مراسي مختارة في موانئ سومر واكاد

من كتابات الامام احمد الحسن (ع) في صفحته على الفايسبوك :

 

أخترت سومر وأكاد لانه من المؤكد آثاريا وتاريخيا ودينيا ان نوح ع وإبراهيم ع منهم، فهم أصل الدين ومنهم بدأ الدين في أول الزمان ومنهم يبدأ في آخر الزمان فهم شعب ناحوا آلاف السنين على دموزي أو (الابن الصالح) وانتظروا جلجامش أو (المحارب الذي في المقدمة) ولازال من أتوا بعدهم في بلاد مابين النهريين ينوحون على الحسين ع وينتظرون المهدي الذي انتظروه جلجامش الموعود بظهوره في بلادهم منذ آلاف السنين نسأل الله ان يصلح احوالهم ويهديهم الى صراطه المستقيم ويختم لهم بخير أما من ينتظرون ظهور المهدي في مكان آخر غير سومر وأكاد بلاد أباءه نوح وإبراهيم ع فسيطول انتظارهم وسيكون انتظارا بلا نهاية.

 


المرسى الأول :


ملاحم سومر واكاد والدين الالهي:
بعض أو جل الباحثين في تاريخ الشرق الادنى او الاوسط القديم يعتبرون ان الدين نتاج انساني صرف وبدأ بتأليه عشتار الاله الانثى بمختلف مسمياتها والتي وجدوا تماثيلها بمختلف الاحجام منتشرة في حضارات الشرق الادنى القديمة التي تمتد الى اكثر من تسعة آلاف سنة قبل الميلاد وقد وضعوا تعليلا لهذه البداية الدينية ان المجتمع الانساني في بداياته كان مجتمعا تسيطر عليه الانثى بصورة الام التي يجتمع حولها الابناء الذين لايعرفون غير انتسابهم لها وهكذا بحسب هؤلاء قدست الانثى (الام الكبرى عشتار) وصنعت لها تماثيل وبعد زمن تحول المجتمع الانساني الى ذكوري عندما أكتشفت الزراعة واخذوا في الاستقرار وبناء البيت والعائلة وهذا أدى الى ادخال الآلهة الذكور في المعابد وهكذا تكون الدين الذي تطور فيما بعد الى اليهودية والمسيحية والاسلام وغيرها
ولكن ينسى هؤلاء الذين يبنون نظريتهم على تماثيل انثوية قديمة انه يمكن ان تنسف نظريتهم بسهولة بفرض ان هذه التماثيل انما صنعت للاثارة الجنسية ولاتمثل شيئا مقدسا فوجود انثى مقدسة صنع لها تمثال في عصر معين لايجعل الباحث المحقق يحكم بأن كل تمثال صنع لانثى قبلها يمثلها وهذا الرأي : ان الانسان القديم صنع أدوات اثارة جنسية موجود ويطرحه بعض علماء الاثار
أيضا هناك نصوص اثرية تصف الاله عشتار او انانا المعروفة في بلاد سومر واكاد بصفات الدنيا التي يعيش فيها الانسان فهي في النصوص ليست الام ولا حتى انثى حقيقية:
بل هي الدنيا التي رفض الملك دموزي عندما اعتلى العرش ان يسجد لها كما سجد لها ملوك آخرين فأسلمت دموزي (الابن الصالح) الى الشياطين ليقتلوه
((وتقصد انانا (عشتار) الى المدينتين السومريتين “أوما” و”بادتبيرا” حيث نجد الهيهما ، كما قدمنا ، يسجدان لها وبذلك تخلصا من قبضة الشياطين . ثم تصل الى مدينة كلاب التي كان دموزي الهها الحامي . وتستمر القصيدة على الوجه الاتي:
ارتدى دموزي (تموز) حلة فاخرة واعتلى جالسا على منصته،
فمسكه الشياطين من فخذيه……….،
لقد هجم عليه الشياطين السبعة كما يفعلون بجانب الرجل المريض ،
فأنقطع الرعاة عن نفخ الناي والمزمار أمامه.
ثم صوبت (أي (انانا)) نظرها عليه ، ثبتت عليه نظرة الموت،
نطقت بالكلمة ضده، كلمة السخط والحنق ،
وصرخت ضده بصرخة التجريم قائلة ،:
“اما هذا فخذوه”،)) من الواح سومر – كريمر
وهي الدنيا التي رفض جلجامش ان يخضع لها لما جلس على العرش ولبس تاجه:
((ففتح جلجامش فاه واجاب عشتار الجليلة وقال : …….
اي خير سأناله لو تزوجتك؟
انتِ!
ما انتِ الا الموقد الذي تخمد ناره في البرد،
انتِ كالباب الناقص لايصد عاصفة ولا ريحا،
انتِ قصر يتحطم في داخله الابطال،
انتِ فيل يمزق رحله ،
انتِ قير يلوث من يحمله وقربة تبلل حاملها،
انتِ حجر مرمر ينهار جداره،
انتِ حجر يشب يستقدم العدو ويغريه،
وانتِ نعل يقرص قدم منتعله،
اي من عشاقك من بقيت على حبه ابدا؟
واي من رعاتك من رضيت عنه دائما؟ ……………..)) ملحمة جلجامش – طه باقر

وعموما فأن نظرية ان اصل الدين هو تأليه الانثى الام مجرد فرضية لا تستند الى دليل علمي رصين ولهذا فلم اجد ان هناك حاجة للرد التفصيلي على هكذا فروض ولكن وجدت من الضروري بيان الادلة والاشارات الى الاصل الالهي للدين السومري، فهذا الموضوع يتعلق باثبات ان الدين السومري دين الهي سابق محرف فهنا نريد بيان ان السومريين الذين كانوا يعرفون الوضوء بالماء والصلاة والصيام والدعاء والتضرع شعب متدين وان دينهم الهي فالملاحم السومرية وقصص السومريين فيها اخبارات غيبية حصلت بعد ان كان يتداولها السومريون بآلاف السنين ، نعم ربما يكون دينهم محرف في بعض الفترات ولكنه دين الهي، كما كان اهل مكة اصحاب ديانة حنيفية ابراهيمية محرفة ويعبدون او يقدسون اصناما وكما يوجد اليوم السلفيون او الوهابيون وهم عبدة صنم وورثة عبدة الاصنام القدماء في مكة فهم يقولون انهم مسلمون ولكنهم يعبدون صنما كبيرا يعتقدون انه موجود في السماء وغير موجود في الأرض وله يدين اثنتين وفيها أصابع ورجلين اثنتين وعينين اثنتين على نحو الحقيقة.
فمسألة تحريف الدين الإلهي وجدت ولاتزال موجودة ،
ونحن اذا عدنا الى بداية الدين الالهي نجد ان آدم جاء الى الارض بالدين الالهي الاول وفيه قصص ابناءه الصالحين من بعده والمفروض ان الناس ، كما هي عادتهم ، يحفظون هذه القصص ويروونها ويتوارثونها ،
وقصص وملاحم السومريين في بعض الاحيان ماهي الا نقل لبعض هذه القصص المقدسة الموروثة فقد روى السومريون قصة الطوفان بالتفصيل وقبل التوراة بزمن طويل:
((الطوفان – أول نوح :
صرنا متأكدين الآن من أن قصة الطوفان التي وردت في التوراة، لم تكن في الاصل من وضع مدوني أسفار التوراة، وذلك منذ أن اكتشف (جورج سمث) الذي كان يشتغل في المتحف البريطاني ، اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش ، وحل رموزه . ولكن قصة الطوفان البابلية بدورها سومرية الاصل . فقد نشر (آرنوبوبل) في عام 1914 قطعة هي الثلث الاسفل من لوح سومري ذي ستة حقول وجده من بين مجموعة ألواح (نفر) المحفوظة في متحف الجامعة . وكانت محتوياتها تتعلق على الاغلب بقصة الطوفان وظلت هذه القطعة حتى الان وحيدة فريدة لم يعثر على ما يطابقها أو يضاهيها …… وبالرغم مما في النص من كسر ونقص ، فان ما ورد فيه من العبارات ذات شأن كبير …….. فهي تتضمن مواطن مهمة تلقى ضوءا كاشفا على خلق الانسان ، وأصل (الملكية ) ، ووجود ما لا يقل عن خمس مدن في عصر ما قبل الطوفان)) من الواح سومر – صموئيل كريمرـ ص 251ـ 252.
نعم هي ربما قصص محرفة بعض الاحيان – خصوصا في منظور الديانات الاخرى – نتيجة مرور الزمن عليها ودخول المزاج الانساني المشوش بالوساوس لها ولكن هل المُحَرف يخلوا من الحقيقة تماما؟!!!.
هل تساءلنا أين ذهب تراث آدم ونوح واين كان هذا التراث في زمن السومريين أو الاكاديين،
اين ذهب تراث الدين الالهي الذي كان قبل الطوفان؟!!!
لايعقل ان يهتم نوح ومن معه بنقل الماعز والبقر ولايهتمون بنقل الدين الالهي منذ آدم ع في صدورهم، ولابد ان الانسانية بعد نوح ع – ممثلة بالسومريين أو الاكاديين وورثتهم البابليين والاشوريين – كما نقلت تاريخ الملوك والمزارعين والحرفيين نقلت ايضا تراث آدم ونوح والمثل العليا المقدسة ولو محرفة وفي قصص تتناقلها الاجيال، لتكون النتيجة ان الدين السومري أو الاكادي هو دين ادم ونوح محرفا ربما بعض الاحيان بتأليه كل شيء يؤله له كالدنيا والصالحين.
وكمثال على التحريف : محاولة تحريف لملحمة جلجامش اكتشفت في الاثار وهذا طبعا يدل على امرين
الاول ان ملحمة جلجامش نص ديني فلا يوجد احد يهتم بتحريف نص ادبي
والثاني ان نص ملحمة جلجامش الذي وصلنا ليس خاليا من التحريف حتما
يقول طه باقر ( ولعل اطرف ما وجده المنقبون حديثا في الموضع الاثري المعروف باسم سلطان تبه في جنوبي تركيا قرب حران أجزاء من الملحمة ورسالة عجيبة زورها كاتب قديم في الالف الثاني ق.م. فقد جاءت تلك الرسالة على لسان البطل جلجامش معنونة الى أحد الملوك القدماء يطلب منه جلجامش (كذا) ارسال احجار كريمة ليصنع منها تعويذة لصديقه أنكيدو تزن ثلاثين منا) ملحمة جلجامش- طه باقر.
((وبمقارنة هذه القطع الاصلية المتنوعة مع النص النينوي بدت معلومات قيمة . ليس في سد الثغرات فحسب بل أظهرت تماما بأن قصيدة (ملحمة) جلجامش لم تكن على شكل واحد في عهد الاشوريين . وهذا برهان على ان الاسطورة تطورت بصورة ملحوظة عبر الاجيال . وبتعبير آخر فإن الكَتَبة لم يكتفوا بنسخ النص القديم بشكل أمين وحرفي بل وأضافوا وبتروا وحوروا . وهذا مما يدل أو يشارك في الدلالة على ان الفكرة التي انتشرت – مع خطئها- بأن الشرق ماكان ولن يكون قط جامدا متكمشا)) اساطير بابل – شارل
فإذا كانت هناك محاولات تحريف مقصودة لنصوص مكتوبة فمابالك بالنصوص المنقولة شفاهة قبل عصر الكتابة اكيد ان تعرضها للتحريف اكبر وانها لما دونت في عصور الكتابة والتدوين الأولى دونت بصورتها المحرفة وبالتالي فقصة الطوفان وقصة دموزي وقصة جلجامش وغيرها من القصص ذات الأصول السومرية – الاكادية يمكننا ان نجزم انها لم تدون بالصورة التي تداولها القاص قبل عهد التدوين.

المرسى الثاني :

دين سومر واكاد والأديان الثلاثة، الإسلام، المسيحية، اليهودية:

الحقيقة ان اي مطلع على التوراة والانجيل والقرآن وعلى ماحوته الرقم الطينية السومرية سيحكم قطعا بأحد حكمين لامحالة ولامناص له عن أحدهما:
الحكم الأول: أن الدين اصله من تأليف الانسان السومري وما التوراة والانجيل والقرآن الا عملية اجترار للدين السومري (خلق الانسان الاول آدم ، قصة هابيل وقابيل ، قصة الطوفان ، الخطيئة ،الحياة بعد الموت، الجنة ، النار … الخ).
الحكم الثاني: أن الدين السومري هو نفسه دين آدم ودين نوح ع ولكنه نقل ثم دوِّن بصورة محرفة وتعبَّد به السومريون او الاكاديون (البابليون والاشوريون) بصورته المحرفة، وهذا ما أريد بيانه من خلال بيان ان القصص السومرية ماهي الا اخبارات غيبية جاء بها آدم الى الارض وهي قصص الصالحين من ابناءه ع وما سيمر بهم وخصوصا من يمثلون علامات مهمة في طريق الدين مثل دموزي (الابن الصالح)، او جلجامش.

الشبه الكبير جدا بين ما هو مدون في التوراة وبين الالواح السومرية انتبه له د.صموئيل كريمر ووصل به الامر ان يضع فصولا في كتبه يبين فيها الشبه بين الالواح الطينية السومرية والتوراة وكمثال:

((الفصل السابع عشر (الفردوس) أول أوجه مشابهة مع التوراة)) من الواح سومر ص 239 ،
((الزواج المقدس ونشيد الأنشاد لسليمان)) اينانا ودموزي طقوس الجنس المقدس عند السومريين – د.صموئيل كريمر،

والسومريون كانوا يعرفون ويعملون بأمور دقيقة في الدين الالهي مثل الاعتقاد بالرؤى وانها كلام الله والتوسم والاعتقاد بان الله ممكن ان يكلم الانسان في كل شيء يمر به
ويقول شارل – في اساطير بابل : ((عرفنا الان ان البشر خلقوا ليخدموا الالهة وان هؤلاء يعاقبونهم لاتفه الذنوب فعليهم ان يطيعوا رغبات السماء بكل دقة وان يلبوا نزواتهم. كيف يعلمون إذن كي يحافظوا على هذا الوفاق ويتجنبوا غضب الالهة ؟ واذا ما راوا احلاما – ان الآلهة يوحون ما يخطر لهم بواسطة الاحلام – فكيف يفسرونها بصورة ترضيهم ، هذا اذا كان هناك احلام فكيف اذا لم تكن ؟
الجواب: يعمدون الى الارهاصات والدلالات الطبيعية فهي ترشدهم الى الحقيقة ولذا يجب الانتباه الكلي ليس الى تغيرات القمر فحسب بل الى شكل الغيوم ، فكل حركة وكل تنقل من الزاحفة تحت العشب حتى الكواكب السابحة في ميدان النجوم تعطي اشارة لارادة الالهة سواء اكانت حسنة ام سيئة وهنا يظهر الفن او العلم عبقريته فيميز اذا كانت الارادة خيرة ام لا.
وعلى السحرة ان يتدخلوا اما ليعجلوا مجيء الحظ السعيد واما ليدفعوا القوى المعادية التي تهدد الحياة وليس المقصود حياة الافراد او عامة الشعب بل حياة الملك الذي يناط به مصير الامة باسرها.
وهذا الملك الذي أودعته الالهة العلم كان – كما مر- السابع من دولة ماقبل الطوفان. فهو يطابق حسب الترتيب الوراثي الى (أخنوخ) (ادريس) الذي يشغل المرتبة السابعة من سلسلة آدم – سلسلة الانبياء ما قبل الطوفان – ومن الملحوظ أنه لايوجد أي اشتراك بين الاسمين مع ان اعمالهما واحدة تماما. والحق يقال ، ان النص التوراتي المتعلق بسابع الانبياء (اخنوخ) موجز جدا قال : (وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله اخذه ). وقد اصبح اخنوخ بطل حلقة من الاساطير جعلته مخترع الكتابة ومؤلف اول كتاب وموجد علم الكواكب والسيارات : علم الفلك وكل الفلكيات. فهو يبدو وكأنه (فيدورانكي) ونستطيع ان نتقبل بارتياح بان اسطورة اليهود هذه ليست الا نقلا او توسعا للاسطورة الكلدانية التي هي اقدم.
وبين بقية الملوك والانبياء – اسلاف أخنوخ الستة وخلفائهم الثلاثة – صفات مشتركة ولايهمنا الا الشخصية العاشرة التي عايشت الطوفان )) اساطير بابل ص28
وقصص السومريين تتكلم بوضوح – كما في بقية الاديان الالهية – عن الحياة بعد الموت وان المحسنين والصالحين يذهبون الى الجنة والطالحين الى الجحيم ((لقد تأكد هؤلاء من انهم يعيشون بعد الموت – ولكن في ظلام دامس وليس لهم اي ثواب ، إلا إذا سلكوا السلوك الحسن في دار الدنيا ، أي بالتقوى كما حدث (لأوم نابيشتي) ( أي نوح ع ) أو بتطبيق القوانين بين الناس كما فعل حمورابي)) اساطير بابل ص38

المرسى الثالث:

هل هي قصة نبي الله أيوب يرويها السومريون قبل ان تحدث؟!:

هناك ادلة ترشد الى ان قصص السومريين أو الاكاديين ماهي الا قصص واخبارات غيبية لقصص حقيقية آتية بعد السومريين في مسيرة الدين الالهي واي قارئ للالواح الطينية السومرية سيرى انها تخبر عن انبياء ورسل جاءوا في زمن متأخر عنها مثل الذي ورد في قصة النبي ايوب ع قبل ان يأتي ايوب ع وتدون قصة ايوب ع في التوراة وفي القرآن،
(ان جميع الالواح وكسر الالواح المدونة فيها تلك المقالة السومرية تمتد في عهدها الى اكثر من الف عام قبل ان يدون سفر ايوب) من الواح سومر- كريمر
وهذه مقتطفات من قصة ايوب كما دونت في الالواح السومرية وقبل ان يولد ايوب بزمن بعيد جدا
((انا الحكيم العاقل . لماذا اقيد مع الاحداث الجهلة ؟
انا المدرك العاقل لماذا احسب مع الجهال ؟
الطعام وفير وفي كل مكان ولكم طعامي الجوع .
في اليوم الذي قسمت فيه الانصبة ، كانت حصتي المخصصة لي العذاب والألم ،
يا الهي اريد ان اقف بين يديك ،
اريد ان اكلمك …. وكلمتي أنين وحسرات،
اريد ان اعرض عليك امري واندب مرارة سبيلي.
اريد ان اندب اضطراب …. ،
على امي التي ولدتني الا تنقطع عن بث شكاتي اليك.
لتكف أختي عن ترديد الاغنية السعيدة فلا تترنم بها.
لتبك وتنح بمصائبي بين يديك ،
لتصرخ زوجتي بالرثاء لعذابي ،
وليندب المغني الماهر نصيبي التعس……
ان الدموع والنواح والجزع والغم ملازمة لي.
يحدق بي العذاب والألم كذلك الذي لم يقدر له سوى الدموع.
المرض الخبيث يعم جسمي … ،
يا الهي ، يا من انت أبي الذي ولدتني ، ساعدني على النهوض …
الى متى ستتخلى عني وأبقى بلا هداية ؟
لقد قالوا كلمة صدق وحق : لم يولد لأم طفل بلا خطيئة،
ان الطفل البريء لم يكن في الوجود منذ القدم ………………….
ان ذلك الرجل – قد استمع الهه الى بكائه ودموعه،
ان ذلك الشاب – قد استطاعت شكواه وندبه ان تسترضي قلب الهه ،……….
لقد طرد شيطان المرض الذي احدق به ونشر عليه جناحيه،
والمرض الذي ضربه مثل ….قد أزاله وبدده،
وبدل مصير السوء الذي قدر عليه بموجب حكمه،
وبدل عذاب الرجل فرحا وحبورا،)) من الواح سومر –د.كريمر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

تنزيل الكتاب [167.00 B]

المرسى الرابع :

بلاد سومر واكاد بكت دموزي والآن تبكي الحسين ع ؟!:

بكى وناح السومريون أو الاكاديون على دموزي (دمو : الابن، زي: الصالح) آلاف السنين ،
واستمر نواح بلاد مابين النهرين على دموزي حتى زمن النبي حزقيال، نقل في التوراة ان سكان بلاد مابين النهرين كانوا ينوحون على تموز (دموزي):
((. وقال لي بعد تعود تنظر رجاسات اعظم هم عاملوها. * فجاء بي الى مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال واذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز* فقال لي أرأيت هذا يا ابن آدم. بعد تعود تنظر رجاسات اعظم من هذه* فجاء بي الى دار بيت الرب الداخلية واذا عند باب هيكل الرب بين الرواق والمذبح نحو (تقريبا) خمسة وعشرون رجلا ظهورهم نحو هيكل الرب ووجوههم نحو الشرق وهم ساجدون للشمس نحو الشرق.)) حزقيال 8-13- 16. والعمل الموصوف بانه رجس هو قتل تموز (دموزي ) الذي جعل أولئك النساء يبكين والرجال يسجدون عند مذبحه

تبدأ قصة مقتل الملك دموزي بأنه يدفع ثمن رفضه السجود لعشتار- انانا (الدنيا):

((فإذا أرادت “انانا” (عشتار) أن تصعد من العالم الاسفل ،
فدعها تقدم من يكون بديلا عنها ،
صعدت “انانا” من العالم الاسفل ،
وكان الشياطين الصغار مثل قصب ال “شوكر”،
والشياطين الكبار مثل قصب ال “دابان”
يمشون الى جانبها ، حافين بها،
والشيطان الذي مشى قدامها أمسك صولجانا بيده ، وان لم يكن وزيرا،
والذي بجانبها ، وان لم يكن فارسا ، فقد تمنطق بالسلاح ، ان الذين رافقوها،
الذين رافقوا “انانا” (الالهة عشتار أو الدنيا)،
كانوا مخلوقات لايعرفون الطعام ولايعرفون الماء ،
فلا ياكلون من الطحين المبسوس،
ولايشربون الماء الذي يقدم قربانا،
أنهم يأخذون الزوجة من حضن زوجها،
وياخذون الطفل الرضيع من ثدي مرضعته……
وتقصد “انانا” (عشتار) الى المدينتين السومريتين “أوما” و”بادتبيرا” ، حيث نجد الهيهما ، كما قدمنا ، يسجدان لها (لعشتار أو الدنيا) وبذلك تخلصا من قبضة الشياطين . ثم تصل الى مدينة “كلاب” التي كان دموزي الهها الحامي . وتستمر القصيدة على الوجه الآتي:
ارتدى “دموزي” (تموز) حلة فاخرة واعتلى جالسا على منصته،
فمسكه الشياطين من فخذيه……….،
لقد هجم عليه الشياطين السبعة كما يفعلون بجانب الرجل المريض ،
فأنقطع الرعاة عن نفخ الناي والمزمار أمامه.
ثم صوبت (أي “انانا”) نظرها عليه ، ثبتت عليه نظرة الموت،
نطقت بالكلمة ضده، كلمة السخط والحنق ،
وصرخت ضده بصرخة التجريم قائلة ،:
“اما هذا فخذوه”،
وهكذا أسلمت “انانا” الطاهرة الراعي “دموزي” الى ايديهم.
ان من رافقه،
من رافق دموزي (تموز) ،
كانوا مخلوقات لا يعرفون الطعام ولا يعرفون الماء ،
لايأكلون الطحين المبسوس (السويق) ،
ولا يشربون الماء المقرب (المقدم قربانا) ، …)) من الواح سومر ـ ص 277 ـ 279
وهكذا فإن عشتار – انانا زوجة دموزي الملك سلمته للشياطين ليقتلونه في مفارقة يصعب فهمها على من لايعرفون معنى حاكمية الله او التنصيب الإلهي او كما يعبر عنها السومرييون – الاكاديون : “الملوكية التي نزلت من السماء”.
ولكنها حقيقة تكررت كثيرا في الدين الإلهي وهي ان عشتار – الدنيا منقادة في كثير من الأحيان للملوك الذين لم ينصبهم الله لانهم ساجدون وخاضعون لها فهم يعبدون شهواتهم الدنيوية،
وعشتار – الدنيا متمردة على المنصبين من الله للحكم فيها لانهم في الحقيقة متمردون عليها،
فنصيب علي ع كان خمس سنوات مرة هاجت فيها كل شياطين الأرض لمحاربته ع في الجمل وصفين والنهروان وماقروا حتى قتلوه في الكوفة
ونصيب الحسين ع الملك المنصب للحكم في الدنيا مذبحة لم يسلم منها حتى الرضيع.
وهذه بعض النصوص التي وصلت في الرقم الطينية السومرية عن مأساة دموزي وأخته وسنرى كم هي قريبة من وصف ماجرى على الحسين ع رغم انها نصوص آثارية تناقلها السومريون – الاكاديون قبل ولادة الحسين ع بآلاف السنين:

((صار قلبه وعاء للحزن والدموع ،
مضى حيث السهول تمتد بعيدا ،
قلب الراعي يفيض بالحزن والدموع ،
مضى الى السهول الممتدة بعيدا ،
قلب دوموزي يسبح بالحزن والدموع ،
مضى الى السهول الممتدة الواسعة ،
علَق الناي في عنقه وصاح يندب حظه ،
ايتها السهول الواسعة الممتدة بعيدا رددي بكائي ،
رددي بكائي ،
ايتها السهول يجب ان تعرفي الحزن وذرف الدموع ،
رددي بكائي ،
نوحي معي ،
أيتها السرطانات في النهر، تفجعي علي
أيتها الضفادع في النهر ، نقي من أجلي
لتطلق امي صرخة عويل ،
لتطلق امي (سرتور) صرخة عويل ،
لتطلق امي التي لا تملك خمسة ارغفة ، صرخة عويل ،
لتطلق امي التي ليس عندها عشرة ارغفة ، صرخة عويل ،
عندما تفقدني لن تجد من يهتم بها ،
وانت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ امي،
وانت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ اختي،
بين البراعم والزهور اضطجع،
بين البراعم والزهور في السهل استلقى،
الراعي دوموزي استلقى في السهل،

بينما كان الراعي دوموزي مضطجعا رأى حلماً،
كل جزء في جسده اضطرب،
استيقظ بعد ان رأى الرؤيا،
فرك عينيه،
انتابه دوار شديد،
دوموزي استفاق وقال:
أحضروها لي ، أحضروها ، أجلبوا اختي ،
أحضروا (جشتي نانا) اختي الصغيرة ،
أحضروا الكاتبة العالمة بسر الارواح ،
أختي التي تعرف معنى الكلمات ،
المرأة الحكيمة التي تعرف معنى الاحلام ،
يجب ان اتحدث لها ،
يجب أن أخبرها بالحلم الذي رايته ،
دوموزي تحدث الى اخته (جشتي نانا ) قال :
عن الحلم ، اختي ، استمعي الى الحلم الذي رأيته ،
الاسل يطلع في كل ما حولي ،
الاسل يندفع من باطن الارض كثيفاً ،
واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت رأسها امامي ،
كل الاسل وقف في ازواج اِلا واحدة أزيلت من مكانها ،
في البستان انتصبت في محيط الارض حولي اشجار طويلة مرعبة ،
فوق ارض منامي لا ماء ينسكب ،
محفظة متاعي خالية وقد أخذ منها ما بها ،
وكوبي المقدس قد سقط من الوتد المعلق به ،
عصا الراعي اختفت ،
النسر يحمل حملاً بين مخالبه ،
والصقر اختطف العصفور من سياج القصب ،
أختي: جدائي الصغار تجرجر في التراب ويغطيها الغبار ،
اغنامُ حظيرتي تتحرك فوق الارض بقوائم ملتوية ،
مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة ،
كوبي قد تهشم ،
دوموزي لم يعد بين الاحياء ،
حظيرة اغنامه صارت في مهب الريح ،

قالت جشتي نانا:
أواه يا اخي ، لاتحكِ حلمك لي ،
ليس مريحا ،
الاسل يطلع في كل ما حولك ،
الاسل يندفع من باطن الارض كثيفا ،
عصبة من السفاحين ستنقض عليك ،
هو حلمك ،
واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت راسها أمامك ،
هي أُمك ،
ستحني راسها من اجلك ،
كل الاسل وقف في ازواج إلا واحدة ازيلت من مكانها ،
أنا وأنت ،
أحدنا سوف يتوارى ويزول ،
في البستان انتصبت في محيط الارض حولك اشجار طويلة مرعبة ،
الاشرار سوف يرعبونك ،
فوق ارض منامك لا ماء ينسكب ،
حظيرة الغنم سوف تغدو خراباً ،
الاشرار سوف يُضيِقون الخناق عليك ،
محفظة متاعك خالية وقد أخذ منها ما بها ،
وكوبك المقدس قد سقط من الوتد المعلق به ،
سوف تقع من ركبة امك التي حملتك ،
متاع الراعي ،
مخضة الراعي ، كل شيء يختفي ،
الاشرار سوف يفعلون كل شيء يضعفك ،
تجمعوا ،
البومة ،
النسر ،
الصقر ،
العفريت الكبير ،
كلهم يريدون ان يطردوك ،
سيقضون عليك في حظيرة الغنم ،
جداؤك الصغار تجرجر في التراب يغطيها الغبار ،
الغضب سوف يدوم في السماء مثل الاعصار ،
انت ستسقط الى الارض ،
عندما اغنام حظيرتك تتحرك فوق الارض بقوائم ملتوية ،
عندما مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة ،
الشياطين ستجعل كل شيء ذابلاً ،
حينما ياخذ النسر الخروف الصغير ،
الجالا سيخدش خدودك ،
عندما يمسك الصقرُ العصفورَ من سياج القصب ،
الجالا سوف يتسلق السور لياخذك بعيداً ،
دوموزي ،
شعري سيدور في السماء لاجلك ،
الخراف ستحفر الارض بحوافرها ،
أوه دوموزي أنا سوف اشقق خدودي بأسف عليك ،
تحطم إناء الكذب ،………………………

دوموزي هرب من الشياطين ،
هرب الى حظيرة أغنام اخته جشتي نانا ،
عندما وجدت جشتي نانا دوموزي في حظيرة الاغنام بكت ،
رفعت فمها بجانب السماء ،
أحضرت فمها بجانب الارض ،
مثل الثوب غطى حزنها الافق ،
مزقت عينيها ، مزقت فمها ، مزقت افخاذها ،
صعد ال ( جلا) سياج القصب ،
ضرب ال ( جلا ) الاول دوموزي على الخد ونشب اظافره ،
ضرب ال ( جلا ) الثاني دوموزي على الخد الاخر ،
ال ( جلا ) الثالث حطم عجيزة المزبدة ،
ال ( جلا ) الرابع انزل الكوب من وتده وحطمه ،
ال ( جلا) الخامس حطم المزبدة ،
ال( جلا ) السادس حطم الكوب ،
ال ( الجلا ) السابع بكى ،
انهض دوموزي زوج انانا ،
ابن ( سيرتور ) شقيق جشتي نانا ،
انهض من نومك الزائف ،
نعاجك صودرت ،
حملانك صودرت ،
عنزاتك صودرت ،
نمسك أطفالكم (جديانك صودرت)
اخلع تاجك المقدس من رأسك ،
انزع ملابسك الملكية من جسدك ،
دع صولجانك الملكي يسقط على الارض ،
اخلع نعليك المقدسة من اقدامك ،
عريانا ، تمضي معنا
أمسك ال ( جلا ) دوموزي ،
أحاطوه ،
أوثقوا يديه ،
ربطوا رقبته ،
سكتت المزبدة ،
لا حليب ينزل منها ،
الكوب محطم ،
لا دوموزي بعد الآن ،
اصبحت حظيرة الغنم في مهب الريح )) إنانا ملكة السماء والأرض – صموئيل نوح كريمر ودايان ولكشتاين

((كما نقرأ في التقاويم البابلية أن الحزن والبكاء على الاله (دموزي) كان يبدأ في اليوم الثاني من شهر (Du uzi) اي تموز وانه كانت تقام مواكب للعزاء تحمل فيها المشاعل وذلك في اليوم التاسع والسادس عشر والسابع عشر . وكان يقام في الايام الثلاثة الاخيرة من هذا الشهر احتفال اسمه بالاكدية (Talkimtu) يجري خلاله عرض ودفن طقسي لدمية تمثل الاله تموز ولكن على الرغم من الاثر الذي تركته عقيدة موت الاله دموزي في المجتمع القديم في وادي الرافدين وخارجه فإن الحزن عليه لم يصبح في يوم ما من طقوس المعبد بل ظل يقام سنويا في نطاق الممارسات الشعبية …… لقد وصلنا عدد من المناحات التي الفها الشعراء السومريون والبابليون للبكاء على الاله الشاب دموزي والتي كانت تقرأ في مواكب العزاء في المدن المختلفة .)) عشتار ومأساة تموز – د. فاضل عبد الواحد علي

رثاء السومريين لتموز او دموزي :

((لقد سقط القدح مهشما
ولم يعد دموزي على قيد الحياة
وذهبت الحظيرة ادراج الرياح)) عشتار ومأساة تموز – د. فاضل عبد الواحد علي

وفي قصيدة اخرى يرثي بها الشاعر السومري دموزي (الابن الصالح) فيقول:
((راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
اني انا سيدة أي – انا التي تحطم بلاد الاعداء ،
اني انا ننسونا ام السيد العظيم
اني انا كشتن – انا اخت الفتى المقدس
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
راح الى مكان الفتى ،
راح الى مكان دموزي،
الى العالم الاسفل ، مستوطن الراعي
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
الى المكان الذي ربط فيه الفتى ،
الى المكان الذي احتجز فيه دموزي…
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا )) عشتار ومأساة تموز – د. فاضل عبد الواحد علي
حقيقة ان ظلما كبيرا يطال السومريين الذين علموا الانسانية الكتابة ووضعوا القوانين وأسس العلوم وهم أول من صنع العجلة ووضع نظم الحساب والجبر والهندسة عندما يصورهم د.كريمر ويتبعه بعض المختصين بالحضارة السومرية: انهم ينوحون على شيء اسطوري أو قصة اسطورية هم من ألفها وهي مجرد تعبير عن الخصب والجدب اللذين يتعاقبان على السنة،
وكأنهم شعب تعاطى كل افراده مادة مخدرة افقدتهم عقولهم بحيث انهم وورثتهم البابليون ينوحون ويقيمون مجالس العزاء آلاف السنين على رمز في قصة هم الفوها من الفها الى ياءها.
آلاف السنين وسكان بلاد مابين النهرين جيلا بعد جيل وكل سنة يصورون جثة دموزي، وكل سنة يبكون على دموزي، وكل سنة يقرأون قصائد رثاء دموزي،
كل هذا مجرد اوهام ؟!،
ومجرد قصة هم الفوها !!،
ولأجل ماذا؟!،
لاجل التعبير عن خصب يأتي في الربيع وجدب يتبعه في فصل آخر من السنة!!!.
المفروض ان يكون هناك جواب معقول لنواح اول حضارة عرفتها الانسانية وطيلة آلاف السنين على دموزي (الابن الصالح ) او تموز.
وفيما يخص التراث الديني فإن الروايات عن الائمة ع تخبرنا بوضوح تام ان السومريين قد ناحوا وبكوا على الحسين ع من خلال نقل بكاء وحزن الانبياء السومريين، نوح ع وابراهيم ع على الحسين ع:
عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : (( لما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم من أحب خلقي إليك ؟ فقال : يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله فأوحى الله تعالى إليه أفهو أحب إليك أم نفسك قال : بل هو أحب إلي من نفسي ، قال : فولده أحب إليك أم ولدك ، قال : بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا رب بل ذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ، قال : يا إبراهيم فان طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ، و يستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك ، وتوجع قلبه ، وأقبل يبكي ، فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل ” وفديناه بذبح عظيم. شيئان قائمان وشيئان جاريان وشيئان مختلفان وشيئان متباغضان)) الخصال – الشيخ الصدوق – ص 58 – 59، عيون اخبار الرضا – ج2 ص 187
عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع في سقم ابراهيم ع : (( فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ حَسَبَ فَرَأَى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ ع فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ ع )) الكافي ج1ص :465
وروى العلامة المجلسي في البحار : (( أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حواء فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلاء فاغتم و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله فرفع رأسه إلى السماء و قال إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به فإني طفت جميع الأرض و ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب و لكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه فقال آدم يا رب أ يكون الحسين نبيا قال لا و لكنه سبط النبي محمد فقال و من القاتل له قال قاتله يزيد لعين أهل السماوات و الأرض فقال آدم فأي شيء أصنع يا جبرئيل فقال العنه يا آدم فلعنه أربع مرات و مشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك
و روي أن نوحا لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا فلما مرت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فدعا ربه و قال إلهي طفت جميع الدنيا و ما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرئيل و قال يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء و ابن خاتم الأوصياء فقال و من القاتل له يا جبرئيل قال قاتله لعين أهل سبع سماوات و سبع أرضين فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي و استقرت عليه
و روي أن إبراهيم ع مر في أرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شج رأسه و سال دمه فأخذ في الاستغفار و قال إلهي أي شيء حدث مني فنزل إليه جبرئيل و قال يا إبراهيم ما حدث منك ذنب و لكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء و ابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه قال يا جبرئيل و من يكون قاتله قال لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه فأوحى الله تعالى إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن فرفع إبراهيم ع يديه و لعن يزيد لعنا كثيرا و أمن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه أي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي فقال يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي فلما عثرت و سقطت عن ظهري عظمت خجلتي و كان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى )) البحار ج 44 ص 243.

ماتقدم يجعل القارئ المتدبر يلتفت بقوة الى ان ملاحم سومر واكاد هي اخبارات دينية وبعضها غيبي مستقبلي بالنسبة للزمن الذي دونت فيه
ويجعلنا لانشك ان الدين يشكل جزءا كبيرا من محتوى الملاحم والقصص السومرية – الاكادية (البابلية والاشورية)
ومادمنا قد وصلنا الى هنا فأرى من المناسب جدا ان نمر على ملحمة أوروك الخالدة أو ملحمة جلجامش وسنحاول معا قراءتها بصورة اخرى ربما ليست معهودة، سنحاول قراءتها على انها قصة قصها آدم لابناءه وقصها نوح لابناءه وقصها ابراهيم لابناءه وانتشرت بين السومريين وبين شعوب العالم القديم وخصوصا في الشرق الادنى واصبحت القصة المفضلة لسكان بلاد مابين النهرين (mesopotamia) وتناقلتها الاجيال حتى وصلتنا عبر آلاف السنين ولكنها ربما شوهت وحرفت – كما تبين لنا سابقا – عندما تداولها الناس.
قصة جلجامش الذي سيأتي يوما ليحقق العدالة وينقذ النوع الانساني من حيوانيته وفي الاثار المصرية القديمة (رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره) أساطير بابل – شارل فيروللو ،
جلجامش الذي تنتظره بلاد مابين النهرين (سومر) أو جنوب العراق ليظهر فيها يوما ما منذ آلاف السنين.

المرسى الخامس:

جلجامش أبن ننسونا الام الباكية على دموزي!:

دموزي :
((راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
اني انا سيدة أي – انا التي تحطم بلاد الاعداء ،
اني انا ننسونا ام السيد العظيم
اني انا كشتن – انا اخت الفتى المقدس
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
راح الى مكان الفتى ،
راح الى مكان دموزي ،
الى العالم الاسفل ، مستوطن الراعي
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا
الى المكان الذي ربط فيه الفتى ،
الى المكان الذي احتجز فيه دموزي…
راح قلبي الى السهل نائحا نائحا )) عشتار ومأساة تموز – د. فاضل عبد الواحد علي

جلجامش :
خطاب انكيدو لجلجامش :
((انك الرجل الاوحد ،
انت الذي حملتك امك،
ولدتك امك ننسون …..
ورفع أنليل رأسك عاليا على الناس،
وقدر اليك الملوكية على البشر)) ملحمة جلجامش – طه باقر
ملحمة جلجامش يمكن ان نقرأ فيها تاريخ الانسانية الآتي وليس الماضي كما يتصور بعض شراحها، ويمكن ان نقرأ فيها قصة المنقذ للنوع الانساني من حيوانيته التي كانت – وللأسف – حاضرة على الدوام وبقوة خصوصا في المواجهات الكبرى،
((كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ ………)) الجمعة 5
((كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ ………..)) الأعراف 176
((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ………..)) المائدة 60
المنقذ الذي ذاع صيته منذ آلاف السنين وانتقل خبره عبر القارات فوصل من بلاد مابين النهرين الى شمال افريقيا فنجد صورا رمزية له في الآثار المصرية ((صورة رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره . وهذا منظر نشاهده على عدد كبير من الآثار البابلية ويمثل عادة (جلجامش) في صراعه مع الحيوانات المتوحشة.)) اساطير بابل – شارل فيروللو.
جلجامش في الملحمة (ثلثاه اله) ونجد قصته – وهو صاحب الطوفان الثاني – مرتبطة بقصة جده السومري زيو سو درا (نوح) والبابلي اوتو – نبشتم (نوح) صاحب الطوفان الاول، بل ربما اهم اسفار جلجامش في الملحمة هو سفره ليلتقي بجده نوح – اوتو نبشتم الخالد مع الالهة ويسأله عن السر الذي يمكنه ان يتخلص من ثلثه الانساني ليخلد مع الالهة كجده نوح ع او بعبارة اخرى ليكتب اسمه في سجل الحياة الابدية بجدارة ويكون من الخالدين روحيا فالمسألة متعلقة بروحه فثلثاه اله واراد ان يجعل ثلثه الباقي كذلك ولاعلاقة للامر بالخلود الجسماني كما توهم شراح الملحمة.
نجد جلجامش – في بعض النصوص – واضحا انه منقذ ورمز للعدالة ينتظره الجميع ويتداولون قصته:
((لازم ابطال اوروك حجراتهم متذمرين شاكين
لم يترك جلجامش ابنا لابيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار
ولكن جلجامش هو راعي أوروك ،
السور والحمى
انه راعينا : قوي وجميل وحكيم
لم يترك جلجامش عذراء لحبيبها
ولا ابنة المقاتل ولاخطيبة البطل…..)) ملحمة جلجامش – طه باقر،
من غير المعقول – كما فهم بعض المختصين بالحضارة السومرية – ان يكون المقصود بهذه المقاطع اعتداء جلجامش على اعراض الناس أو ظلمهم والا لكانت الملحمة متناقضة تماما فجلجامش وصُف في بدايتها بارقى مايمكن ان يوصف به حاكم عادل بل في نفس هذه الاسطر وصف بانه حكيم، فكيف يعتدي ملك حكيم على اعراض رعيته ويظلمهم ثم ان الجزء الاتي من الملحمة سيصف جلجامش بوصف مثالي مثل الايثار والشجاعة والاخلاص ولهذا فهكذا نصوص اما ان تكون تحريفا مقصودا حشر في النص او انها رمزية وبالتالي تحتاج الى تاويل وبيان.
واذا قرأنا النص بتدبر سنجد ان المراد هو منقذ النوع الانساني من حيوانيته، منقذ النوع الانساني الذي رافقت قصته كل الامم لان الذين يسبقون زمن بعثه اذا لم تكن اممهم مهيأة لاستقباله فعلى الاقل هناك افراد في تلك الامم يمكن ان تنقذهم قصته التي يتداولونها، انه الشخص الذي سيربطهم بالله وسيفتح باب السماء ليسمع كل من يريد ان يسمع وحيا عظيما يُعَرِفُه بالحقيقة فيشغف بها، الحقيقة التي اظهرتنا من العدم، الحقيقة التي خُلقنا لنعرفها، ولهذا فهو سيشغل الجميع بالله وليس بشخصه هو، لانه لو شغلهم بنفسه او تركهم ينشغلون به دون ان ينبههم فلن يكون هناك فرق بينه وبين اي طاغية ظالم يريد الشهرة والسمعة،
الآن يمكننا أن نفهم جيدا لماذا (لازم ابطال اوروك حجراتهم متذمرين شاكين)، ولماذا (لم يترك جلجامش ابنا لابيه … ولم يترك جلجامش عذراء لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل )، لانهم جميعا شغفوا بالله وتعلقوا به سبحانه، جاء جلجامش المُخَلِص وفتح لهؤلاء المُخَلَصين ، الذين سيكونون في زمن معين ، باب وحي عظيم وعلمهم كيف يتعلقون بالله وكيف يحبون الله وكيف يسمعون الله في كل شيء ولو رجعت للسومريين لوجدتهم يتشوقون لهذه الامور،
(هو جلجامش الذي معناه : المحارب الذي في المقدمة والرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة )،
جلجامش الشخصية المقدسة عند السومريين او الاكاديين – البابليين – الاشوريين وكثير من شعوب العالم القديم يوصف بدقة في ملحمة جلجامش (ثلثان منه اله وثلثه الباقي بشر) اي ان النور في وجوده غالب على الجانب المظلم او الانا ولكنه يبحث في النهاية عن سر الخلاص النهائي من هذه الظلمة، وحتى معنى اسم جلجامش دال على مهمته فهو المحارب الذي في المقدمة،
وفي الملحمة :
هو : المحارب الذي قتل الشيطان خمبابا،
وهو: المحارب الذي اهان عشتار (الدنيا)،
وهو: المحارب الذي سحق نفسه،
وهو ايضا الشخص الذي سيكون نواة لشجرة انسانية جديدة تنتصر على حيوانيتها، ( هذا ولايعلم معنى اسم جلجامش بالضبط . وقد ذكرت بعض النصوص الاكدية معناها “المحارب الذي في المقدمة” . كما ان هناك احتمالا لاسمه السومري معناه (الرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة) اي (الرجل الذي سيولد أسرة)) طه باقر – ملحمة جلجامش.
لعل اعظم تشويه تتعرض له هذه الملاحم هو اسقاط الشخصيات الملحمية على مصاديق خاطئة نتيجة الاشتباه، كاسقاطها على ملوك وردت اسماؤهم في سجل الملوك، مثلا عندما يتم اسقاط شخصية جلجامش الملحمية على الملك جلجامش رغم اختلاف اسماء الاباء والنسب فهذا تماما كمن يقول اليوم وهو يقرأ قصة المهدي الملحمية التي ذكرها النبي محمد ص في روايات كثيرة ان هناك ملكا في دولة بني العباس قبل اكثر من الف عام اسمه المهدي وهو يعتقد ان المقصود بقصة المهدي الاسلامي الملحمية هو ذلك الملك العباسي، وهذا للاسف حصل كثيرا مع جلجامش مع ان بعض الباحثين المتخصصين في الاثار السومرية صرحوا بأنه لايصح اعتبار جلجامش الملحمة هو نفسه جلجامش التاريخ بناء على تشابه الاسماء فقط، يقول شارل فيروللو: ((إذن توجد أسباب تجعلنا نؤمن بأنه كان يوجد في زمن قديم جدا ملك اسمه (جلجامش) . وهذا الاسم مندرج في لائحة ملوك أوروك – كشفت حديثا- ولكنه ليس في اول القائمة – كما ينتظر – فجلجامش التاريخ لم يؤسس دولة بل كان في عداد ملوك – لانعرف عنهم شيئا من الوجهة التاريخية إلا أسماءهم……… وعلى أية حال، ليس (جلجامش) الذي كتب عنه التاريخ سطرين يسترعي انتباهنا، ولكن (جلجامش) الذي وصلتنا اسطورته الشعرية )) اساطير بابل وكنعان.
ملحمة جلجامش التي كان ملوك سومر واكاد وأيضا بابل وحتى اشور يضعونها في مكتباتهم ويهتمون بها وكانت عندهم وعند الناس كأنها تعويذة او كتاب مقدس اعتقد انها جديرة بالتأمل والبحث في: هل انها كانت تمثل قصة الشخص الاتي الذي ينتظره السومريون او الاكديون والبابليون والاشوريون كمنقذ ومخلص؟
يقول طه باقر : ((والبطل جلجامش نفسه انتقل اسمه الى معظم آداب الامم القديمة أو ان أعماله نسبت الى ابطال الامم الاخرى مثل هرقل والاسكندر وذي القرنين والبطل أوديسوس في الاوديسة)) طه باقر – ملحمة جلجامش وقال ايضا ((عجبا من كان جلجامش هذا الذي اصبح مثالا يحتذى به لدى ابطال الامم الاخرى ؟!))
ويقول شارل فيروللو : ((ولقد عرف المصريون – في الزمن القديم – الشخصية التي نحن بصددها إذ عثر في وادي النيل في جبل الاراك على مدية شفرتها من صوان لامن معدن ومقبضها من عاج تحمل على احد وجهيها صورة رجل قائم ممسك بكل وقار ثورين قائمين واحد عن يمينه والآخر عن يساره . وهذا منظر نشاهده على عدد كبير من الآثار البابلية ويمثل عادة (جلجامش) في صراعه مع الحيوانات المتوحشة.)) اساطير بابل – شارل فيروللو
اذن جلجامش ليس مجرد شخص عادل او صالح، وليس مجرد ملك او سيكون ملكا في يوم ما بل جلجامش شخصية أممية وهو مثال يقتدي به ابطال الامم كما نقلت لنا الاثار، وكون جلجامش شخصية اممية فهذا هو الامر الوحيد الذي يمكن ان يفسر وجود نسخ من ملحمة جلجامش في دول مختلفة وحتى بغير لغاتها ((ولعل خير ما يكشف عن اثرها العظيم في عقول ابناء الحضارات القديمة المدى الواسع الذي انتشرت فيه في العالم القديم . فبالنسبة لسكان العراق الاقدمين لم يقتصر تداولها على سكان القسم الجنوبي والوسطي من العراق ، وهو القسم الذي عرف باسم بلاد سومر وأكد ، بل تسربت ايضا الى القسم الشمالي اي الى بلاد اشور. فقد وجدت نسخ كثيرة لها في حواضر العراق القديم من عهد ازدهار الحضارة البابلية في العهد البابلي القديم (الالف الثاني ق. م ) اما بالنسبة لبلاد اشور فان آخر نشرة كاملة وصلت الينا قد وجدت نصوصها في خزانة كتب الملك الاشوري آشور بانيبال الشهيرة……… وبالنسبة لمراكز الحضارات القديمة سبق لنا ان نوهنا بعثور الباحثين على نسخ كثيرة من أجزائها في اقاليم نائية مثل الاناضول ، موطن الحضارة الحثية، وقد دون بعض هذه النصوص باللغة البابلية القديمة ، كما وجدت أيضا ترجمات الى اللغتين الحثية والحورية . وحديثا تم اكتشاف مثير لنسخة من بعض فصولها في احدى مدن فلسطين القديمة وهي (مجدو) الشهيرة في التوراة ، ويرجع زمن هذه النسخة الصغيرة الى حدود القرن الرابع عشر ق.م. …. )) طه باقر – ملحمة جلجامش.
هكذا تصف القصة الملحمية جلجامش في مطلعها وتلخص كل شيء عن جلجامش في اسطر قليلة هي بمثابة تعريف لشخصية جلجامش ومهمته :
((اللوح الاول :
هو الذي رأى كل شيء فغني بذكره يابلادي،
وهو الذي خبر جميع الاشياء وافاد من عبرها،
وهو الحكيم العارف بكل شيء،
لقد ابصر الاسرار وعرف الخفايا المكتومة،
وجاء بانباء الايام مما قبل الطوفان،
لقد أوغل في الاسفار البعيدة حتى حل به الضنى والتعب ،
فنقش في نصب الحجر كل ما عاناه وما خبره))
واضح ان النص يصف شخصاً عالماً (رأى كل شيء ….. الذي خبر جميع الاشياء ……. الحكيم العارف…… ابصر الاسرار وعرف الخفايا المكتومة) ومُعَلِماً مهما جاء بعلوم مهمة وسينقشها بحيث انها ستبقى بين الناس (فنقش في نصب الحجر كل ما عاناه وما خبره) ولو رجعنا للنص الديني الوارد في المهدي نجد الامام الصادق ع يقول : (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً) بحار الأنوار: ج52 ص336.

المرسى السادس:

جلجامش شخصية دينية:

ملحمة جلجامش مليئة بالرموز، فيها رؤى مرمزة مع بيان معنى بعض رموزها، فيها كلام واحداث مرمزة فمثلا في خضم معركة دائرة بين جلجامش وانكيدو نجد كل شيء يهدأ ومباشرة يقف انكيدو قائلا لجلجامش بكل احترام:
((انك الرجل الاوحد ،
انت الذي حملتك امك ،
ولدتك امك ننسون …..
ورفع أنليل رأسك عاليا على الناس ،
وقدر اليك الملوكية على البشر)) طه باقر ـ ملحمة جلجامش
والسؤال هنا اذا كان انكيدو يعرف هذا منذ البداية فلماذا قاتله؟!!!.
اذن فمن غير المعقول ان يكون المقصود بتلك المعركة هو صراع بدني بين جلجامش وانكيدو نعم يمكن ان نقول انه صراع عقائدي ادى بأنكيدو ان يعترف في النهاية بأن جلجامش هو ابن ننسون وابن أنليل الذي أوصى أن يكون جلجامش ملكا، ونطق انكيدوا – بعد الصراع – بهذه الكلمات يبين بوضوح ان انكيدوا يقدس ننسون وأنليل ولكنه لم يكن يقر أن جلجامش من سلالتهم والان هو يقر ((انك الرجل الاوحد ، انت الذي حملتك امك، ولدتك امك ننسون ….. ورفع أنليل رأسك عاليا على الناس وقدر اليك الملوكية على البشر)) ولهذا ايضا لابد ان نحسب لرمزية النصوص حسابا ولانعتبرها نصوصا صريحة المقصود بها هو المعنى اللفظي تماما، وهذه في الحقيقة تكاد تكون طبيعة للنصوص الدينية عموما لأنها نصوص آتية من عوالم اخرى وتحوي حكمة والهدف منها بعض الاحيان ايصال رسالة الى اهلها وربما في كثير من الاحيان يُراد حمايتها من المنتحلين، بهذه الرموز التي لا يعرفها سوى اصحابها، فالرؤى مثلا هي نص ديني ولاشك، ومن منا يشك بأن الرؤى مرمزة في كثير من الاحيان؟!.

رحلة جلجامش الاولى لقتل الشيطان خمبابا وإزالة الجور والظلم والشر من الأرض:
(( فخاطب جلجامش انكيدو وقال له : يسكن في الغابة خمبابا الرهيب فلنقتله كلانا ونزيل الشر من الارض)) وقبل ان يقتل جلجامش الشيطان يرى رؤى كثيرة تبشره بنجاح مهمته الاولى :
((…ورأيت في حلمي الثاني الجبل يسقط ايضا فصدمني ومسك قدمي ثم انبثق نور وهاج طغى لمعانه وسناه على هذه الارض فإنتشلني من تحت الجبل وسقاني الماء فسر قلبي )) ملحمة جلجامش
كل ما يُأله له عند السومريين فهو اله فالدنيا اله والانا اله والجماعة اله والصالحين المقدسين الهة لهذا فيمكننا ان نبدل كلمة اله بالانبياء او الصالحين أو الدنيا أو الانا ونتدبر النص ونرى الحكمة التي يزخر بها النص:
(( وفتح جلجامش فاه وقال لانكيدو:
ياصديقي ، من الذي يستطيع ان يرقى اسباب السماء؟
والالهة (الصالحين) وحدهم هم الذين يعيشون الى الابد مع شمش،
أما ابناء البشر فأيامهم معدودات،
وكل ماعملوا هواء عبث)) ملحمة جلجامش

وفي القرآن : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً).

وجلجامش الذي ثلثاه اله في النهاية أراد التخلص من ثلثه المظلم فذهب الى من تخلص من الظلمة وخلد مع الالهة وهو جده اوتو نبشتم – نوح، فرحلة جلجامش الى نوح لم تكن رحلة لطلب خلود جسماني كما توهم بعض قراءها بل هي رحلة لطلب خلود روحي،
بعد كل ماتقدم هل من الانصاف ان يعترض علينا شخص ان قلنا ان ملحمة جلجامش دينية بجدارة وجلجامش شخصية دينية.

المرسى السابع :

جلجامش و يوسف ع:

أنتصر جلجامش في رحلته الاولى وقتل الشيطان خمبابا وعاد الى اوروك ولبس تاجه لتبدأ معركته الثانية مع الدنيا (الالهة عشتار أو أنانا):
(( ولما لبس جلجامش تاجه رفعت عشتار الجليلة عينيها ورمقت جمال جلجامش فنادته : تعال ياجلجامش وكن عريسي،
وهبني ثمرتك اتمتع بها،
كن زوجي واكون زوجك،
سأعد لك مركبة من حجر اللازورد والذهب ،
وعجلاتها من الذهب وقرونها من البرونز ،
وستربط لجرها شياطين الصاعقة بدلا من البغال الضخمة ،
وعندما تدخل بيتنا ستجد شذى الارز يعبق فيه ،
اذا دخلت بيتنا فستقبل قدميك العتبة والدكة،
سينحني لك الملوك والحكام والامراء ……
ففتح جلجامش فاه واجاب عشتار الجليلة وقال : …….
اي خير سأناله لو تزوجتك؟
انتِ!
ما انتِ الا الموقد الذي تخمد ناره في البرد،
انتِ كالباب الناقص لايصد عاصفة ولا ريحا،
انتِ قصر يتحطم في داخله الابطال،
انتِ فيل يمزق رحله ،
انتِ قير يلوث من يحمله وقربة تبلل حاملها،
انتِ حجر مرمر ينهار جداره،
انتِ حجر يشب يستقدم العدو ويغريه،
وانتِ نعل يقرص قدم منتعله،
اي من عشاقك من بقيت على حبه ابدا؟
واي من رعاتك من رضيت عنه دائما؟ ……………..
ولما سمعت عشتار هذا استشاطت غيظا وعرجت الى السماء ،
صعدت عشتار ومثلت في حضرة ابيها آنو وامها آنتم فجرت دموعها وقالت :
يا ابي ان جلجامش قد عزرني واهانني،
لقد سبني وعيرني بهناتي وشروري،
ففتح آنو فاه وقال لعشتار الجليلة :
انت التي تحرشت فاهانك جلجامش،
وعدد مثالبك وهناتك،
ففتحت عشتار فاها وقالت ل ( آنو ) اخلق لي ياابت ثورا سماويا ليهلك جلجامش،
واذا لم تخلق لي الثور السماوي فلاحطمن باب العالم الاسفل،
وافتحه على مصراعيه واجعل الموتى يقومون فياكلون كالاحياء،
ويصبح الاموات اكثر عددا من الاحياء،
ففتح آنو فاه واجاب عشتار الجليلة وقال :
لو لبيت طلبك لحلت سبع سنين عجاف لاغلة فيها ،
فهل جمعتِ غلة تكفي الناس؟،
وهل خزنت العلف للماشية؟،
فتحت عشتار فاها واجابت آنو اباها قائلة لقد كدست بيادر الحبوب للناس وخزنت العلف للماشية،
فلو حلت سبع سنين عجاف فقد خزنت غلالا وعلفا تكفي الناس والحيوان )) ملحمة جلجامش،
وفي القرآن : ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) يوسف ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * )) يوسف

المرسى الثامن:

هناك من يسقط أو يتعثر في رحلة الخلود:
بينت ان رحلة جلجامش تتكلم عن الخلود الروحي والحياة الاخروية الخالدة وليس عن خلود جسد فانٍ يعلم السفهاء بفناءه فكيف بجلجامش الذي يوصف في الملحمة بانه حكيم وعارف بحقائق الأمور وبما ان الخلود والموت المذكور في القصة يراد منه خلود وموت الروح فيكون موت أنكيدو كذلك فلم يتمكن انكيدو من اتمام رحلة الخلود دون ان يسقط أو يتعثر في الطريق ويرتكب المحرمات ويخالف وصايا جلجامش له فتكون النتيجة انه سقط في براثن العالم الأسفل ويحاول جلجامش انقاذه من براثن العالم الأسفل واقامته من عثرته:
((هبط أنكيدوا إلى العالم السفلي،
إلا انه لم يلتزم بكلمات سيده-
ولبس ثيابا نظيفة،
فهجم أصحاب السلطة عليه كانهم أعداء،
ومسح جسمه بزيت الكأس العذب،
فتجمعوا من حوله من جراء رائحته،
ورمى عصا الرماية في العالم السفلي،
فأحدق به أولئك الذين أصيبوا بها،
وحمل عصا بيده،
فأضطربت أشباح الموتى من حوله
ولبس نعلا في قدميه،
واحدث صوتا في العالم السفلي،
وقبل الزوجة التي احبها،
وصفع الزوجة التي كرهها،
وقبل الإبن الذي احبه،
وصفع الإبن الذي كرهه،
فأمسكت به صيحة العالم السفلي بقوة-
…………
………….
إنه لم يسقط في المعركة مكان الرجولة
إن العالم السفلي هو الذي يمسك به بقوة)) السومريون – صموئيل نوح كريمر ص288
(( ان قصة موت انكيدو ودفنه هي على ارجح الاحتمالات من اصل بابلي غير سومري . فبموجب القصيدة المعنونة “جلجامش وانكيدو والعالم الاسفل” لم يمت انكيدو موتا بالمعنى المألوف للموت وانما احتجزه في العالم الاسفل (كور) ، وهو ذلك الشيطان الموكل بالعالم الاسفل والشبيه بالتنين ، لأنه ارتكب المحرمات الخاصة بالعالم الاسفل ، وهو عارف بها . ولقد اخترع مؤلفوا “ملحمة جلجامش” البابليون حادث موت “انكيدو” ليهيئوا الباعث القصصي الدراماتيكي على سعي جلجامش ونشدانه الخلود وهو مايؤلف الذروة الدرامتيكية في القصيدة ………….. ولكن مهما كان الحال فان الشعراء البابليين لم يكونوا باية حال من الاحوال مجرد مستنسخين ومقلدين تقليدا اعمى للمادة السومرية. بل الواقع انهم بدلوا وغيروا في مضمونها وكيفوا تركيبها وهيئتها الى درجة جسيمة لتلائم مزاجهم وتراثهم ، بحيث لم يبق مايميز منها الا النواة السومرية الاصلية)) من الواح سومر – صموئيل نوح كريمر – ص323-373

المرسى التاسع:

رحلة جلجامش الى جده نوح ع:
وتبدأ رحلة جلجامش الى جده نوح (اوتو- نبشتم) والتي يطلب فيها الخلود،
خلود الروح وليس خلود الجسم، فجلجامش منذ البداية يعرف ان لا خلود للجسم فقد مر قوله ((والالهة (الصالحين) وحدهم هم الذين يعيشون الى الابد مع شمش أما ابناء البشر فأيامهم معدودات وكل ماعملوا هواء عبث)) وجده نوح ميت منذ زمن بعيد وهو يعلم هذا جيدا اذن هي رحلة الى العالم الاخر وفي هذه الرحلة يسحق جلجامش نفسه فيحقق الخلود الذي سافر في طلبه. يحقق مراده في نفس الرحلة وحتى قبل ان يصل الى جده نوح (اوتو – نبشتم) : ((سأطلق شعري وسألبس جلد الاسد واهيم على وجهي في البراري)) ملحمة جلجامش
ويدخل جلجامش عالم الحقيقة ويرى الامور على ماهي في رحلته الى جده اوتو – نبشتم (نوح ع):
(( لقد بلغ جبل “ماشو”
الذي يحرس كل يوم مشرق الشمس ومغربها،
والذي يبلغ علوه سمك السماء
وفي الاسفل ينحدر صدره الى العالم الاسفل،
ويحرس بابه “البشر العقارب”
الذين يبعثون الرعب والهلع ونظراتهم الموت
ويطغى جلالهم المرعب على الجبال،
الذين يحرسون الشمس في شروقها وغروبها،
ولما ابصرهم جلجامش اصفر وجهه خوفا ورعبا ،
ولكنه تشجع واقترب امامهم
فنادى “الرجل العقرب” زوجته وقال لها :
ان الذي جاء الينا جسمه من مادة الالهة،
فأجابت زوجة “الرجل العقرب” زوجها وقالت :
اجل ان ثلثيه اله وثلثه الاخر بشر،
ثم نادى “الرجل العقرب” جلجامش
وخاطب نسل الالهة بهذه الكلمات:
مالذي حملك على هذا السفر البعيد ؟
وعلام قطعت الطريق وجئت الي عابرا البحار الصعبة العبور،
فأبن لي القصد من المجيء الي
فاجابه جلجامش قائلا:-
اتيت قاصدا ابي (اوتو – نبشتم) (نوح)
الذي دخل في مجمع الالهة *
جئت لأسأله عن لغز الحياة والموت *
ففتح الرجل العقرب فاه وقال مخاطبا جلجامش :
لم يستطع احد من قبل ان يفعل ذلك ياجلجامش
لم يعبر احد من البشر مسالك الجبال
حيث يعم الظلام الحالك في داخلها مسافة اثنتي عشرة ساعة مضاعفة ولايوجد نور ……..جزء مخروم من الملحمة …….
فاجاب جلجامش : عزمت على ان اذهب ولو بالحزن والآلام *
وفي القر والحر وفي الحسرات والبكاء *
فأفتح لي الآن باب الجبال،
ففتح الرجل العقرب فاه واجاب جلجامش :
مر ياجلجامش ولاتخف،
فقد اذنت لك ان تعبر جبال “ماشو”،
وعساك ان تقطع الجبال وسلاسلها،
وعسى ان تعود بك قدماك سالما،
وهاهو باب الجبل مفتوح امامك،)) طه باقر ـ ملحمة جلجامش ص75 ـ 76.

تستمر رحلة جلجامش ويمر بصاحبة الحانة وكأنها رمز لسكر الناس بحب الدنيا والانا فتدعوه صاحبة الحانة الى الدنيا والاهتمام بنفسه وترك هذا السفر المتعب في طلب الخلود ،
((فاجابت صاحبة الحانة جلجامش قائلة له :
ان الحياة التي تبغي لن تجد
اذ لما خلقت الالهة البشر قدرت الموت على البشرية
واستاثرت هي بالحياة*
اما انت ياجلجامش فاجعل كرشك مملوءا *
وكن فرحا مبتهجا ليل نهار*
واقم الافراح في كل يوم من ايامك
وارقص والعب ليل نهار*
واجعل ثيابك نظيفة زاهية *
واغسل رأسك واستحم في الماء *
ودلل الطفل الذي يمسك بيدك *
وافرح الزوجة التي بين احضانك*
وهذا هو نصيب البشر،
ولكن جلجامش اردف مخاطبا صاحبة الحانة :
ياصاحبة الحانة اين الطريق الى اوتو – نبشتم
دليني كيف اتجه اليه ؟
فاذا امكنني الوصول اليه فانني حتى البحار ساعبرها،
واذا تعذر الوصول اليه فسأهيم على وجهي في البراري،)) طه باقر ـ ملحمة جلجامش ص79 ـ 82
هذه الكلمات الاخيرة كأن موسى ع في القرآن قد اقتبس معناها من جلجامش فقال: (( ..لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)) الكهف 60
وتستمر رحلة جلجامش حتى يصل الى جده اوتو – نبشتم (نوح ع) ويروي له جده قصة الطوفان ويعرف جلجامش من جده سر الحياة :
(( قال اوتو – نبشتم لجلجامش :
ان الموت قاس لايرحم
متى بنينا بيتا يقوم الى الابد؟
متى ختمنا عقدا يدوم الى الابد؟
وهل يقتسم الاخوة ميراثهم ليبقى الى اخر الدهر؟
وهل تبقى البغضاء في الارض الى الابد؟
وهل يرتفع النهر وياتي بالفيضان على الدوام؟
والفراشة لاتكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحل اجلها
ولم يكن دوام وخلود منذ القدم
وياما اعظم الشبه بين النائم والميت!
الا تبدو عليهما هيئة الموت؟
من ذا الذي يستطيع ان يميز بين العبد والسيد اذا جاء اجلهما؟)) طه باقر ـ ملحمة جلجامش ص87
الملاحم والقصص السومرية والقصائد تثبت ان قصة الدين الالهي موجودة ومكتملة عند السومريين بكل جزئياتها وشخصياتها ورموزها قبل الديانة اليهودية والمسيحية والاسلامية فنجد في الرقم الطينية السومرية الاله الحقيقي الواحد المهيمن على كل شيء ونجد عندهم العقائد والقيم الاخلاقية والنواميس المقدسة والعبادة وطرقها وسبل الانتصار على الشيطان وعلى الدنيا وعلى الانا وحب الذات اذن فهو الدين كله من الفه الى ياءه عند السومريين فمن اين اتوا به؟ من اين جاءوا بهذه المنظومة المعقدة التي ظهرت مكتملة فجأة في تاريخ بلاد مابين النهرين؟ الحقيقة التي يراها كل عاقل ظاهرة كالشمس ان هناك قفزة ثقافية وحضارية اظهرتها لنا الثقافة والحضارة السومرية فمن يريد ان ينكر بعد كل ماتقدم فهذا شانه وعموما فقد وضعت اطروحات ونظريات لتفسير هذه القفزة الثقافية ولو كان الامر ليس كذلك لما وصل الامر الى ان توضع نظرية قدوم كائنات من الفضاء والعجب كل العجب ممن يقبل ان سبب تطور الانسانية هو قدوم كائنات فضائية بمركباتهم وقدراتهم الكونية التي لانرى لها اثرا على الارض لكي يعلل هذه القفزة الثقافية ولايقبل ان نفس آدم نفخت في جسم فتطور وانتقل الى مستوى ارقى في الخلق والتنظيم والقدرة على التفكير والادراك.

المرسى العاشر:

السومريون وحاكمية الله:
يقول د. كريمر في الحكومة ((الحكومة – أول برلمان ذي مجلسين – ان نمو الانسان الاجتماعي والروحي لهو في الغالب بطئ ، منحرف ، ويصعب تتبعه وتقصيه. وقد تكون الشجرة المتكاملة النمور منفصلة بعيدة عن بذرتها الاصلية بألوف الاميال والسنين . خذ مثلا أسلوب الحياة المعروف باسم الديمقراطية ومؤسساتها أو نظامها الاساسي وهو المجلس السياسي . ففي ظاهر الحال يبدو هذا النظام وكانه قاصر على حضارتنا الغربية أو احتكار لها ، وأنه ثمرة من ثمرات القرون الحديثة ، اذ من ذا الذي يتصور ان برلمانات سياسية كانت في الوجود قبل الوف كثيرة من السنين ، وفي جهات من العالم ليست لها صلة بالمؤسسات الديمقراطية الافيما ندر ولكن الاثري الصبور ينقب ويتعمق في الحفر ويوسع فيه ، ولايعلم مطلقا ماذا سيجده ويعثر عليه وبفضل جهود فرقة المعول اصبح في وسعنا الان ان نقرأ سجل مجلس سياسي انعقد قبل نحو خمسة الاف عام – في الشرق الادنى قبل اي مكان اخر.
اجل ان اول برلمان سياسي معروف في تاريخ الانسان المدون قد التام في جلسة خطيرة في حدود 3000 ق.م ولقد كان مثل برلماننا مؤلفا من مجلسين : من مجلس الاعيان اي مجلس الشيوخ ومن مجلس العموم (النواب) المؤلف من المواطنين الذكور القادرين على حمل السلاح وكان برلمان حرب دعى للانعقاد ليتخذ قرارا في امر خطير يخص الحرب والسلم . لقد كان عليه ان يختار بين السلم بأي ثمن كان وبين الحرب والاستقلال فأما مجلس الاعيان الذي كان مؤلفا من الشيوخ المحافظين فانه اعلن قراره انه بجانب السلم مهما كان الثمن . ولكن الملك اعترض على هذا القرار ثم عرض الامر بعد ذلك على مجلس العموم فأعلن هذا المجلس الحرب من اجل الحرية وصادق الملك على قراره .
ففي اي جزء من العالم أول برلمان معروف لدى الانسان ؟
لم يكن موضع انعقاده في الغرب في قارة اوربا كما قد تظن فأن المجالس السياسية في بلاد الاغريق الديمقراطية وفي زومة الجمهورية جاءت بعد ذلك بزمن طويل بل ان مما يثير الغرابة والدهشة ان يكون ذلك البرلمان العتيق قد عقد جلساته في ذلك الجزء من اسيا الذي اصطلح الناس عليه تسميته باسم الشرق الادنى موطن الطغاة والمستبدين المأثور وهو جزء من العالم كان يظن عنه ان المجالس السياسية لم تكن معروفة فيه .
اجل انه في تلك البلاد المعروفة قديما باسم سومر الواقعة شمال خليج فارس بين نهري دجلة والفرات تم انعقاد اقدم مجلس سياسي معروف فمتى اجتمع هذا البرلمان ؟ انه اجتمع في الالف الثالث ق. م فلقد كان يقطن بلاد سومر وهي تطابق القسم الجنوبي من العراق الحديث شعب أنشأ ونمى مايرجح ان تكون أرقى حضارة في العالم المعروف آنذاك)) من الواح سومر – د. صموئيل كريمر

العلاقة بين السومريين وحاكمية الله أمر لم يكن لكريمر ولا لكثيرين من علماء الاثار غيره ان يدركوه لانهم اما لايعتقدون بحاكمية الله أو ملحدين يعتقدون ان الدين ابتدعه السومريون والتوراة والقرآن مجرد عملية استنساخ للقصص السومرية الخيالية – بنظرهم – كقصة الطوفان ، ولهذا فهم عندما وجدوا ان الملك السومري يعرض امر الحرب على مجلسين للشورى حكموا وجزموا ان ما يمارسه السومريون ديمقراطية تشبه الديمقراطية الغربية اليوم في حين ان ماكان يمارسه السومريون ليس الديمقراطية الغربية ابدا ولاعلاقة لممارستهم بالديمقراطية الغربية حيث ان هناك نصوص سومرية كثيرة تؤكد ان الحاكم يأخذ شرعيته من التنصيب الالهي، ان نظام الحكم السومري هو نظام ورثوه عن نوح ع وعن الانبياء كما ورثوا الدين الالهي، فقد كان لديهم نظام حكم الهي محرف كما كانوا اصحاب دين الهي محرف ، فنظام الحكم السومري لم يكن نظاما دكتاتوريا ولا نظاما ديمقراطيا بالمعنى الديمقراطي الغربي المعروف اليوم. في نظام الحكم السومري كان هناك ملك تعينه الالهة. كما ان في نظام الحكم الالهي ملك او حاكم يعينه الله ومهمة هذا الحاكم هي تحقيق ارادة الله وتطبيق قانون الله وانصاف المظلومين فهناك هدف من تعيين الحاكم الالهي هو ليس الحكم بحد ذاته ولهذا فنظام الحكم الالهي يمكن ان يتحقق حتى باشراف الحاكم المعين من الله على التطبيق ومراقبة التطبيق والتدخل للتصحيح عند وجود توجه للخطأ وليس من الضروري ان يقوم بالحكم بنفسه ليتحقق الهدف من تعيينه وهذا مانجده او قريبا منه في المثال السومري الذي اورده الدكتور صاموئيل كريمر، حيث كان هناك نزاع بين كيش واوروك على السلطة ودعوى التنصيب الالهي وقام حاكم اوروك بطلب رأي الشعب باختيار الحرب او السلم ولكنه لم يكن رأيا ملزما له كما هو واضح في ماتقدم ((أما الاوضاع السياسية التي استوجبت انعقاد اقدم برلمان في التاريخ مدونة أخباره فيمكن وصفها على الوجه الآتي : كانت بلاد سومر في غضون الالف الثالث ق.م مثل بلاد الاغريق في زمن متاخر جدا مؤلفة من عدد من دول – المدن المتنافسة المتنازعة فيما بينها على كسب السلطة والسيطرة على جميع البلاد . وكانت دولة كيش من اهم هذه الدويلات وهي المدينة التي تسلمت الملوكية كما جاء في الاساطير السومرية من السماء بعد الطوفان فورا. ولكن كان هناك من هذه الدويلات دولة – مدينة اخرى هي دولة ارك (اوروك) الواقعة بمسافة بعيدة الى الجنوب من كيش وكانت تتعاظم في السلطان والنفوذ السياسي حتى بلغ بها الحال ان اخذت تهدد سلطان دولة كيش على بلاد سومر . فأدرك ملك كيش عندئذ مبلغ الخطر وهدد اهل ارك بشن الحرب عليهم اذا ابوا الاعتراف به سيدا عليهم . وفي هذه الازمة العصيبة التأم مجلسا ارك اي مجلس الشيوخ ومجلس الذكور القادرين على حمل السلاح ليبتا في اي السبيلين يختاران : الخضوع والاذعان الى سلطان كيش والتمتع بالسلم أو اشهار السلاح والحرب من اجل المحافظة على الاستقلال)) من الواح سومر – د. كريمر ص83 ـ 84
وصحيح ان بعض ملوك سومر هم مجرد ملوك مدعين للتنصيب الالهي ولكن مايهمنا هو ان السومريين عموما كانوا يؤمنون بالتنصيب الالهي، ويؤكد هذا الامر ماوصلنا مكررا في الالواح الطينية من ان الملوك هم من سلالة الالهة وان الالهة تعينهم وهناك قصة نقلها القرآن تمثل منازعة حدثت في سومر او بلاد مابين النهرين بين احد الملوك المدعين الملك مع ابراهيم الخليل ع الملك المنصب من الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)البقرة 258 . وعموما يمكن مراجعة النصوص السومرية والاكادية والبابلية لنجد ان هذا الامر واضح في كثير من النصوص، وأنهم كانوا يعتقدون ان المُلك تنصيب الهي، اي كما في عقيدة الدين الالهي الصحيحة التي في التوارة والانجيل والقرآن وهذا يبين بوضوح ان السومريين قد ورثوا الدين الالهي القديم وكانوا ملتزمين بتعاليمه واهمها النواميس المقدسة ومنفذها، ولكن لما تقادم عليهم الزمن حصل الشيء الذي يحصل دائما وهو التحريف للدين الالهي واغتصاب الملك الالهي واضطهاد الملك المنصب من الله كما في حادثة ابراهيم ع الذي اضطر اخيرا الى مغادرة ارض آبائه حتى شاء الله ان يعود ابناؤه فيما بعد بعودة ابنه علي ابن ابي طالب ع الى ارض سومر وأكاد او شومر او شنعار او بلاد مابين النهرين (العراق)
وهذا احد النصوص نقله د. كريمر عن الالواح السومرية ويبين اعتقاد السومريين بالدين الالهي وبالتنصيب الالهي للملك او الحاكم:
((يا سومر يا أيها البلد العظيم بين جميع بلدان العالم ، انت مغمور بالنور الثابت الراسخ ، الذي ينشر من مطلع الشمس الى مغرب الشمس النواميس الالهية بين جميع الناس ، ان نواميسك المقدسة نواميس سامية لايمكن ادراكها، قلبك عميق لايسبر غوره ، المعرفة الصحيحة تأتي بها ….. كالسماء لايمكن ان تُمس ، والملك الذي تلده متوج بالتاج الابدي، والسيد الذي تنجبه يضع التاج على رأسه الى الابد . سيدك سيد مبجل وملكك يجلس مع الاله آن على المنصة السماوية ، ان ملكك هو الجبل العظيم ….. )) من الواح سومر – صموئيل كريمر.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وهم الالحاد وآيات الربوبية في الكون

هل علينا ان نختار بين الايمان بإله او الايمان بالعلم؟ من لم يسمع هذه الجمل الشهيرة والخاطئة: “التطور يدعي ان الانسان أصله قرد”! “العلم يدعي ان الكون والحياة وكل شيء ...

هل نظرية التطور تعارض الدين ؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. أسأل الله ان يوفقكم ويسدد خطاكم مسألة التطور عموما لا يمكن ...