلك الحسينية التي من طين...تعلوها قبة خضراء خفيفة فعقروها اهل النجف لما شع منها من نور فضح ظلام ظلمهم المغطي على الدنيا؟

نعم عقروها فناقة صالح في اخر الزمان عليها قبة خفيفة وثمود هم رهط من الشيعة كما اخبر ال محمد ع

هكذا كان احمد الحسن ع ما حدث حدث او يحدث الا وقال تجدوه في هذه الرواية او تلك الاية القرانية

اخر كلم زوجته كي تبيع حلقة خطوبتها فخلعتها وباعها ليطبع بها بيانات الامام ع وينشرها بين الناس واخرون كانوا يبقون في حسينية النجف فاذا اصبح الصباح ليس معهم من الطعام ما يفطروا به ولا من النقود ما يشترون به الطعام

هكذا بدئت هذه الدعوة الحقة بالمشقة والالم التي لم نحس بها لان احمد الحسن ع كان يجوع قبلنا ويضرب لنا المثل الاعلى

اتذكر للان سفرتي الاولى او الثانية معه ع يوم خرجنا دون افطار من النجف الى البصرة ومعنا بعض الانصار ثم في منتصف الطريق (اشترينا لفات فلافل) كان وقتها اول يوم احس بالجوع فعلا حتى اني كدت ابكي من الجوع لولا ان الحياء منعني

علمنا ان هذا اهون ما يكون في سبيل الله فصار ما يراه الناس تعاسة سعادتنا التي لا نعرف ان نعيش بدونها...نعم فاحمد الحسن ع علمنا ان العيش في الوجع في سبيل الله هو جنة الخلد لان الله ينظر لك بعين الرضا بل علمنا ان نعمل لان الله يريد لا لاننا نريد الجنة او نخاف النار بل لاننا عبيد والعبد يطيع امر مولاه فقط ولا ارادة له مع مولاه.

وكان هو ع بنفسه يضرب المثل الاروع لهذا ...رايته ذات يوم يلبس ثوبا فيه قصر عن حافة الارض خمسة اصابع كف تقريبا  فتسائلت هل ان رسول الله كان هكذا ثوبه والامام ع لبس هكذا استنانا بسنة جده ؟

نعم هكذا كنا نراقب كل ما يقوم به ع وكثيرا ما يمنعنا الحياء ان نسئله ...بقيت اتساءل في نفسي الى ان انتبهت انه ع كان قد ابدل ثيابه بعد سفره ولم يكن معه ثياب فلبس ثوبا من صاحب الدار الذي هو اخيه ...فهل هو ع ليس لديه سوى ثوب واحد ... لا ادري حقيقة ولا استغرب ان كان كذلك

بل لا استغرب ان كان يحمل معه ثياب عندم كان مسافرا لكن الانصار طلبوها منه فاعطاهم اياها ...فهو ع يعطي انصاره كل شيء ..حتى الثوب الذي عليه...اكثر من مرة ياتونه الانصار ويقولون له نريد ثوبك الذي تلبسه هذا فيختلي بنفسه قليلا ثم يعود مرتديا ثوبا اخر ويقدم الذي كان يلبسه لسائله

نعم هذا هو احمد الحسن ع الذي عندما كنت اجلس معه احس بشعور غريب كنت احس بحقارتي واحس بالخجل واتمنى ان لا ابقى موجودا ... يقول هو ع ان علي ع عندما يتحدث عن ظلمه في ادعيته كان يقصد بها وجوده ...فعلي ع يعتبر وجوده ذنب ...وهذا الذنب هو الذي غفر لمحمد ص عندما فتح له مثل سم الابرة فهو يخفق مع الحجاب الذي بينه وبين الله ...حقيقة ان كثيرين ربما لا يفهمون هذا الكلام...وهو كيف ان علي ع يعد وجوده ذنبا....لكن من يجلس مع احمد الحسن ع يعرف كيف ان وجود العبد مع وجود سيده ذنب عظيم...شيء يحسه في قرارة نفسه يصرخ به ويقول الاتراه كيف هو انه كامل وانت ناقص انه عظيم وانت حقير انه عالم وانت جاهل انه وانه وانت وانت ...عندها تقر وتعترف ان وجودك مع وجود احمد ع هو ذنب عظيم .

وما يزيد هذا تعامله معك..فلو وحاشاه كان يصرخ في وجهك ويقول لك يا حقير ربما زال بعض الم وجودك ... لكنه يبتسم في وجهي ويحبك و يحترمك ويقدرك وتحس معه بانسانيتك كما لم تحس به في كل حياتك ...نعم انا الحقير التافه...من اكون لتبتسم في وجهي ...انا العاصي الجاني مكاني في جهنم...لكن الله يمن علي بفضله وبلا استحقاق فاجلس مع ولي الله...اذن لابد لي ان اتمنى ان لايبقى لي وجود ومن لا يتمنى ان يحترق بنار الحقيقة وهو يراها امامه؟

كان يجلس معنا ع فاذا دخل داخل علينا لم يره من قبل لا يعرفه لشدة تواضعه ولانه لا يميز نفسه عن انصاره بملبس ولا بمأكل ولا بمشرب ولا ولا .......كان هو هم وهم هو....وهوهو وهم..هم..........اتذكر اول مرة رايته مع مجموعة من الانصار...كان الوقت صباح فذهبت الى بيت السيد ابو زهراء فادخلي الى غرفة الضيوف فوجدت الامام ع ومعه شيخ حبيب وشيخ ناظم جالسين للافطار حول صينية(مائدة) صغيرة بسيطة يفطرون سوية وثلاثتهم يلبسون السواد ..سلمت عليهم وجلست مباشرة كي لا يقوموا من الطعام فصارت جلستي خلف ظهر الامام ع فاذا به مباشرة يتحرك في جلسته احتراما لجليسه كي لا يكون ظهره لي وصار يتحدث معي ويطلب مني ان اشاركهم الفطور.....وقتها قلت له الناس تريد منك دليل لكن جلستك البسيطة مع انصارك هي دليل...وهي فعلا دليل كم شخص يمكن ان يبصره اذا نظر له؟

هكذا كان ع لا يحب ان نقدسه بشكليات موهومة بل تراه يطرح علومه على انصاره وهم لا يتكلفون فمن يتعب يمكنه ان يتكأ على وسادة ويسمع او حتى يستلقي ويسمع وخصوصا انه ع كان يطرح علمه من حين استيقاظنا صباحا وحتى يمضي من اليل شطر طويل بحيث لا يبقى له ربما سوى ساعتين او اقل لينام فيها ومع هذا فالعجيب انه كان يجلس مستقيم الظهر كل تلك الفترة...فعلا شيء محير كيف يمكن ان يجلس شخص كل تلك الفترة بذلك الظهر المستقيم؟ والحقيقة انه ليس سؤال المقصد منه جواب بل سؤال للتنبيه والا فالامام احمد الحسن ع تذكرك الله رؤيته....نعم ... نعم ....ترى الله في كفه وهو يشير بها ...في تعابير وجه وهو يتكلم ...في عدله بنقل نظره على انصاره بالتساوي ...في صمته وهمسه ورضاه وغضبه...في كل ذلك يحكي الله جل جلاله

وحتى في وقت الطعام...كنا اذا اجتمعنا حول الطعام لا نحس به انه لا يأكل الا بعد التدقيق وذلك انه ع يأكل لقمة ويتكلم كذا جملة وتجدنا نحن منشغلين بين الاكل و الاصغاء الى علمه ...فننهي طعامنا وترفع المائدة ونظن انه اكل مثلنا ..بينما الحقيقة انه لم يأكل الا قليلا...واذكر كيف مرة وضع لنا الباذنجان فقال ع ان الباذنجان هو اول شجرة اقرت بتوحيد الله ع وانه داء لمن ظنه داء ودواء لمن ظنه دواء واخذ يتكلم عما ورد فيه من روايات اخرى وكأن لسان حاله يقول انظروا هذه الثمرة التي كانت ارخص شيء سعرا في العراق ايام الحصار...كم اشبعت بطون العراقيين وكم انقذتهم من الجوع لكنهم قابلوها بماذا...كان اهل العراق يصنعون حتى النكات حول الباذنجان لكثر تذمرهم من اكله الذي اجبروا عليه مع انه انقذهم في الحقيقة ...هكذا قابل اهل الارض اهل التوحيد دائما مع انهم جائوا لينقذوهم

مرة كنا نسير معه ع من النجف الى كربلاء لنزور الحسين ع فاحس بأخذ التعب منا مأخذه فقال اجلسوا لتستريحوا فجلس احد الانصار فوق مرتفع من التراب وكان قربه بيت نمل وكان النمل يمر من قربه فازعجه النمل فسحقه بقدمه ..وقتها تغير حال الامام ع كانما شخص قتل احد شخص وامر الانصاري بالنهوض والابتعاد عن النمل وكلمه بشدة

نعم....هذا هو احمد الحسن ع عادل حتى مع النملة والشجرة...مرة تكلم ع عن الحيوانات الداجنة فقال ع حتى هذه الحيوانات اليوم غير الناس حياتها الى الخطأ فكذا نوع هو في الاصل يأكل كذا مادة وكذا نوع يأكل كذا مادة وهكذا..

مرة تكلم عن الجبال وكيف انها الرواسي التي تجعل الكرة الارضية تبقى مستقرة مع ان باطنها مائع وهي تدور حول نفسها حتى ان شيخ جلال رحمه الله انبهر بكلامه فقال له سيد كم قرئت في النظريات لكني لم اقرأ مثل هذا الكلام ثم صار يمدح كلام الامام ع فتغير لونه ع وقال شيخ جلال لولا انك عزيز على قلبي لحثوت التراب في وجهك كما قال رسول الله ص ...ولكنك عزيز على قلبي فلا تعد لمثلها

اذن .. نحن لسنا بصدد التكلم عن قائد ديني على النمط الكلاسيكي للحوزات

كلا...بل نحن نتكلم عن حاكم باسم الله اعطاه الله علم الاشياء التي يحكمها وما يصلح حالها ... نتكلم عمن يحقق العدل للشجرة والجبل والنملة فضلا عن الانسان...فهذه المخلوقات ايضا لها حقوقها التي اذا لم تعط لها عبرت عن غضبها بتسونامي او مرض تنشره اووو.

وهذه هي حقيقة السماء والارض لما تحارب الكافرين من البشر فهي ايضا نالها حظها من ظلم البشر ولها الحق ان ترد طلبا للعدالة التي تنشدها في مخلصها احمد الحسن ع ...فاذا اراد البشر الوقوف بوجه هذا الحق فمن يمنعها ان تحارب في سبيل تحقيقه ان اذن الله لها ؟

وربما هذا احد الاسباب التي جعلت انصار الامام ع يثقون بقائدهم ثقة مطلقة ويستسلمون لتربيته وهي انه كلما كنا نصل لطريق مسدود في مشكلة عويصة ولا يمكن حلها وتصل مسامعه ع يحلها ببساطة....نعم بساطة ...يقول افعلوا كذا وكذا...بجملة واحدة غالبا يحل اصعب المشاكل حتى اننا نظل مشدوهين...اين كانت عقولنا عن هذا الحل ونحن نفكر من مدة ؟

بل توجد حقائق علمية لهذا اليوم لم يتمكنوا من سبر غورها وهو ع حلها بجملة واحدة ...كمثال الفيروسات التي تعرف انها اجسام ميتة فاذا دخلت جسم الانسان دبت فيها الحياة والعلم لهذا اليوم عاجز عن تفسير هذه المسئلة بينما الامام ع حلها بجملة واحدة قال اغلب الامراض التي تصيب الانسان هي من الجن

اذن نحن نتكلم عن شخص محيط بالاشياء علمه ليس محدود بهذا حرام وذاك حلال ولسنا بصدد مرجع من مراجع الشيعة ولا السنة بل نحن بصدد الكلام عن حاكم الهي ومنقذ البشرية الذي بيده مفتاح الراحة الدنيوية والابدية او كما تقول الزهراء ع في خطبتها لو انهم ولو عليا ع لاكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت ارجلهم

هذا هو احمد الحسن ع الذي كانت تقابل الحوزات دعوته بالاستهزاء فيرد عليهم بالقران ...فمثلا لما انزل ع كتابه العجل صار المراجع يهرجون ويقولون كيف وصي ورسول الامام ويسمي كتابه باسم حيوان...وكما ترون فان ابسط ما يقال عن هذا الاشكال انه هروب من الرد على العلم الموجود في الكتاب الى استحمار الناس عن طريق الطعن باسمه وهو اشكال سخيف حقيقة ...لكن لما وصل الى مسامع الامام ع قال القران فيه سور باسم حيوانات فهناك سورة البقرة وسورة النمل وسورة الفيل....لاحظوا الامام ع لم يقل هذا سؤال سخيف...كيف هكذا تجابهوني وانا وصي الامام ع بل رد الاشكال ...فهو ع هكذا كان دائما يرد الاشكال الذي يحاول الشيطان ان يستحمر الناس به وان كان هذا الاشكال سخيف...لانه ع همه انقاذ اكبر عدد من الناس واخذهم من ابليس لعنه الله الى ساحة رحمة الله

اما عبادته ع فيشهد الله اني رأيته يوم في محرابه يدعو الله وهو ماد يده يسئله كاستطعام المسكين وكان ع اذا صف قدميه للصلاة ذكرت السجاد ع كيف ان الرواية تقول كانه خشبه لا يتحرك منه الا ثوبه ويشهد الله اني ايقظته ذات ليلة وكنا نائمين معه على سطح دار احد الانصار في النجف فاذا به ع يجلس منتصبا مباشرة ثم رفع راسه الى السماء كمن فارق وطنه ثم خر ساجدا وهو يقول الحمد لله الذي رد روحي على بدني لاحمده واعبده ...حتى اني ايقنت انه ع كان في السماء و لقد رايت السماء هبطت مع روحه الى الارض قريبا من جسده قبل ان يسجد

كان يعلمنا ع ان لا نستهين باي متحدث ولو كان طفلا ويقول ربما ان الله يريد ان يوصل لك شيء على لسان الطفل فكم هو عظيم اذا احتقرت كلامه او استخفيت به لانك حينها تكون قد استخفيت بالله جل جلاله ... واذكر مرة كيف ان الشهيد شيخ جلال رحمه الله اقترح اقتراح عندما كنا نتباحث في موضوع بناء حسينية للانصار في البصرة فوجدت اقتراحه صعب جدا وغير قابل للتحقيق برأيي فتكلمت معه بعصبية فالتفت لي الامام ع وقال لماذا تكلمه هكذا...الا تدري ان الامام ع ييقطع رأس احد اصحابه على شيء كهذا؟

وقبل ذلك رأيت رؤيتين ...احداهما كان فيه الامام المهدي ع والاخرى الامام احمد الحسن ع وفي كلاهما يخبرني الامام ع اني ساقود الانصار في البصرة في تلك المرحلة ...ولم اخبر احدا بالرؤيتين ..ثم بعد ايام قليلة كنت ذاهب الى بيت ابو زهراء وكان الامام ع يهم بالخروج من البيت فلقيته في باب الدار وكان معه مازن من اقاربه فوضع يده على كتفي وقال لي نفس الكلام الذي في الرؤيا وقال ابو زهراء سيبلغ الانصار بذلك فاخبرته كيف اني رايت الرؤيتين ولم اتكلم ثم انصرف ع مودعا

لقطات كثيرة في ذاكرتي لكني لا يمكن ان اجعل كل واحدة تحت عنوان بل كل واحدة بحد ذاتها هي مدرسة كبيرة ...في احد الايام سمع الامام ع ابنتي الطاهرة تبكي فقال ابنة من هذه ؟ فقلت له ابنتي...قال لماذا تبكي ؟ قلت له هي هكذا دائما تبكي من الولادة فقال الم تكتب لها حرز؟ قلت له لا اعرف كيف اكتب..فسحب ورقة وقلم وكتب لها حرزا... وفعلا تحسنت طفلتي كثيرا وبدئت تتوقف عن البكاء عندما علقناه عليها

في يوم اخر كان ع في بيت سيد رافد في البصرة و كان يوم سبت وقت الغداء فوضع سيد رافد السفرة وكانت سمك وبدأ الانصار ياكلون ومعهم الامام ع ثم فجأة غص الامام ع بالطعام ما اوضع اللقمة في فمه وطلب من سيد رافد ان يخرج للحديقة حتى اننا كلنا خفنا عليه فعلا وسيد رافد صار خائفا عليه جدا .. خلال خروج الامام ع الى الحديقة تكلم شيخ جلال وقال تعرفون ما جرى ؟

ان الامام المعصوم لا ياكل السمك يوم السبت كما ان علي ع يقول ما تسمسكت قط ولذلك فان السيد ع استحى ان يقول ذلك وحاول ان ياكل لكن مع ذلك لم يتقبل جسده الطعام

بعدها عاد الامام ع الى طبيعته ثم جاء وجلس معنا ولكنه لم ياكل فاغلب الانصار ابتعدوا عن الطعام لانه ع لن ياكل فكلمني وقال بالعراقي اكل حسين  فصرت اكل

في احد الايام صلى بنا صلاة الجمعة في حسينية البصرة وكان عدد الحضور كبير ولازلت اذكر ذلك اليوم بوضوح كان يقف ع ووجهه الى المصلين يخطب فيهم ولم تكن الحسينية مكتملة البناء يومها بل كانت فقط سياج خارجي من البلوك وكنت انا والعياذ بالله من الانا ابعد عنه كثيرا وبرغم عدم وجود مكبرات صوت وقتها لاننا لا نملك ثمنها فكان لما يتكلم ع يصل صوته بوضوح على الرغم من انه لم يكن يصيح بكل صوته بل يتكلم بصوت عال ...وصوته يخترق الهواء ويصل صافيا بشكل غريب فعلا

في يوم اخر كنت جالس مع سيد ايمن في الحسينية والساعة السادسة فجرا تقريبا وتكلم ايمن انه مشتاق للامام ع ورؤيته وفجأة فتح باب الحسينية ودخل علينا ع ثم التفت الى الراية التي كانت على باب الحسينية وقال هل هكذا يجب ان تكون راية الامام ع ؟

لان الراية كانت كبيرة الحجم فلا ترف في الهواء وفعلا تم تتغييرها فيما بعد براية من الحجم الطبيعي وصارت ترف في الهواء ...هكذا كان ع يتابع كل شيء بنفسه .

ومرة لما كنا نسير بين النجف وكربلاء لزيارة الحسين ع بدئت قدم الامام ع تنزف الدم من كثر السير ولم يكن معنا حتى قطعة قماش لنشد مكان النزف فطلبت منه ان اضع حافظتي نقودي تحت قدمه والف عليها شيء بحيث توقف النزف الذي كان من باطن القدم فالتفت الي ع وقال لو كنتم هكذا تهتمون بالفقراء لكنا بخير

وفعلا بعد ان انشأت حسينية البصرة كان كثيرون من الايتام والارامل ياتون ليأخذوا ما يسد حاجتهم من تبرعات الانصار الذين صار كثير منهم يقدم جزء كبير مما يحصل عليه لسد حاجة الايتام وللقيام بامور الدعوة من طبع منشورات واقامة ندوات وغيرها

اما علمه ع فكما قدمت فاننا كنا نسمع منه مباشرة اجوبة الاسئلة وهي نفسها التي نشرها ع في كتبه ومنها اني يوم سئلته ع عن ايات في القران كنت محتارا فعلا في فهمها وهي

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4}

فكيف يمكن ان يجلي النهار الشمس مع ان الشمس في الحقيقة هي من تجلي النهار؟

فاجاب ع السلام مباشرة

الشمس رسول الله ص والقمر علي ع والنهار هو الامام المهدي وهو الذي يجلي الشمس أي يظهر حقيتها وفضلها للناس في اخر الزمان

وكان ع يشرح لنا اشياء تحل مشكلات ويضرب امثلة بسيطة ورائعة تسهل الفهم

فمثلا قضية زواج الرسول ص من نساء كثيرة والتي يتهم الغرب بها الرسول ص ولم يجد المسلمين أي رد عليها قال عنها ع

لو كان لديك نابض حلزوني معلق في السقف كم تحتاج من الثقل لتبقيه في الارض ؟....لاشك ان الثقل يجب ان يكون وزنه بحسب قوة النابض حلزون

ورسول الله ص روحه معلقة بالملأ الاعلى فلكي يبقى في الارض لاداء الرسالة يحتاج الى ثقل يبقيه هنا ولذلك كان كثير الزواج ع وكمثال على ذلك فان عيسى ع لما اراد الله ان يرفعه  فقط امتنع عن الطعام ثلاثة ايام فارتفع الى السماء

وبالتأكيد فان نقلي الان للكلام هو ليس كما لو ان الانسان يجلس امامه ع ويسمعه منه مباشرة

وخلال مسيرتنا معه ع لم يكن فقط يعطي التفسير في القران او يتكلم فقط عن ظهور الامام المهدي ع كواقع مفروض وعلى الناس ان تنصاع لما يقول بل ناقش تقريبا كل شيء فقد ناقش المدارس الفسلفية والاشراقية والعقل والروح ومناهج الحوزة والانحراف المالي والعملي وبالتاكيد تبقى هذه السطور عاجزة عن ايفاءه الحق لكن كمثال اذكر كيف ان شيخ جهاد لما راى الامام ع اخذ يسئله عن بداية الحكمة ونهاية الحكمة وغيرها فكان الامام ع يجيبه عن كل شيء وكيف ان ملا صدرا في الشواهد الربوبية  اعلن توبته من اتباع الفلسفة واتضح لنا انه ع كان قرأ كل كتبهم ولديه الجواب على كل سؤال فهو ع ليس عالما كما يتوهم بالبعض فيما يقوله ويمليه في كتبه فقط بل كان والله كما قال احدهم لما سئل الامام الباقر ع عن مسئلة فقال له الباقر ع اهل العراق يقولون وكذا واهل المدينة يقولون وكذا وووو...في النهاية قال السائل صدق من قال اعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس ...فالامام احمد الحسن ع حقيقة هو محيط بعلوم كل هؤلاء من كل جهاتها ولذلك عرف خللها وخطأ التطبيق لبعضها ومخالفة بعضها للاسلام وكثير مما يقصر بياني عن ايضاحه

وانى للظلمة ان تصف نور محمد وال محمد ص

و لم اره ع يوما يمزح قط مع ان ذلك لا يعني انه لم يكن يبتسم بوجه الناس طيب العشرة ...بل كان يبتسم ويضحك بلا قهقهة...وكان والدا شفيقا ومع ذلك لم يكن يهادن احد على باطل ولو كان اقرب الناس له ... فهو ع يرضى عنك في هذه اللحظة لانك جيد ويغضب في الاخرى حتى كانه لم يعرفك من قبل اذا اتيت بباطل ...وكان اذا غضب ع ...حتى لو لم يكن غضبه على الانصار وانما لحادثة سيئة قام بها المراجع مثلا وهو ينتقدها فيتكلم بغضب عنها....وقتها نحس حتى الحيطان ترتجف ونتمنى لو اننا تراب خوفا منه ع حتى لو لم يكن الامر يخصنا فما بالك لو كنت انا والعياذ بالله من الانا المقصود....نسئل الله العفو

كما انه يجدر الاشارة الى ان قولي ان الامام ع نشر ما كان يكلمنا به لا يعني انه كتب كل شيء بل كانت هناك ايضا رؤى وكلمات ع بعد ان يقصها يقول لا تحدثوا بها احد وهي اما اشياء مستقبلية اخبرنا بها تتعلق بمصير الدعوة او مجرياتها وبعضها وقع ولا يزال يقع امام اعيننا ولكننا  التزاما بامره ع لا نصرح بها

اتذكر يوم اراد جامع الجمهورية مناظرتنا فقلت ذلك للامام احمد الحسن ع فخرجنا بسيارة ابو زهراء ومعنا ايمن وكنت اسوق السيارة لان ابو زهراء لم يقدر يومها ان يذهب معنا ...خرج معنا ع وذهبنا الى العمارة وجلسنا هناك عند عشيرة شيخ ناظم واحضرناه ثم عدنا للبصرة وفي طريق العودة لا اعلم ماذا حصل لي ...لكن كانت سياقتي مرتبكة جدا ربما لاني لم اكن وقتها اجيد السياقة اذا كان مبدل السرعات يديوي فصار ع يقول لي ما بك فاقول له لا اقدر ان اتجاوز هذه السيارة لان كذا وكذا فيقول لي افعل كذا وكذا.....الى هذه الدرجة كنا مقصرين وهو ع يعلمنا ويصبر علينا

ثم عدنا مع شيخ ناظم واجرينا المناظرة وكان ع يتابع كل شيء ثم لما انتهت راى تصويرها الفيديوي واعطى ملاحظاته منها قال للشيخ ناظم اذا ناظرت مرة اخرى القي الحنق حول عنقك لان عدم القاءه يسبب البرص والقاء الحنك في المناظرات من اسباب النصر فيها وقال ايضا ع ان الشيخ ناظم كان يدير المناظرة ومناظره باصبعه والمناظر كان اسعد البصري وهو شيخ معروف في الحوزة ومدير مكتب مقتدى الصدر وقتها.

ايضا قال الامام ع لشيخ ناظم لما راى كيف طلب اسعد البصري من شيخ ناظم روايات تذكره ع ...انه كان المفروض ان يعيطه الروايات في هذا الموضع...فهو ع كان يعطي ملاحظاته على كل شيء .

وفي اليوم التالي انسحب اسعد البصري من المناظرة

ومرة رأيته في بيت ابو حسين في النجف وكان ع وقتها يكتب بعد ن سلمنا عليه وجلسنا وكنت وقتها ابكي وابكي لظلامته ع ولا اقدر ان اتوقف عن البكاء وفي اخر الامر قاطعته وهو يكتب فقلت له هل يمكن ان اسلم عليك من جديد فقال نعم فقمت اليه وسلمت عليه وحضنته وصرت ابكي ثم رجعت الى مجلسي ورجع هو الى كتابته ع .

وفي مرة التقيته ع في بيت  شيخ حيدر في الناصرية وكان شيخ حيدر جالس على الكمبيوتر فقال له ع ان يقوم من الكمبيوتر ثم اجلسني معه امام الكمبيوتر وشغل فلم الشبيه واخذ يشرحه لي ونحن نتابع االفلم وفي النهاية قال سئلني ان كنت اقدر ان ازيح المناظر الي تظهر فيها مريم ع في الفلم بلا حجاب فقلت له ان شاء الله وفعلا لما عدت للبصرة ازحت المقاطع باستخدام باستخدام احد البرامج وكان اول عمل لي في الانتاج الفيديوي ولما التقيته ع اخبرته اني انجزت العمل فقال كيف عملت فقلت له فعلت كذا وكذا فضحك ع وقال لي اني احتلت على البرنامج ثم امرنا ان ننشر الفلم الذي حذفنا منه المقاطع التي فيها لقطات سفور .

ومرة كنت معه ع في بيت ابو زهراء فشغل الراديو على اذاعة ايران ليسمع الاخبار فلما رنت الموسيقى التي يضعونها في بداية النشرة كتم الصوت ع الى ان انتهت الموسيقى ثم بدأ يسمع الاخبار

ومرة في بيت شيخ حيدر كان الوقت قريب من المغرب وكان شيخ حبيب نعسان جدا فاستلقى لينام فقال له ع انهض ولا تنم في هذا الوقت لان النوم في هذا الوقت يورث الجنون

ومرة استحم شخص لا اذكر من هو فلما دخل علينا قال له الانصار نعيما فاجابهم الله ينعم عليكم كما هي عداتنا في العراق فقال الامام ع ليس هكذا تقولون بل سنة اهل البيت ع ان تقول لمن يستحم طاب ما طهر منك فيجيب طهر ما طاب منك

وكان ع غالبا يدعو غالبا بهذا الدعاء في قنوت الصلوات

يا هو يا من لا هو الا هو صلي على محمد وال محمد وانصرنا على القوم الكافرين

وكان يفصل بين المغرب والعشاء بزيارة عاشوراء وقراءة يس وكنا لما نبات معه ع نراه كيف صلي صلاة اليل وكان ع غالبا يفصل بين الركعات مثلا يصلي اربعا ثم ينام او يعلمنا ثم بعدها يصلي اربعة اخرى او اثنتان اثنتان

وكان ايضا يفصل بين الظهر والعصر بالوعظ ويقول هذه هي سنة رسول الله ص فانه كان ص اذا انتهى من الظهر التفت الى اصحابه يعظهم فترة ثم بعد ذلك يصلي العصر وكان عليه السلام في ذلك الوقت يعطينا تكاليف عبادية نؤديها كل يوم لفترة معينة كقراءة سور من القران و دعاء ذخيرة وصلاة ناشئة اليل واشياء اخرى

ولقاءات اخرى كثيرة في حسينية البصرة والنجف وبيوت الانصار منها مرة في بيت ابو سجاد في النجف وقال احد الانصار للامام ع انه يريد ان يتزوج مرة اخرى فقال له ع الم تسمع قول رسول الله ص اذا كان اخر الزمان حلت العزوبة وذكر قولا عن احد الائمة ع ما معناه كيف ان الانصار يحتارون بنسائهم واطفالهم ينقلونهم من راس جبل الى رأس جبل اخر

وكنا غالبا لما نلتقي به ع تكون سفرة الطعام اعتيادية ان لم نقل فقيرة او متوسطة وهو ع ياكل معنا

كانت يلبس من الثياب ما لا يعاب فلا هي ثياب الخيلاء ولا هي هي ثياب يمكن ان ينتقدها الناس وكان ع شديد الحياء ...اتذكر كيف سئله احد الانصار -وكان قد آمن للتو وقتها – ان يريه ختم النبوة الذي في ظهره فتغير وجه الامام ع حياءا وكرها للطلب فقال له ع بصيغة المستنكر هل تريد ان اخلع ثوبي؟ فقال الانصاري نعم.....قال له ع لست متعود ان يراني احد الا بكامل ثيابي فسكت الانصاري

وكان الكثير منا طلبة مدارس او كليات ومعاهد فكان ع دائما يسئلنا عن دراستنا ويحثنا على النجاح واخذ الشهادة

وكان ينصح المدخنين منا بترك التدخين

هذا بعض ما اتذكره اليوم من حياتي مع الامام احمد الحسن ع واعتذر لاني نسيت الكثير كما قصر بياني اكثر

والحمد لله مالك الملك

بسم الله الرحمان الرحیم

اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما

جاء في کتاب الامامة والتبصرة لابن بابويه القمي ص138ح157 عن الحارث بن المغيرة النصري ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، بما يعرف صاحب هذا الأمر؟

قال(ع) (بالسكينة والوقار، والعلم ، والوصية) وصاحب الامر هو النبي و الوصي .

الان ارید تطبیق هذه الرواية على الامام احمد اليماني عليه السلام .. فأما الوقار: فقد تواتر عند المخالفین له قبل المؤالفین بأن الامام احمد الحسن الیماني ؛ فهوصاحب سکینة و وقار و أمانة علی الدین حتی سماه البعض في الوسط الحوزوي قبل دعوته بالصادق الامین .

ومن جملة الذين رافقوه یشهدون ويقرون بهذا البيان بأنه الامام احمد الیماني(ع): هو أحكم الناس بينهم وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم للمواساة ، سخي لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سباب ، و هو من الذين ينامون علی الارض ،

ویأكل عليها ويجلس جلسة العبد امام سفرة الطعام ويأكل ما حضر ، ولا يرد ما وجد ، يجالس الفقراء والبسطاء والذين لاخلاق لهم بين الناس ويأكل مع المساكين ويناولهم بيده المقدسة ، ويكرم الايتام والارامل ويرعاهم واما أهل العلم والفضل فإنه يحترمهم ويرعاهم حتى في أخلافهم بما استطاع وهم عنده مقدمون، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم ،ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله ، ولا يجفو أحدا ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، ولم يتجشأ اويتثاوب قط ولا يجلس متكئاً ويقسم نظراته اذا تحدث بين الجالسین بالسوية ، ويفتح الباب اذا طرق ويخدم في مهنة أهله ، وإذا جلس ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه وهو أكثر الناس تفکرا ما لم يتکلم بتفسير قرآن اواجابة عن سؤال اولم تجرعلی لسانه عضة ، لا يرتفع على اصحابه في مأكل او في ملبس او في مجلس، ولاصار احد من اصحابه يوما مهضوما في حضرته واذا اخطأ أحد من اصحابه اجتهد بنصيحته ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يغفر ويصفح ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، ولا يأتيه أحد يقصده بحاجة صغيرا کان اوکبيرا إلا قام معه في قضاء حاجته ، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها ، ويمتنع من تقبيل يده من قبل الاخرين وإذا لقی احدَ اصحابه بدأه بالمصافحة ، وهو لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله ، و لا يجلس إليه أحد او أقبل عليه الا وقال له: ألك حاجة ؟ وأكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ، کجلسة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و يجلس حيث ينتهي به المجلس ، وأكثر ما يجلس مستقبلا القبلة ، وینام نومة الانبياء مستلقياً علی ظهره ، و يؤثر الداخل بالوسادة التي خلف ظهره ، وهو في الرضا والغضب لا يقول إلا حقا وأطراقه اکثرمن تکلمه والحمدلله علی عظم خُـلفائه .