قال عيسى : (وأما الآن فأنا ماضي للذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي ولكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم لكن أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أُرسله إليكم ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطيئة وعلى بر وعلى دينونة أما على خطيئة فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين).
إنجيل يوحنا : الإصحاح السادس عشر
فمن هذا المعزي الذي يرسل؟ ومن هذا الذي يبكت العالم على خطاياهم وتكذيبهم الأنبياء والرسل وقتلهم ، وعلى تركهم حق الأنبياء ووصاياهم ، وعلى تضيعهم حظهم في القيـامة الصغرى ، وخذلانهم رئيس هذا العالم وهو الإمام المهدي (ع).
وقال عيسى (ع) : (إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور كثيرة ذلك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم).
إنجيل يوحنا : الإصحاح السادس عشر
وعن أبي عبد الله (ع) ، قال : (العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً ، فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً).
وأظن ما تقدم وإن كان مختصراً يكفي لمن يطلب الحق والحقيقة ، وإذا أردتِ المزيد ففي رؤيا يوحنا اللاهوتي الكثير لمن يطلب الحقيقة ،لم أتعرض له للاختصار.
هل المعزي هو روح محض؟
المسيحيون يؤمنون بأن المعزي هو الروح القدس.
نحن لا نعترض على ذلك، إذا كان المقصود أن المعزي هو شخص ممتلئ من الروح القدس، كما امتلأ السيد المسيح (ع) من الروح القدس.
لكنهم يعتقدون أن المعزي ليس شخصًا، بل روح محض لا يأتي في الجسد. ويؤكد الأنبا أثناسيوس ذلك في تفسيره لإنجيل يوحنا، حيث يقول:
البارقليط هو روح الله القدوس نفسه المعزي، البارقليط: المعزي (الروح القدس الذي يرسله الأب باسمي) (يوحنا 14/26)، وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين (أعمال 2/1 – 4) فامتلأوا به وخرجوا للتبشير، وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين، وهو هبة ملازمة للإيمان والعماد.
الجواب هو أن الأصل في الإرسال أن يرسل الله بشرًا إلى البشر، وبالتالي، القول بأن المعزي ليس بشرًا بل مجرد روح يخالف هذا الأصل، ويحتاج إلى دليل واضح من المسيحيين. فمن يدّعي خروج المعزي عن هذا الأصل هو الذي يتحمل مسؤولية تقديم إثبات قطعي.
أما أوصاف المعزي فتدل بوضوح على أنه شخص وليس مجرد روح، ومن بين هذه الأوصاف:
عد 16: 28 فقال موسى بهذا تعلمون ان الرب قد ارسلني لاعمل كل هذه الاعمال وانها ليست من نفسي.
عد 24: 13 ولو اعطاني بالاق ملء بيته فضة وذهبا لا اقدر ان اتجاوز قول الرب لاعمل خيرا او شرا من نفسي.الذي يتكلمه الرب اياه اتكلم.
وهذا وصف عيسى لنفسه ايضا
يو 5: 30 انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا.كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لاني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي ارسلني
يو 7: 17 ان شاء احد ان يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله ام اتكلم انا من نفسي
.يو 7: 28 فنادى يسوع وهو يعلّم في الهيكل قائلا تعرفونني وتعرفون من اين انا ومن نفسي لم آت بل الذي ارسلني هو حق الذي انتم لستم تعرفونه
.يو 8: 28 فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون اني انا هو ولست افعل شيئا من نفسي بل اتكلم بهذا كما علّمني ابي
.يو 8: 42 فقال لهم يسوع لو كان الله اباكم لكنتم تحبونني لاني خرجت من قبل الله وأتيت.لاني لم آت من نفسي بل ذاك ارسلني
.يو 12: 49 لاني لم اتكلم من نفسي لكن الآب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول وبماذا اتكلم
.يو 14: 10 ألست تؤمن اني انا في الآب والآب فيّ.الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الاعمال.
هذا يدل على أن المعزي ليس الروح القدس بالمفهوم المسيحي، بل هو شخص مرسل قد يُكذب به من البعض، كما كُذب الأنبياء السابقون.
-
“خير لكم أن أنطلق – إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي”
ورد في النصوص ما يشير إلى أفضلية المعزي على عيسى (عليه السلام)، حيث قال: “لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ”.
من الواضح أن قوله “خير لكم” يدل على أن المعزي يتمتع بميزة خاصة تفوق وجود عيسى (عليه السلام) معهم.
هذه الحقيقة لا يمكن أن تكون صحيحة إلا إذا فهمنا أن المعزي هو شخص آخر مستقل، وليس مجرد روح غير مرئي. فهناك احتمالان آخران:
- إذا كان المعزي هو الروح القدس كما يعتقد المسيحيون، فهذا غير منطقي لأنهم يرونه جزءًا من الثالوث، والأقانيم متساوية في الفضل، فلا يمكن أن يكون أحدها “خيرًا” من الآخر.
- إذا كان المعزي مخلوقًا غير بشري، فهذا أيضًا غير منطقي، لأن وجود عيسى (عليه السلام) بينهم وهو مؤيد بالروح القدس لا يمكن أن يكون أقل نفعًا من وجود هذا المخلوق المزعوم.
وعلاوة على ذلك، الروح القدس وفق التصور المسيحي لا يتعارض وجوده مع وجود عيسى (عليه السلام)، وبالتالي لا معنى لربط مجيء المعزي بمغادرة عيسى.
-
“متى جاء ذاك – ويخبركم بأمور آتية”
هذا النص يدل على أن المعزي سيأتي ليخبر الناس بأمور مستقبلية، مما يشير إلى أنه ليس مجرد وحي داخلي، بل رسول يحمل رسالة واضحة للناس.
-
“معزيًا آخر” – دليل على بشرية المعزي
من أهم الأدلة على بشرية المعزي هو أنه من نفس نوع المسيح، حيث قال يسوع (ع): “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر”.
المعزي الأول هو يسوع (ع)، والمعزي “الآخر” يعني شخصًا مماثلًا له، أي إنسانًا وليس روحًا مجردة.
إضافة إلى ذلك، النص اليوناني الأصلي يستخدم كلمة “allon”، والتي تعني “آخر من نفس النوع”، بينما لو كان المعزي كائنًا مختلفًا تمامًا، لكان النص استخدم كلمة “hetenos”، التي تعني “آخر من نوع مختلف”. وهذا دليل لغوي على أن المعزي شخص بشري مثل عيسى (عليه السلام).
-
“لا يستطيع العالم أن يقبله”
قال يسوع (ع): “روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله”.
هذا التعبير مشابه لما ورد في وصف المسيح المنتظر في العهد القديم: “الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية”.
وهذا يدل على أن المعزي هو نفسه المسيح المنتظر، وليس مجرد كائن روحي غير مرئي.
-
وظائف المعزي وفق النصوص:
النصوص تصف المعزي بأنه:
- “يعلمكم” → أي أنه يحمل تعاليم واضحة للناس.
- “يذكركم” → أي أنه يأتي ليذكرهم بالحق الذي جاء به الأنبياء قبله.
- “يشهد لي” → أي أنه يشهد لعيسى (عليه السلام) ويؤكد صدقه ورسالته.
- “يبكت (يفحم أو يوبخ)” → أي أنه يقيم الحجة ويفضح الظلم والانحراف عن الدين الحق.
- “يرشدكم” → أي أنه يدل الناس على طريق الحق والهداية.
هذه الأوصاف كلها تدل على شخص رسول يحمل رسالة للناس، وليس مجرد روح غير مرئي يعمل داخل القلوب.
تفنيد الادعاءات المسيحية حول طبيعة المعزي: روح أم شخص مرسل؟
يستدل المسيحيون بعدة صفات ليؤكدوا أن المعزي هو روح وليس شخصًا، وفيما يلي تفنيد لهذه الادعاءات والرد عليها:
-
“الروح القدس – روح الحق”
- يقول المسيحيون إن الروح لا يمكن أن يكون بشرًا.
- الرد: ورد في النص:
“فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم”.
“بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله، وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم”.
→ هذه النصوص تؤكد أن كلمة “روح” لا تعني بالضرورة كيانًا غير بشري، فقد أُطلقت على الأنبياء سواء كانوا صادقين أو كاذبين.
→ وهذا يعني أن المعزي يمكن أن يكون شخصًا ممتلئًا بالروح القدس، وليس روحًا مجردة.
→ كما أن النص يؤكد وجود أنبياء صادقين قادمين، وإلا لما أوصى المسيح باختبارهم! ولو لم يكن هناك أنبياء، لقال ببساطة: “لن يأتي أنبياء بعدي”.
-
“ليمكث معكم إلى الأبد”
- المسيحيون يستدلون بأن المعزي لا يمكن أن يكون بشرًا لأنه يمكث إلى الأبد.
- الرد:
→ “مملكته أبدية وهي مملكة العدل”، والمقصود أن رسالته ومنهجه يبقيان إلى نهاية الدنيا، وليس أن شخصه سيبقى حيًا إلى الأبد.
→ وهذا يتماشى مع نبوءة المخلّص الذي من ذرية داود (عليه السلام)، حيث تبقى دولته قائمة إلى نهاية الزمان، وليس بالضرورة أن يبقى هو بشخصه.
-
“لا يستطيع العالم أن يقبله”
- هذا الاستدلال في الواقع يدعم فكرة أن المعزي شخص بشري وليس ضدها.
- لقد أوضحنا سابقًا أن هذا الوصف ينطبق على المسيح المنتظر، الذي رفضه الناس في البداية.
-
“لا يراه – لا يعرفه”
- يقول المسيحيون: بما أن العالم لا يراه، فهذا يعني أنه روح غير مرئي.
- الرد:
→ في الحقيقة، الرؤية هنا لا تعني رؤية العين (البصر)، بل رؤية البصيرة.
→ كما ورد في متى 13:13:
“من أجل هذا أكلمهم بأمثال، لأنهم مبصرون ولا يبصرون، وسامعون ولا يسمعون ولا يفهمون”.
→ أي أن المقصود هو عدم إدراكهم له وليس عدم رؤيته جسديًا.
-
“ماكث معكم ويكون فيكم”
- يستدلون بهذه العبارة إلى أن المعزي يسكن داخلهم كروح وليس شخصًا مرسلًا.
- الرد:
→ جاء في رومية 8:9:
“وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكنًا فيكم”.
→ لكن هذا لا يعني أن من يسكن فيهم ليس كيانًا بشريًا، بدليل أن المسيح نفسه، وهو شخص بشري، قال:
- “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” (يوحنا 6:56).
- “اثبتوا فيّ وأنا فيكم. كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا فيّ” (يوحنا 15:4).
→ ولم يكن المسيح روحًا مجردًا، بل كان إنسانًا متجسدًا.
→ وبالتالي، فإن المعزي يمكن أن يكون شخصًا مرسلًا ومؤيدًا بالروح القدس، وليس روحًا غير مرئي كما يعتقد المسيحيون.
النتيجة:
النصوص لا تنفي بشرية المعزي، بل تؤكدها، حيث تصفه بصفات تتوافق مع شخص مرسل يحمل رسالة من الله، وليس مجرد روح تحل في القلوب.