عيسى (ع) ليس لاهوتا مطلقا

[انصح كل مسيحي يخاف سوء العاقبة أن يلتفت إلى أنّ ما تطرحه كنائسهم الآن وهو أنّ عيسى (ع) لاهوت مطلق قد خالفه فيما سبق كثير من المسيحيين، ومنهم اريوس وهم من كبار علماء المسيحيين، وكان ولايزال كثير من المسيحيين كشهود يهوا لايعتقدون بهذه العقيدة الباطلة السفيهة التي يردها الإنجيل والعقل، وقد بينت بطلانها في كتاب التوحيد بنص إنجيلي لايقبل التأويل واللبس، وبالدليل العقلي الواضح البين.]

السيد أحمد الحسن ـ كتاب الحواري الثالث عشر

كيف اختُرع الاعتقاد بألوهية المسيح في مجمع نيقية؟

[حضر افتتاح المجمع الإمبراطور قسطنطين الأول وبدأ مجمع نيقية جلساته في 20 مايو 325، عقد المجمع بناء على تعليمات من الإمبراطور قسطنطين الأول لدراسة الخلافات بين آريوس وأتباعه من جهة وبين كنيسة الإسكندرية ممثلة بالكسندروس الأول (بابا الإسكندرية) وأتباعه من جهة أخرى، حول طبيعة يسوع هل هي نفس طبيعة الرب أم طبيعة البشر.

أنكر آريوس ألوهية يسوع فاعتقد بأنه كان هناك وقت لم يكن يسوع موجوداً فيه، واعتبره رفيعاً بين مخلوقات الله ومِنْ صُنْعِهِ، كما اعتبر أن الروح القدس من صُنْعِ الله أيضاً. بينما أكد الكسندروس الأول (بابا الإسكندرية) على أن طبيعة المسيح هي من نفس طبيعة الله وتغلب رأي الكسندروس الأول (بابا الإسكندرية) بالاقتراع الذي كان تحت سلطة الإمبراطور قسطنطين المؤيد لبابا الإسكندرية، ورفض آريوس واثنين من القساوسة بإصرار التوقيع، من ثم تم نفيهم إلى اليرا (حالياً البلقان) وحرقت كتب آريوس وسمي مذهبه ببدعة آريوس ووصم أتباعه إلى اليوم بلقب أعداء المسيحية.

ونتج عن مجمع نيقية أول إشكال قانون الاعتقاد بألوهية المسيح ألوهية مطلقة، وبدأت علاقة الكنيسة بالسلطة بالتشكل بعد أن كانت كياناً دينياً. وبعد ثلاثة قرون من تطور الفكر الكنيسي واختلاطة بالأفكار والأديان المحيطة في كل الاتجاهات ومنها الوثنية الرومانية الديانة السابقة لقسطنطين أصبحت الكنيسة المدعومة من الإمبراطور الروماني هي المرجع و السلطة في تحديد من يدخل في نطاق الإيمان من عدمه).

هذا الكلام تقريباً مطابق لكل ما ورد عن الكنيسة وتاريخياً عن هذا المجمع بتصرف طبعاً، فلا أعتقد أن باحثاً منصفاً سيغفل عن إسناد قسطنطين لإلكسندروس وتثبيت عقيدته الوثنية في المسيحية، فبعد أن كان نصف القساوسة المسيحيين يؤيدون آريوس جعلهم الخوف من بطش قسطنطين يتراجعون، ومن لا يعلم من هو قسطنطين وكيف كان جباراً ويبطش بمن خالفه، ولو كان أقرب الناس منه فليراجع تاريخ هذا الطاغية الذي نشر المسيحية المحرفة في أوربا، والذي لم يتوانَ عن قتل أرحامه وأقرب الناس منه أن خالفوه. بينما تجد قساوسة اليوم يغضون النظر عن تاريخ قسطنطين الدموي ويصورون قسطنطين بأنه حمل وديع عقد المجمع وأعطى الحرية للجميع من وافقه ومن خالفه، ورغم أن نفي واضطهاد آريوس وتحريم اعتقاده بعد المجمع كاف للتعرف على الغاية والهدف من عقد هذا المجمع وهما القضاء على آريوس والاعتقاد بأن المسيح مجرد مخلوق ونشر الاعتقاد الوثني بالمسيح وإنه هو الله.

وهذا هو ما أقر في مجمع نيقية: (ترجمة النص اليوناني:

نؤمن بإلهٍ واحد، آبٍ قادر على كل شيء، صانع كل الأشياء المرئيّة واللامرئيّة، وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله، مولود الآب الوحيد، أي من جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إلهٌ حق من إلهٍ حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزلَ وتجسَّد، تأنَّس، تألَّم وقام في اليوم الثالث الذي بواسطتهِ كل الأشياء وُجِدَت، تلك التي في السماء وتلك التي في الأرض [و] صعدَ إلى السماوات، آتٍ ليدين الأحياء والأموات وبالروح القدس، أما أولئكَ الذين يقولون: “كان هناك وقتٌ فيهِ (الكلمة) لم يكن”، و: “قبل أن يكون مولوداً لم يكن” وبأنّهُ وُجِدَ ممّا هو غير موجود أو يقولون عن كيان ابن الله أنهُ من شخص أو جوهرٍ آخر أو (أنه “مخلوق” ! (أو أنهُ متحولٌ أو متغَيِّرٌ، أولئكَ) الكنيسة الجامعة تحرمهم.

وقام جميع الأساقفة الحاضرين بالتوقيع على قانون الإيمان هذا فيما عدا اثنين منهم – وربما أكثر – بالإضافة طبعا إلى آريوس وجماعته).

ويقول بابا الأرثوذكس في مصر شنودة الثالث في كتابه طبيعة المسيح (كان آريوس ينكر لاهوت المسيح، ويرى أنه أقل من الآب في الجوهر، وأنه مخلوق. ومازالت جذور الأريوسية قائمة حتى الآن. حتى بعد أن شجبها مجمع نيقيةالمسكونى سنة 325 م، ظل أريوس والأريوسيون من بعده سبب تعب وشقاق وشك للكنيسة المقدسة).

وطبعاً شنودة الثالث هنا يعرض بشهود يهوه المذهب المسيحي الذي أخذ بالانتشار بشكل كبير في العالم المسيحي وخصوصاً في الغرب وشهود يهوه لا يقرون بكثير من ضلالات الكنيسة من أمثال الثالوث وأن الكلمة هي الله وغيرها من البدع، ومما يدل على أن القول بلاهوت المسيح هو بدعة ثبتت في مجمع نيقية هو أن نصف الحاضرين في مجمع نيقية كانوا يؤيدون آريوس أو محايدين وإن الاعتقاد بأن عيسى(ع)(يسوع) مجرد مخلوق كانت هي المنتشرة والسائدة في عهد آريوس وهذا أمر يعترف به القساوسة في كتبهم وإلى اليوم:

جاء في أبحاث في المجامع المسكونية المسيحية – للمطران بيشوي: (…… 4- مجمع نيقية : 1 ظروف انعقاده …….

ب- أما السبب المباشر لعقد المجمع فقد كان بدعة أريوس، لأن الإمبراطوريـة كادت تنقسم بسبب تلك البدعة ……….

انعقد المجمع المسكوني بأمر الملك قسطنطين خوفاً من الانقسام الحاد الحادث في الإمبراطورية بسبب بدعة أريوس. وكان انعقاده سنة 325 م في نيقية بعدد 318 أسقفاً، كما ذكر القديس أثناسيوس الذي كان شاهد عيان وأحد أعضاء المجمع في خطاب له في البداية كان 16 أسقفاً مؤيدين لأريوس، و22 أسقفاً مؤيدين للبابا ألكسندروس، والباقي لم يكن موقفهم قد تحدد بعد. أما بنهاية المجمع فقد ظل أسقفين فقط مؤيدين لأريوس وهما سيكوندوسوثيئوناس اللذين رفضا التوقيع على إيمان المجمع مع الكهنة الملتصقين بهما، وفى أيام القديس إبيفانيوس كانت توقيعات الـ 318 الحاضرين في نيقية لازالت موجودة. هذا كان بفضل شرح القديس أثناسيوس للإيمان ورده على افتراءات أريوس، وفى هذا نرى مدى عظمة الدفاع السكندرى في المجمع. ولم يكن الوصول لقرار المجمع بالأمر الهين بل استدعى الأمر مجهوداً رهيباً …

5- مجمع نيقية: 2) آريوس وهرطقته ……..

مر وقت كاد فيه العالم كله تقريباً أن يصير أريوسياً لولا أثناسيوس. ففي وقت من الأوقات عزل الإمبراطور البابا الروماني وعين آخر مكانه ليوقع على قانون الإيمان الأريوسي، ولما عاد البابا من سجنه إلى كرسيه وقّع على قانون الإيمان الأريوسي الذي كان قد رفض التوقيع عليه من قبل. هذه هي المرحلة التي لم يبقَ فيها سوى أثناسيوس وأساقفته في مصر وحدهم هم المتمسكون بالإيمان الصحيح. لذلك ليس غريباً أن يقول اشعياء النبي: “مبارك شعبى مصر” (أش19: 25). لكن في أوقات أخرى كثيرة ساند كرسى روما البابا السكندري، مثل الباباوات معاصري البابا أثناسيوس الذين ساندوه.

انهارت المسيحية في العالم كله وخضعت أمام الطغيان الأريوسي ولم يبقَ سوى كرسي الإسكندرية ممثلاً في البابا السكندري المنفى وأساقفته المصريين. ونحن علينا أن نقتفي آثار خطوات آبائنا ……….) المجامع المسكونية المسيحية – المجامع المسكونية والهرطقات – المطران بيشوي]

من كتاب التوحيد للسيد أحمد الحسن.

عيسى سلام الله عليه يجهل الساعة

[- عيسى يقول عن نفسه إنه يجهل الساعة التي تكون فيها القيامة الصغرى: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب) (مرقس: 13)، والجهل نقص بينما اللاهوت المطلق كامل مطلق لا يعتريه نقص أو جهل؛ لأنه نور لا ظلمة فيه فالجهل يعتري المخلوق لوجود الظلمة في صفحة وجوده.

إذن، عيسى (ع) نور وظلمة وهذا يثبت المطلوب أنّ عيسى ليس لاهوتاً مطلقاً، بل عبد مخلوق من ظلمة ونور، وليس نوراً لا ظلمة فيه تعالى الله علواً كبيراً.

وفي هذا فصل الخطاب وبيان وموعظة لأولي الألباب، وهذا نص كلام عيسى (ع) كما جاء في إنجيل مرقس: «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب. 33 أنظروا. إسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت. 34 كأنما إنسان مسافر ترك بيته وأعطى عبيده السلطان ولكل واحد عمله وأوصى البواب أن يسهر. 35 اسهروا إذاً. لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً. 36 لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً. 37 وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا» إنجيل مرقس الأصحاح 13…]

كتاب التوحيد – السيد أحمد الحسن

هو الله سبحانه الواحد الأحد وكل من سواه خلقه

[الله سبحانه وتعالى رد في القرآن الكريم على الذين قالوا إن لله سبحانه ابناً انفصل عنه أو وُلِدَ منه أو صَدَرَ عنه بمعنى أنه لاهوت مطلق صدر عن لاهوت مطلق، أو الذين يقولون إن الإنسان المخلوق يمكن أن يرتقي حتى يكون موصولاً باللاهوت المطلق، أي أن حقيقة هذا الإنسان تكون اللاهوت المطلق؛ لأنه اتحد باللاهوت المطلق، وبهذا حسب تفكيرهم يكون اللاهوت المطلق قد نزل في الناسوت وبالجسد، أو بين الناس في إنسان منهم وهذا الإنسان يكون ابن الله.

والحقيقة مع أنّ هذا الطرح العقائدي الذي تبناه العلماء غير العاملين باطل، ولكن الله سبحانه وتعالى ولرحمته خاطبهم وكلمهم حتى في تفاصيل التنظير لهذا الاعتقاد، فتجده تعالى يفصل لهم ويبين لهم مواضع الخلل في عقيدتهم.

قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[الأنعام : 101].

﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾: وهذا النقض التام الذي كلمهم الله به لا يمكنهم رده بأي شكل أو صورة؛ حيث إنّ معناه: إنكم تقولون بوجود ولد له سبحانه وتعالى، وهذا الولد هو لاهوت مطلق (أي أنه كامل مطلق وغني مطلق لا يفتقر لغيره)، فإن قلتم إنه صدر منه وحده سبحانه وتعالى، فهذا يعني أن الإبن مطابق للأب تماماً – وبغض النظر عن أنّ الحقيقة البسيطة المطلقة يستحيل تعددها – فأي معنى ، وأي حكمة من هذا الصدور، مع عدم وجود أي تمايز أو اختلاف أو تغاير يمكن تصوره ؟! فهل تقولون إن الأب غير حكيم ليصدر أو ليلد ابناً له لا فائدة له سبحانه أو لغيره من صدوره؟!

وإن قلتم بوجود الاختلاف أو التمايز أو التغاير – كما يصرح النصارى اليوم إن الأقانيم متمايزة – فهذا يحتم وجود لاهوت ثان ﴿….. صَاحِبَةٌ …..﴾ ليكون الابن صادراً عن الاثنين فلا يطابق أحدهما؛ لأنه صدر عنهما معاً، فهل أنتم تقولـون بوجود اللاهوت الثاني (الصاحبة) الذي سبق الابن ([74]) ؟؟!!!

فاعلموا أنكم إن قلتم بوجود الابن فلابد أن تقولوا بوجود اللاهوت الثاني (الصاحبة) قبله وإلا فكيف تقولون بوجود الابن (اللاهوت المطلق الذي صدر عنه) دون وجود اللاهوت المطلق الثاني (الصاحبة) ابتداءً معه سبحانه وتعالى، ووجود الإله المطلق الثاني (الصاحبة) ابتداءً معه سبحانه وتعالى محال؛ لأن اللاهوت المطلق حقيقة بسيطة مطلقة ولا يمكن أن تتعدد ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾.

وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[المؤمنون: 91].

أي إن رتبتم ما توهمتوه من وجود الأقانيم الثلاثة (أو الأصول الثلاثة) بهذه الصورة، فقلتم بوجود الأب (الله سبحانه وتعالى)، واللاهوت المطلق الثاني الصاحبة (الابن)، ثم صدر عنهما اللاهوت المطلق الثالث (الاقنوم الثالث) الروح القدس ، فالكلام يكون في وجود اللاهوت الثاني ابتداءً مع الله سبحانه وتعالى، فهل يوجد تمايز بينهما أم لا ؟ أي أنّ كليهما واحد ؟

فمن يختار أنّ كليهما واحد يعود عليه النقض السابق؛ لأن الصادر عنهما مطابق لكل واحد منهما، ومن يختار التمايز بينهما ستنتقض عنده ألوهية الثاني ألوهيةً مطلقة؛ لورود النقص عليه، فالتمايز لا يكون إلا بالكمال المطلق ﴿….. وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.

والعلماء غير العاملين لأنهم نكسوا فطرتهم وانقلبوا رأساً على عقب، قالوا إن لله ولداً سبحانه وتعالى عما يصفون ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ @ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الصافات: 151 – 152].

فلو أنهم عادوا إلى فطرة الله وتفكروا في آلاء الله لأنقذوا أنفسهم من هذا الهلاك المبين وتجنبوا الكلام فيما لا يعلمون، وكلام الإنسان فيما لا يعلم كذب ﴿إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، قال تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً @ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾[الكهف: 4 – 5].

وأيضاً: نقض الله سبحانه وتعالى عليهم مبدأ تعدد اللاهوت المطلق من أساسه كيفما كان الاعتقاد به:

قال تعالى: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[يونس : 68].

﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾: ومبدأ هذا النقض على كل من قال بتعدد اللاهوت المطلق – سواء بالبنوة أم بصورة أخرى يتوهمها من ضل عن سواء السبيل- هو أنّ الله قد أودع في فطرة الإنسان ما يميز به بين الحكمة والسفه ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[الشمس: 8]،فكل من استعمل هذا الميزان سيحكم بأن القول بتعدد اللاهوت مع عدم وجود مائز هو سفه ولا حكمة فيه. وبالتالي لا يبقى إلا القول بالتمايز، وهذا يُنقض بكلمة واحدة ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ فالتمايز في اللاهوت لا يكون إلا في الكمال، فيتعين فقر ونقص غيره فينتقض قول إن غيره لاهوت مطلق.

أما بالنسبة لمسألة ارتقاء الإنسان، فإن الله خلق الإنسان وأودع فيه الفطرة التي تؤهله إلى الارتقاء حتى يكون أسماء الله وصورة الله وتجلي الله والله في الخلق، ولكنه مهما ارتقى لن يكون لاهوتاً مطلقاً ولا غنياً مطلقاً، بل يبقى مخلوقاً وفقيراً إلى الله سبحانه وتعالى ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾[النور: 35]، يكاد لا أنه يضيء من نفسه فيكون لاهوتاً مطلقاً، فكل من سواه خلقه وفقراء إليه سبحانه وتعالى ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[مريم: 35].

وفي هذا النقض المتقدم الذي جاء في القرآن الكريم كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

أما قولهم إنه واحد أحد مع قولهم بالأقانيم الثلاثة المتمايزة المستقلة بذاتها التي يرسل بعضها بعضاً حسب اعتقادهم وقولهم بوجود علاقة بينها كعلاقة البنوة والأبوة …. الخ، فهو قول يعلمون أنه سفيه ([75])، وإلا كيف تجتمع الوحدة الأحدية مع تعدده وتجزئته وتمايز أجزائه وإن لم يسموها أجزاء.

ولو أعرضنا عن كل ما تقدم فبيان باطلهم يكفيه هذا البيان إن كانوا يعقلون، وهو:

إنّ الله نور لا ظلمة فيه، وكل عوالم الخلق هي نور مختلط بالظلمة وموجودات ظهرت بتجلي نوره سبحانه في الظلمات، ولذا فلا يمكن اعتبار أن الله قد حل في مخلوق أو ظهر في مخلوق ظهوراً تاماً في عوالم الخلق – كما يدعون بعيسى وروح القدس – ؛ لأن معنى هذا أنها لا تبقى بل تفنى ولا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه، أي لا يبقى خلق بل فقط الله سبحانه وهو نور لا ظلمة فيه، ولذا قلنا وكررنا إن محمداً يخفق بين اللاهوت والأنا والإنسانية، وأكدت هذا لكي لا يتوهم متوهم أن الله – وهو نور لا ظلمة فيه – يحل في عوالم الخلق تعالى الله علواً كبيراً، والأمر بيّن واضح فمعنى ظهور النور الذي لا ظلمة فيه في عوالم الخلق ظهوراً تاماً هو فناؤها واندثارها ولا يبقى لها اسم ولا رسم ولا معنى، بل لا يبقى إلا الله النور الذي لا ظلمة فيه تعالى الله علواً كبيراً.]

كتاب التوحيد – السيد أحمد الحسن

إقرأ ايضاً