شبهة اللغة العربية… وقواعد سيبويه

يقول المعاندون: المعصوم لا يخطأ في النحو، والسيد أحمد الحسن (ع) يخطأ فيه.

الجواب

ما تسمونه خطأ في النحو ليس كذلك في حقيقته، فلكي يكون شيئاً ما خطأ لابد أن يكون مخالفاً لشيء متحقق من صحته ومفروغاً منها، وليس كذلك القواعد النحوية. فمن المعلوم لمن لديه إلمام بالنحو، إن ثمة أكثر من مدرسة نحوية؛ كمدرسة الكوفة والبصرة والأندلس، وهذه المدارس تكاد تكون مختلفة في الكثير من القواعد النحوية، ومحل النزاع بينها لم يتحرر إلى يومنا هذا.
ويعلم من لديه اطلاع كاف على علم النحو والدرس اللغوي عموماً، أن نشأته كانت عن طريق جمع اللغة من قبل بعض العلماء، ثم الصيرورة بعد ذلك إلى استنباط القواعد التي تنتظمها عن طريق القياس، يقول ابن جني اللغوي المعروف: “إن اللغوي شأنه أن ينقل ما نطقت به العرب ولا يتعداه، وأما النحويّ فشأنه أن يتصرف فيما ينقله اللغوي ويقيس عليه”.  وهنا أمور لابد من بيانها:
1-    جمع اللغة كان على طريقة الاستقراء الناقص، فقد تركزت جهود اللغويين على قبائل معينة ولم تشمل كل القبائل العربية فقد كانوا يحددون قبائل وبيئاتٍ معينةً رأوا فيها تحقيق مبتغاهم، ومن هنا قالوا: ” كانت قريش أجود العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعاً وإبانة عما في النفس. والذين عنهم نُقِلَت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ لسان العرب من بين قبائل العرب، هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتُكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم”.
هذا النمط من الاستقراء كما هو معروف لا يتيح وضع قواعد تستغرق كل اللغة وتشمل جميع ظواهرها. فاذا كانت اللغة بنية واحدة أو كل واحد فالاستقراء الناقص لايمنحنا سوى وصف ناقص لحقائقها. واذا اضفنا الى هذا انهم قد اقتصروا بالاستشهاد على فترة زمنية محددة فلقد تم حصره على مستوى الشعر بالمئة والخمسين سنة الأولى ( انتهى عصر الإستشهاد بالشاعر ابراهيم بن هرمة ) ، وتم غض النظر عن القرون اللاحقة وما شهدته من تطور لغوي ، لا لشئ إلا لأن الجديد الذي ترشح عن هذه القرون لم يخضع لمقاييسهم المستقاة من عصور مغايرة ، اقول يتضح لنا اذن انهم بصنيعهم هذا قد ابتعدوا عن المنهج العلمي الصحيح الذي من شأنه الاحاطة بالظاهرة بصورة تشمل كل حالاتها، وهم بوقوفهم عند زمن معين أهملوا متابعة التحولات التي جرت على بنية اللغة . واذا كان الهدف من الالفاظ هو توصيل المعنى للمتلقي فان من المعلوم انه في زمن معين وفي مكان معين يتحصل هذا الامر بطريقة ليست بالضرورة تكون صالحة لكل زمان ولكل مكان، فلكل زمان ومكان اناس. ولعل الحقيقة الانسانية للغة أي كونها ظاهرة انسانية لها تعلق بالجانب العاطفي والارادي للانسان يجعلها متأبية على التحديد العلمي القواعدي فهي في حركة مستمرة وتطور لا يتوقف .
2-    كانت الطريقة التي اتبعوها في وضع القواعد تقوم على أساس ملاحظة اضطراد ظاهرة ما فيتم وضع القاعدة النحوية على أساسها، مثل أن يضطرد رفع الفاعل في حديث العرب، فيضع النحوي قاعدة هي أن الفاعل مرفوع دائماً ويجعلها حكماً ثابتاً. ولكن هؤلاء النحاة واجهتهم – كما يقول الدكتور محمود حسن الجاسم في دراسة له عنوانها (أسباب التعدد في التحليل النحوي) – واجهتهم شواهد لغوية أخرى تخالف القاعدة التي وضعوها، وهي شواهد لا تقل اضطراداً عن سابقاتها، فما كان منهم إلا أن يحاولوا توجيهها على ضوء القاعدة السابقة وجعلها تنقاد لها بصور كثيرة من التخريجات والتجويزات واختلفوا فيما بينهم اختلافا كبيرا انتج ما يعرف بالمدارس النحوية مثل مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة. ويضيف قائلاً: ( ان المرء يلحظ أن تعدد الأوجه في تحليل أحد العناصر التركيبية أمرٌ شائعٌ ومألوفٌ في درسنا النحوي، ومن ثم ألفنا أساليب الجواز عند النحاة، إذ نرى أحياناً أن أحدهم قد يجيز أكثر من وجه في عنصر ما. كما ألفنا الخلاف بينهم في أثناء التحليل، فمنهم من يرى وجهاً فيما يتناول، ثم يأتي آخر رافضاً ما سبق ومضيفاً وجهاً جديداً، وربما وقف أحدهم عند شاهدٍ ما قيلت فيه أوجه كثيرة تمثّلها جهات متنوعة، فيحاكم الأوجه ليضعف بعضها أو يرفضه ويرجّح أو يجيز بعضها الآخر، وهكذا شاع الجواز في تحليلهم وكثر الأخذ والرد بالترجيح والتضعيف والرفض في حوارهم ).
واذا علمنا ان الفيصل بين المطرد وغيره ليس من السهولة تحديده، فالنحاة الأوائل لم يوضحوا وتركوا الأمر غائماً ، فعلى أي مقياس قالوا ان الظاهرة اللغوية المعينة مضطردة وغيرها غير مضطرد ؟ هذا السؤال تركوه دون اجابة ، بل انهم في الغالب الاعم كانوا يلجأون الى قواعد منطقية لا علاقة لها باللغة كمادة ليفصلوا القواعد على ضوء منها وهو الامر الذي دفعهم الى استبعاد الكثير من الظواهر اللغوية التي لم تكن تستقيم لمنطقهم الغريب عن اللغة.
3-    ولم تكن مشكلة الدرس اللغوي العربي مشكلة علمية تتعلق بطبيعة المناهج فقط بل ان عاملا آخر مهما ولعله الاهم كان وراء الاختلافات والتحكمات التي شهدها الدرس اللغوي عموما والنحوي منه على وجه الخصوص وهذا العامل هو عقيدة علماء اللغة ، فالعقيدة كان لها دور مهم في توجيه الدرس اللغوي ليكون سلاحا فعالا في الصراع الفكري والمذهبي ، فالكثير من القواعد النحوية تم تلفيقها لتوافق مذهب معين على حساب مذهب اخر فابن هشام الانصاري مثلا يضع قاعدة لتحديد نوع الواو عاطفة او استئنافية وهدفه منها هو جعل الواو في قوله تعالى ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران: من الآية7) فيجعلها واو استئناف لاعطف لكي يلغي دور اهل البيت (ع). يقول احد الباحثين (للمنهج أهمية كبيرة وعظيمة في المعارف كلها إذ بدونه يحصل الاضطراب ويصعب الوصول إلى نتائج حاسمة وتتجلى أهمية العقيدة في المناهج كونها الركيزة الأولى التي تنبني عليها المذاهب المختلفة فما من فرقة إلا وتسلك في مناهجها مع ما يتفق مع عقيدتها وأهوائها ولذلك فإن معرفة منهج الشخص هو الطريق إلى معرفة عقيدته ). ويقول : (اختلف اللغويون قبل القرن الرابع الهجري في تعاملهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد تبعا لاختلاف مناهجهم العقيدية فتوزعوا في خمسة مناهج رئيسة هي: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج المعتزلة ومنهج الأشاعرة ومن شابههم ومنهج الشيعة والرافضة ومنهج الخوارج ).
اذن الدرس اللغوي لم يكن بريئاً كما يظن من لا علم له ولم يكن علميا ايضا ، ولابد من الاشارة هنا الى مسالة مهمة فالنحويون حين وضعوا قواعدهم كانوا يقولون ان القرآن نزل بلغة العرب لايخالفها في شيء ابدا ( مع ان بعض الكلمات فيه غير عربية تماما مثل منسأته )، ووضعوا القواعد النحوية بناء على الايات القرآنية في كثير من الاحيان . ومع هذا نجد القرآن يخالف قواعدهم في مواضع ليست قليلة غفلوا عنها وربما لو التفتوا لها عندما وضعوا القواعد النحوية لوضعوا لها مايناسبها، وهذه على اية حال مغالطة فعندما تضع قواعد للكلام مبنية على كلام معين ثم تقول بعد وضع القواعد ان هذا الكلام المعين مطابق للقواعد، فهذه مغالطة، لأن الحقيقة هي انك وضعت القواعد اصلا لتطابق هذا الكلام. فأنت أردت للقواعد أن تطابق القرآن فكيف تقول إن القرآن يطابق قواعدك؟ فأنت على سبيل المثال إذا أردت أن تبني منزلاً على وفق نموذج معين ( بيت معين ) فلا يحق لك أن تقول بعد ذلك أن النموذج يطابق منزلك، بل أنت أردت لمنزلك أن يكون مطابقاً للنموذج. وعلى أي حال قضية وضعهم القواعد لتطابق كلام الله تعالى في القرآن معروفة وهذا موجود في استدلالهم النحوي فهم يستدلون على صحة قاعدة نحوية بالقرآن . بل في كثير من القواعد لايوجد شاهد للقاعدة عندهم غير القرآن . ومع هذا يقولون وضعنا القواعد النحوية لفهم القرآن؟ والعجيب أن قواعدهم لا تتفق مع بعض الظاهر القرآنية، مما يدل على أنهم – على الأقل – أهملوا بعض الظواهر ولم يجدوا لها قاعدة تنتظمها، ولعلهم شعروا أنهم إن وضعوا لهذه الظواهر التي سموها شاذة (كذا) قواعد لكلفهم الأمر تهديم الكثير من قواعدهم، وربما أعادوا النظر في الدرس النحوي برمته كما يفعل بعض النحاة المعاصرين.
4-    والحقيقة ان جهودا كثيرا بذلت ، وكتبا قد ألفت قصدها التبسيط وكتبا نحت الى بناء نظريات نحوية جديدة  منذ زمن ابن مضاء القرطبي في كتاب “الرد على النحاة” الذي كان ثورة عارمة على النحو العربي بصورته المبثوثة في كتاب سيبويه ، ومن هذا القبيل مشروع الدكتور شوقي ضيف الذي يمكن اعتباره استكمالا لمشروع ابن مضاء المشار إليه، وغيره من الجهود، وهي جهود بدأت في العصر الحديث مع رفاعة الطهطاوي في كتابه “التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية” ثم توالت بعد ذلك، فكانت جهود حفني ناصف وزملائه في كتاب “قواعد اللغة العربية”، ثم جهود علي الجارم ومصطفى أمين في كتاب “النحو الواضح”، ثم كانت محاولة إبراهيم مصطفى في كتاب “إحياء النحو”، وهي محاولة جريئة نحو “تجديد النحو وتيسيره”؛ حيث تميزت بالدعوة إلى إلغاء نظرية العامل، ونظرية العامل تعد الأساس الذي أقام عليه النحاة بنيانهم النحوي أصوله وسننه، وهي أيضا الأساس الأول الذي استهدفه ابن مضاء، فقد هاجمها هجوما هدف منه إلى إلغائها وهدمها؛ إيمانا منه بأنها لا تفيد النحوي شيئا، يقول: “وقصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه، فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا (ضرب زيد عمرا) أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو إنما أحدثه (ضرب).. وهذا بيّن الفساد.
ورد ابن مضاء على من زعم أن نظرية العامل غرضها تيسير النحو وتسهيل تعلّمه بأنها لا تيسر ولا تسهل شيئا سوى حط كلام العرب عن رتبة البلاغة وادعاء النقصان فيما هو كامل.
وتأييدا من د/ضيف لرؤية ابن مضاء يعلق على ما سبق قائلا: “أليست فكرة العامل تجعلنا نفكر في محذوفات ومضمرات لم يقصد إليها العرب حين نطقوا بكلامهم موجزا، ولو أنهم فكروا فيها لنطقوا بها، ولخرج كلامهم من باب الإيجاز إلى باب الإطناب، وانفكت عنه مسحة الاقتصاد البليغ في التعبير”.
النتيجة التي نخلص إليها من كل ما تقدم هو أن قواعد النحو لم تكن قواعد بالمعنى العلمي الصحيح، فليست هي قواعد مانعة جامعة لا تختلف ولا تتخلف، وعليه لا ينبغي محاكمة كلام المعصوم عليها ولا القرآن الكريم، ولا يفعل هذا غير جاهل.
بل لقد ورد في الروايات ما يؤكد أن المعصوم لم يكن يعير أهمية تذكر لما يسمى تجوزاً بعلم النحو من قبيل ما ورد عن محمد بن مسلم قال : قرأ أبو عبد الله ( عليه السلام ) الآية الكريمة  {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }الصافات75،: نوحا قلت : نوح ! ثم قلت : جعلت فداك لو نظرت في هذا أعني العربية ، فقال : ( دعني من سهككم ). الامام ع يقرأ هنا نوح بالفتح وهو فاعل حقه الرفع ، وحين يقول له محدثه : لو نظرت في العربية يجيبه بقوله : دعني من سهككم . والسهك ريح كريهة يجدها الانسان فيمن يتعرق وهو ايضا صدأ الحديد ورائحة السمك الزنخة . وفي مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 4 – ص 279 –  جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين إن بلالا كان يناظر اليوم فلانا ، فجعل يلحن في كلامه ، وفلان يعرب ويضحك من فلان ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( إنما يراد اعراب الكلام وتقويمه ، ليقوم الاعمال ويهذبها ، ما ينفع فلانا اعرابه وتقويمه ، إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن ، وماذا يضر بلالا لحنه ، إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم ، ومهذبة أحسن تهذيب ). وفيه عن حويزة بن أسماء قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : انك رجل لك فضل ، لو نظرت في هذه العربية فقال : ( لا حاجة لي في سهككم هذا ).
وإذا كان الإمام الصادق (ع) قد قرأ ( نوح ) بالفتح في الرواية الأولى فهو في هذه الرواية لم يقرأ شيئاً ومع ذلك يقول له أسماء بن حويزة: ( لو نظرت في العربية ) الأمر الذي يدل على أنه (ع) كان في كل أحواله لا يعير أهمية لعلم النحو.
وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع ). وقال ع ايضا( أصحاب العربية يحرفون الكلم عن مواضعه ) . وعن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال : كان أبو عبد الله ( عليه السلام ) يكره الهمزة. بمعنى انه ع كان لا يلفظ الهمزة كما هو الحال في لهجة قريش، فالقرشيون لا يهمزون.. فلا يقولون بئر وانما بير.
بل ورد في القرآن آيات كثيرة تخالف النحو المتعارف، فالشبهة إذن من السخف بمكان. بل إن على طالب الحق أن يتحقق أولاً من كون السيد أحمد الحسن (ع) معصوماً من خلال الأدلة وهي النص تحديداً، فالعصمة أمر باطني، وليست شيئاً في ظاهر الخلقة، فإذا تأكد من عصمته فعليه أن يأخذ منه لا أن يفرض عليه!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

النجمة السداسية هي نجمة نبي الله داود وهي من مواريث الانبياء وليست للصهاينة

قال الامام اليماني احمد الحسن (ع) کتاب المتشابهات ج1ص40 : انتهى كلام الامام احمد الحسن اليماني وصي ورسول الامام المهدي (ع).

وهذه صورة سكانير لشجرة نسب الامام احمد الحسن (ع)

نسب الامام احمد الحسن (ع)

اضغط هنا للاطلاع على سيرة الامام احمد الحسن (ع) بالتفصيل. في الشكل ادناه  صورة سكانر لشجرة نسب الامام احمد الحسن (ع):     وهذه شهادة السيد محسن صالح حسين سلمان ...