من هو الحجر الذي رفضه البناؤون والذي قد صار رأس الزاوية؟

((قال لهم يسوع اما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ومن قبل الرب كان هذا وهو عجيب في اعيننا لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى الأمة التي تعمل إثماره ومن سقط عليه هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه) ([74]).
فالحجر الذي تكلم عنه عيسى (ع) هو في أمة أخرى غير الأمة التي كان يخاطبها، فالملكوت ينزع من الأمة التي كان يخاطبها عيسى (ع)، وهم بنو إسرائيل والذين آمنوا بعيسى (ع) – لأنه كان يخاطب بهذا الكلام تلاميذه المؤمنين به وغيرهم من بقية الناس – ويعطى للأمة المرتبطة بالحجر التي تعمل إثمار الملكوت، فكلام عيسى (ع) واضح كل الوضوح؛ أنه في بيان فضل حجر الزاوية، وإن الملكوت سينزع في النهاية ممن يدعون أتباع عيسى ويعطى لأمة الحجر وهم أمة محمد وآل محمد (ص)، فعيسى (ع) ربط بحكمة بين الحجر وبين الأمة التي تعطى الملكوت في النهاية، وأيضاً قابل هذه الأمة ببني إسرائيل ومن يدعون اتباعه وبيَّن أنهم لن يناولوا الملكوت في النهاية، فعيسى (ع) جعل الحجر علة إعطاء الملكوت لأمة أخرى غير الأمة التي تدعي اتباع موسى (ع) وعيسى (ع)، أي إن من يشهد لهم الحجر بأداء العهد والميثاق ومن ينصرونه هم من سيرثون الملكوت سواء كان في هذه الأرض بإقامة حاكمية الله، أم في السماوات عندما يكشف الله لهم عن ملكوته ويجعلهم ينظرون فيه، أم في النهاية عندما يسكنهم الله الجنان في الملكوت. ومن يريد أن يُفسِّر هذا الكلام بصورة أخرى ويقول إن عيسى أراد بهذا الكلام نفسه ويصر على هذا القول فإنه يغالط ولا يطلب معرفة الحقيقة، وإلا فليقرأ أصل القول وهو لداود (ع) في المزامير فأيضاً يمكن أن يقول اليهود إن داود قصد نفسه، وهكذا لا ينتهي الجدل ولكن الحقيقة أن داود (ع) وعيسى (ع) أرادوا المخلص الذي يأتي باسم الرب في آخر الزمان، وقد بشَّر به عيسى (ع) في مواضع أخرى في الإنجيل وسماه المعزي والعبد الحكيم وهنا سماه حجر الزاوية، فيكون السؤال: من هو الذي عرف أو يمكن أن يعرف بأنه حجر الزاوية، هل إن داود أو عيسى (عليهما السلام) عرفوا بأنهم حجر الزاوية في بيت الرب أو ذكروا في موضع آخر على أنهم حجر الزاوية في بيت الرب، وهل هناك حجر موضوع في زاوية بيت الرب أو الهيكل عند اليهود والنصارى يدل على داود أو عيسى (عليهما السلام) ؟ الحقيقة أن هذا غير موجود ولكنه موجود في الأمة الأخرى من ولد إبراهيم (ع)، وفي بيت الرب الذي بناه إبراهيم (ع) وإسماعيل (ع) ابنه، وموجود في الزاوية وبالذات الزاوية التي اسمها الركن العراقي، وكل هذه الأمور تشير إلى أمر واحد هو المخلص الذي يأتي في آخر الزمان أو الذي أشار إليه داود في المزامير أنه حجر الزاوية والآتي باسم الرب.
(……………19 افتحوا لي أبواب البر. أدخل فيها وأحمد الرب. 20 هذا الباب للرب. الصديقون يدخلون فيه. 21 أحمدك لأنك استجبت لي وصرت لي خلاصاً. 22 الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية. 23 من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا 24 هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. نبتهج ونفرح فيه. 25 آه يا رب خلص. آه يا رب أنقذ. 26 مبارك الآتي باسم الرب. باركنا كم من بيت الرب ………) ([75]).
وللتأكيد أكثر على أن المراد بحجر الزاوية في التوراة وفي الإنجيل هو المخلص الذي يأتي في آخر الزمان وفي العراق وهو قائم الحق أورد هذه الرؤيا التي رآها ملك العراق في زمن دانيال النبي (ع) وفسرها دانيال النبي (ع) وهي تكاد لا تحتاج إلى توضيح.
وهذا قول دانيال النبي (ع) لملك العراق وهو يخبره برؤياه وتفسيرها كما في التوراة الموجود: (…………….31 أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل. 32 رأس هذا التمثال من ذهب جيد. صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. 33 ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف. 34 كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. 35 فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها. 36 هذا هو الحلم. فنخبر بتعبيره قدام الملك 37 أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. 38 وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب. 39 وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض. 40 وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء. 41 وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين. 42 وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً. 43 وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. 44 وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. 45 لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد غرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين) ([76]).
إذن فالحجر أو المخلص الذي ينقض هيكل الباطل وحكم الطاغوت والشيطان على هذه الأرض، ويكون في ملكه نشر الحق والعدل في الأرض، يأتي في آخر الزمان ويأتي في العراق كما هو واضح في رؤيا دانيال، وهو الحجر الذي ينسف الصنم أو حكم الطاغوت والأنا، بينما لا عيسى (ع) ولا داود (ع) أرسلوا في العراق وفي آخر الزمان، فلا يمكن أن يكون أي منهما هو حجر الزاوية المذكور، بل تبين بوضوح من كل ما تقدم أن حجر الزاوية في اليهودية والنصرانية هو نفسه الحجر الأسود الموضوع في زاوية بيت الله الحرام في مكة.
فالحجر الأسود الموضوع في ركن بيت الله والذي هو تجلي ورمز للموكل بالعهد والميثاق، هو نفسه حجر الزاوية الذي ذكره داود وعيسى (عليهما السلام)، وهو نفسه الحجر الذي يهدم حكومة الطاغوت في سفر دانيال (ع)، وهو نفسه قائم آل محمد أو المهدي الأول الذي يأتي في آخر الزمان كما روي عن رسول الله محمد (ص) وأهل بيته (ع).


السيد أحمد الحسن – الجواب المنير ج4

هوامش:

[74]- انجيل متى الاصحاح الحادي والعشرون.
[75]- التوراة – مزامير – المزمور المائة والثامن عشر – العهد القديم والجديد ج1 – مجمع الكنائس الشرقية: ص915.
[76]- التوراة – سفر دانيال – الاصحاح الثاني.

إقرأ ايضاً