هناك دعاء لمن اراد ان يريه الله سبحانه رؤيا تبين صاحب الحق. إقرأ الدعاء.
الرؤيا
الرؤيا…
جسر بين عالمي الغيب والشهادة، هي رسالة بلغة إلهية قادمة من عالم آخر لتخاطبنا برموز وقصص ولتقودنا – إن قبلنا – خلال مسيرنا إلى الحقيقة وإلى النور. وقد روت لنا النصوص الدينية – التوراة والانجيل والقرآن وروايات أهل البيت (ع) – قصصًا للرؤيا، وجلَّت لنا أهميتها الكبيرة ككلمة الرب لعباده، وكوحي إلهي بدأت منذ زمن الإنسان الأرضي الأول خليفة الله آدم (ع) واستمرت حتى يومنا هذا. وقد عانقت الرؤى أرواح خلفاء الله دائمًا ووجَّهت خطواتهم في هذا العالم، فهي طريق الوحي للأنبياء. بيد أن هذه الرسائل الغيبية لا تقتصر على الصالحين فقط، بل هي حاضرة لجميع الناس بمختلف أماكنهم وأزمنتهم وألسنتهم وعقائدهم وخلفياتهم، وحتى للطالحين منهم. ويمكن أن توصل بشارة بصلاح الطريق أو إنذارا من فساده وسوء عاقبته، أو كاشفة لأمور مستقبلية أو محذرةً من آفاق مظلمة، كما حدث مع فرعون الذي انكشفت له أسرار رؤياه بفضل تفسير نبي الله يوسف (ع). لكننا في هذا الكتاب نركز على دورها كنص تشخيصي من الله على خليفته؛ أي كدليل يُعلِمنا أن شخصًا ما هو حقًا مرسل من الله، وليس مجرد مدّعٍ كاذبٍ. والحقيقة أنها دليل قطعا يلزمنا جميعا إنْ تحققت فيها الشروط التالية:
- مطابقتها للنص الإلهي التشخيصي الصادر من خليفة الله السابق؛ لأنه بعد آدم (ع) أصبح الخليفة ينص على وصيه أو أوصيائه من بعده. فلا توجد أي قيمة لرؤى يدعيها شخص غير منصوص عليه بعد آدم (ع)، ولا داعي للنظر فيها أصلاً.
2.تواترها عند أشخاص يمتنع تواطؤهم على الكذب.
3.توافرها على ما يمنع كونها من الشيطان؛ كوجود معصوم أو قرآن أو إخبار غيبي.
4.محكمة المعنى بمجملها في التنصيص على شخص بعينه.
وبذلك تكون شهادة عظيمة من الله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض مرافقة لخليفة الله منذ اليوم الأول من إعلان دعوته، بل وتكون مرافقة له حتى قبل إعلان دعوته للناس. والله سبحانه في القرآن عرض نفسه كشاهد لخلفاءه عند المكلفين في كثير من الآيات ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[1] ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾[2] ﴿لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾[3] ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾[4] ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾[5] ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾[6]، فشهادة الله بالرؤيا في النوم واليقظة لوحدها كافية لتشخيص خليفة الله في أرضه ﴿قُلْ كَفَى﴾. ومن أراد الاستزادة حول مكانة الرؤيا الصادقة في دين الله ومعرفة الأدلة على كونها نص إلهي على خليفة الله ودليل يشخصه فليراجع كتاب عقائد الإسلام للإمام أحمد الحسن.
وقد أخبرنا آل محمد (ع) بأنهم يجتمعون على صاحب الأمر إذا جاء: عن الحضرمي قال دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله (ع) وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان وقلنا ما ترى فقال (اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح)[7]. ولا يمكن ان يجتمعوا في هذه الدنيا وقد مضوا (ع) وبقي من الأئمة الاثني عشر فقط الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي (ع)؛ وبالتالي المقصود باجتماعهم هو اجتماعهم (ع) في عالم الرؤيا لتأييد صاحب الحق وحث الناس على نصرته؛ وهذا بالفعل ما تحقق في الواقع.
وعن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (ع) عند أبي عبد الله (ع) فقلت: كيف لنا نعلم ذلك؟ فقال (ع): (يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة (اسمعوا وأطيعوا))[8]. وهذه الصحيفة ليست مادية وإنما هي رسالة من الملكوت أي أنها رؤيا رآها النائم قبل أن يصبح.
وقد تكفل أهل البيت (ع) في رواياتهم ببيان ارتباط قضية الإمام المهدي (ع) بالرؤيا كما في هذا الحديث الذي يربط الرؤيا برقبة صاحب هذا الأمر: عن البيزنطي قال سألت الرضا (ع) عن مسألة الرؤيا فأمسك ثم قال (ع) (إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم واخذ برقبة صاحب هذا الأمر (ع))[9] .
بل وحتى في النبوؤات عن آخر الزمان الموجودة في التوراة والإنجيل نجد فيها ارتباط قضية المخلص والمنقذ الذي سيأتي في آخر الزمان بالرؤيا: (ويكون بعد ذلك أني اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى.)[10]
“في رحاب الملكوت”…
يأخذكم في رحلة روحية عبر شهادات ملكوتية. ليُقدم لكم قسمًا يسيرًا من بين آلاف الرؤى الصادقة، والتي تم توثيقها بأسماء أصحابها وبلدانهم وعقائدهم قبل اعتناقهم للدعوة المهدوية. كل هؤلاء يجمعون في شهاداتهم على أحقية الإمام أحمد الحسن المهدي الأول من المهديين الإثني عشر المذكور في وصية رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته، واليماني الموعود، رسول من الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ورسول من عيسى (ع) للمسيحيين ورسول من إيليا (ع) لليهود؛ والمنقذ المهدي حامل الأمل والخلاص الذي بشرت به الديانات السماوية بمختلف ألقابه.
وقد توفرت فيها كل الشروط التي تجعلها دليلا قطعيا ووحيا إلهيا ينص ويشخص الإمام أحمد الحسن:
- هذه الرؤى تتناسب وتتوافق مع النص التشخيصي من رسول الله (ص) في وصيته التي أملاها في الليلة التي كانت فيها وفاته ووصفها بالكتاب العاصم من الضلال لمن تمسك بها الى يوم القيامة والتي يوصى فيها بخلفاءه من بعده الأئمة الإثني عشر والمهديين الإثني عشر وتشخص أولهم أحمد.
- نجزم بصدق رواتها، فعند التأمل في شهاداتهم، يظهر واضحًا أنهم يمثلون مجتمعًا متنوعًا من مناطق وبلدان ومدن مختلفة ويتحدثون لغات مختلفة وكذلك خلفياتهم العقائدية مختلفة، فلم يسبق لأكثرهم أن التقوا أو تعارفوا بأية صورة من الصور، بل إن الكثير منهم كانت الرؤيا سبباً في دخوله الى الدعوة المهدوية المباركة. إذن هذه الرؤى متواترة ويمتنع تواطؤ رواتها على الكذب فليس لديهم أي سبب مشترك أو غير مشترك يدفعهم إلى الافتراء والتزوير.
- اقتصرنا في هذا السياق على الرؤى التي فيها معصوم (ملائكة وأنبياء ومرسلين وأوصياء وأهل البيت (ع)) لأن الشيطان لا يتمثل بهم، فنكون بذلك متأكدين أنها رسائل صادقة من الله وليست مجرد أضغاث أحلام أو إلهاءات من الشيطان أو النفس كما قد يظنه البعض.
- محكمة في التنصيص على الإمام أحمد الحسن.
ندعوكم لهذه المائدة التي نزلت من السماء، فربما لن يحضر إليها من يظهرون أنهم يطيلون الصلاة والدعاء، بل يحضر إليها الخاطئون فيتوبوا إلى الله، لهذا قد بُعث الإمام أحمد الحسن، لإصلاح هؤلاء.
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ … بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ)[11].
الاستخارة
وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت (ع) بشأن الإستخارة، إليكم البعض منها:
عن أبي عبدالله (ع) (صل ركعتين واستخر الله، فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له ألبتة) [وسائل الشيعة / باب صلاة الإستخارة].
وعنه (ع) (من استخار الله راضياً بما صنع خار الله له حتماً) [ المصدر نفسه ].
وعنه (ع) (كنا نتعلم الإستخارة كما نتعلم السورة من القرآن، ثم قال: ما أبالي إذا استخرت على أي جنبي وقعت)) [ نفسه ].
وأكثر من ذلك وردت أحاديث في النهي عن مخالفة الإستخارة وعصيانها، أو التوجه الى أمر، والدخول فيه دون الإستخارة عليه. فعن أبي عبدالله (ع) (من دخل أمراً بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر)) [ نفسه ].
وعنه (ع) (قال الله عز وجل: من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني)) [ نفسه ].
وعنه (ع) وقد سأله بعض أصحابه (من أكرم الخلق على الله؟ قال: أكثرهم ذكراً لله وأعملهم بطاعته. قلت: من أبغض الخلق الى الله؟ قال: من يتهم الله. قلت: وأحد يتهم الله؟ قال: نعم، من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط لذلك، فذلك الذي يتهم الله)) [ نفسه ].
وقد وردت عدة طرق للاستخارة و سؤال الله ومعرفة جوابه سبحانه وتعالى من الرسول الاكرم محمد (ص) واهل بيته (ع).
إن صفوان الجمال، وهو من أصحاب الإمامين؛ الكاظم والرضا (ع) (قطع على إمامة الرضا (ع) في فتنة الواقفية من خلال الإستخارة.
فعن علي بن معاذ، قال : ((قلت لصفوان بن يحيى: بأي شئ قطعت على علي – أي الرضا (ع) – قال: صليت ودعوت الله، واستخرت وقطعت عليه)) (غيبة الطوسي: 54) إذن صفوان الجمال قطع بإمامة الرضا (ع) بالإستخارة.
وإليكم هذا الحديث المهم جدا والذي يربط الاستخارة بالامام المهدي (ع)
كتاب الغيبة – محمد بن إبراهيم النعماني – ص 221 – 222
عن أبي محمد موسى بن هارون بن عيسى المعبدي ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ( عليهما السلام) ، عن أبيه ، عن جده ، عن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) ، قال : ” جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، نبئنا بمهديكم هذا ؟ فقال : إذا درج الدارجون ، وقل المؤمنون ، وذهب المجلبون ، فهناك هناك . فقال : يا أمير المؤمنين ، ممن الرجل ؟ فقال : من بني هاشم ، من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت ، ومخفر أهلها إذا أتيت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت ، ولا يجبن إذا المنايا هلعت ، ولا يخور إذا المنون اكتنعت ، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت ، مشمر مغلولب ، ظفر ضرغامة ، حصد مخدش ذكر ، سيف من سيوف الله ، رأس ، قثم ، نشؤ رأسه في باذخ السؤدد ، وعارز مجده في أكرم المحتد ، فلا يصرفنك عن بيعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة كل مناص ، إن قال فشر قائل ، وإن سكت فذو دعائر . ثم رجع إلى صفة المهدي ( عليه السلام ) فقال : أوسعكم كهفا ، وأكثركم علما ، وأوصلكم رحما ، اللهم فاجعل بعثه خروجا من الغمة ، واجمع به شمل الأمة ، فإن خار الله لك فاعزم ، ولا تنثن عنه إن وفقت له ، ولا تجوزن عنه إن هديت إليه ، هاه – وأومأ بيده إلى صدره شوقا إلى رؤيته”.
من كتاب جامع الادلة للدكتور ابو محمد الانصاري
من طرق معرفة الغيب؛ الإستخارة، ومن يراجع كتاب (ما وراء الفقه) للسيد الصدر يجد بحثاً ممتازاً في حجية الإستخارة، يقول في فقرة منه: (إن الإنسان المؤمن إذا ما استنصحه أخاه المؤمن فإنه لا يغشه، فكيف بالله تعالى)؟ أقول أم لعلكم تخافون أن يحيف الله عليكم؟ {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }النور50.
وللسيد ابن طاووس الحسني الحلي كتاب بعنوان ( فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب في الاستخارات )، أورد فيه أدلة كثيرة على الإستخارة؛ منها قوله: ( إعلم أنّني وجدت تدبير الله جل جلاله لمصالح عباده ما ليس هو على مرادهم ، بل هو على مراده ، وما ليس هو على الأسباب الظاهرة لهم في المكروه والمأمول ، بل هو لما يعلمه الله جل جلاله من مصالحهم التي لا يعلمونها ، أو أكثرها ، إلآ من جانبه جلِّ جلاله ، ومن جانب الرسول ( صلّى الله عليه واله ) ، ولو كان العقل كافياً في الاهتداء إلى تفضيل مصالحهم ، لما وجَبَتْ بعثة الأنبياء ، حتى أنَ في تدبير الله جلّ جلاله في مصالح الأنام ما يكاد ينفرمنه كثيرمن أهل الإسلام.
فلما رأيت تدبيري ما هو على مرادي ، ولا على الأسباب الظاهرة في معرفتي واجتهادي ، وعرفت أنّني لا أعرف جميع مصلحتي بعقلي وفِطْنتي، فاحتجتُ لتحصيل سعادتي في دنياي واخرتي ، إلى معرفة ذلك ممَن يعلمه جلّ جلاله ، وهو علام الغيوب ، وتيقنت أنّ تدبيره لي خير من تدبيري لنفسي ، وهذا واضح عند أهل العقول والقلوب ، ورأيت مشاورته جل جلاله بالاستخارة باباً من أبواب إشاراته الشريفة ، ومن جملة تدابيره لي بالطافه اللطيفة ، فاعتمدت عليها ، والتجأت إليها ).
ويقول أيضاً: (إعلم أنّني وجدت الله جلّ جلاله يقول عن الملائكة ـ الذين اختياراتهم وتدبيراتهم من أفضل الاختيارات والتدبيرات ، لأنّهم في مقام المكاشفة بالآيات والهدايات . أنّهم عارضوه جلّ جلاله لمّا قال لهم : ( إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا اَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ ألدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ )(1) فقال جلّ جلاله لهم : (إنّي اَعْلَمُ مَا لا تَعْنمُونَ )(2) فعرّفهم بذلك أنَ علومهم وأفهامهم قاصرة عن أسراره في التدبير المستقيم ، حتّى اعترفوا في موضع آخر فقالوا : ( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاّ مَا عَلَّمْتَنَا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيمُ )(3) .
فلمّا رأيت الملائكة عاجزين وقاصرين عن معرفة تدبيره ، علمتُ أنّني أعظم عجزاً وقصوراً ، فالتجأت إليه جلَّ جلاله في معرفة ما لا أعرفه إلا من مشاورته جلّ جلاله في قليل أمري وكثيره ).
ويقول كذلك: (ثم وجدت الأنبياء الذين هم أكمل بني آدم ( عليهم السلام ) ، قد استدرك الله عليهم في تدبيراتهم عند مقامات ، فجرى لآدم ( عليه السلام ) في تدبيره في أكل ثمرة الشجرة ما قد تضمّنه صريح الايات ، وجرى لنوح ( عليه السلام ) في قوله : ( اِنَ أبني مِنْ اَهْلي وَاِنَ وَعْدَكَ اْلحَقُّ ) ممّا لا يخفى عمّن عرفه من أهل الصدق ، وجرى لداود ( عليه السلام ) في بعض المحاكمات ما قد تضمّنه الكتاب ، حتى قال الله جلّ جلاله ( وَظَنَّ دَاوُدُ اَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَاَنَابَ )، وجرى لموسى ( عليه السلام ) لمّا اختار سبعين رجلاً من قومه للميقات ، ما قد تضمنه صريح الآيات.
فلمّا رأيت الأنبياءـ الذين هم أكمل العباد في الإصدار والإيراد ـ قد احتاجوا إلى استدراكٍ عليهم في بعض المراد ، علمتُ أنّني أشدّ حاجة وضرورةً إلى معرفة إرشادي ، فيما لا أعرفه من مرادي إلا بمشاورته سبحانه وإشارته ، فالتجأت إلى تعريف ذلك بالاستخارة من أبواب رحمته ).
ويقول: (ثمّ وجدت صريح القرآن قد تضمّن عموماً عن بني آدم بواضح البيان، فقال: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) وقال جلَّ جلاله: ( للّهِ الْأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) وقال جلَّ جلاله: ( وَلَوِ اتَبَعَ الْحَقُّ اَهْوَآءهُمْ لَفَسَدَتِ ألسَّموَاتُ وَألإرْضُ وَمَنْ فيهِنَّ بَلْ اَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ )، وهذا تصريح عظيم بالشهادة من الله جل جلاله بقصور بني آدم الذين تضمّنهم محكم هذا القرآن، وعزلهم عن الخيرة ، وأن له جلّ جلاله الأمر من قبل ومن بعد، وأنّ الحق لو اتبع أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ، وأنّ أهواءهم كانت تبلغ بهم من الفساد إلى هذا الحدّ .
فلمّا علمت ذلك، وصدّقت قائله جلّ جلاله على اليقين ، هربت من اختياري لنفسي إلى اختياره لي ، باتّباع مشورته ، ورأيته قد عزلني عن الأمر ، فعدلت عن أمري لنفسي ، وعوّلت على أمره جلّ جلاله، وشريف إشارته، وصدّقته جلَ جلاله في أنّه لو اتّبع الحقّ هواي ، فسد حالي ورأيي ، فاعتمدت على مشورة الحقّ ، وعدلت عن اتّباع أهوائي، وهذا واضحٌ عند من أنصف من نفسه، وعرف اشراق شمسه ).
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت (ع) بشأن الإستخارة، إليكم البعض منها:-
عن أبي عبدالله (ع):(صل ركعتين واستخر الله، فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له ألبتة) (وسائل الشيعة: باب صلاة الإستخارة). وعنه (ع):(من استخار الله راضياً بما صنع خار الله له حتماً) (المصدر السابق). وهذا الحديث يؤكد شرطاً ضرورياً من شروط الإستخارة، وهو أن يضمر المستخير الرضا بالنتيجة، أياً كانت. وعنه (ع):(كنا نتعلم الإستخارة كما نتعلم السورة من القرآن، ثم قال: ما أبالي إذا استخرت على أي جنبي وقعت) (المصدر السابق). وقوله (ما أبالي… الخ) دليل على ثقة كبيرة بالإستخارة.
وأكثر من ذلك وردت أحاديث في النهي عن مخالفة الإستخارة وعصيانها، أو التوجه الى أمر، والدخول فيه دون الإستخارة عليه. فعن أبي عبدالله (ع):(من دخل أمراً بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر) (المصدر السابق). وعنه (ع):(قال الله عز وجل: من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني) (المصدر السابق). وعنه (ع) وقد سأله بعض أصحابه:(من أكرم الخلق على الله؟ قال: أكثرهم ذكراً لله وأعملهم بطاعته. قلت: من أبغض الخلق الى الله؟ قال: من يتهم الله. قلت: وأحد يتهم الله؟ قال: نعم، من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط لذلك، فذلك الذي يتهم الله) (المصدر السابق).
وعن هارون بن خارجة ، قال : سمعت أبا عبداللّه ( عليه السلام ) يقول : « إذا أراد أحدكم أمراً ، فلا يشاوِر فيه أحداً من الناس حتى يشاوِر الله عزّ وجلّ » ، قلت : وما مشاورة الله عز وجل ؟ قال : ( يبدأ.فيستخير الله عزّ وجلّ أولاً ، ثمّ يشاوره فيه ، فإذا بدأ بالله عزّ وجلّ أجرى الله الخير على لسان من أحب من الخلق ).
وعن أبي عبداللهّ ( عليه السلام ) قال : « ما أبالي إذا استخرت اللهّ علي أيّ طرفيّ وقعت ، وكان أبي يعلّمني الاستخارة كما يُعلّمني السّور من القرآن »(كتاب الإستخارة للسيد ابن طاووس).
وقد أثار بعض المعاندين شبهة مؤداها: إن الإستخارة لا يُلجأ إليها في الأمور العقائدية، وإنما في الأمور الفرعية فقط.
وفي الجواب أقول: إن صفوان الجمال، وهو من أصحاب الإمامين؛ الكاظم والرضا (ع) قطع على إمامة الرضا (ع) في فتنة الواقفية من خلال الإستخارة.
فعن علي بن معاذ، قال:(قلت لصفوان بن يحيى: بأي شئ قطعت على علي – أي الرضا (ع) – قال: صليت ودعوت الله، واستخرت وقطعت عليه) (غيبة الطوسي: 54).
إذن صفوان الجمال قطع بإمامة الرضا (ع) بالإستخارة، وهي من المسائل العقائدية، فمن أين لأهل العناد تقييد الإستخارة بالموارد التي حددوها، والروايات ظاهرة في الإطلاق؟ وإذا كانوا يصححون الإستخارة في الموارد الفرعية، كما يصفونها فهذا يعني إن الإستخارة، كطريق في الكشف عن المغيب، طريق صحيح، ومستوف لشروط الحجية في هذه الموارد، وهنا نسال: لماذا لا تكون الإستخارة طريقاً صحيحاً ومنتجاً في الموارد الأخرى؟ علماً أن الإستخارة في الحالتين واحدة من جهة كونها طريقاً في الكشف عن المغيب، والإختلاف الوحيد بين الموردين هو في موضوع الإستخارة، والموضوع كما هو معلوم أمر خارجي عن نفس الإستخارة، بوصفها طريقاً، أقول أيكون السبب بخلاً في ساحة الله، نعوذ بالله من قول السوء، فيتسع كرمه في الموارد الجزئية، ويقصر في الموارد المتعلقة بالعقيدة؟ وهذه النتيجة تلزمهم حتماً، إذ طالما كانت الإستخارة كطريق ناهضة، ومحققة لمطلوبها في بعض الموارد (الموارد الجزئية) فتخلفها في البعض الآخر منشؤه شئ آخر غير نفس كونها طريقاً، لأن القصور لو كان في الطريق للزم التخلف في كل الموارد، فهل ترتضون لنفسكم القول بالنتيجة التي ذكرتها، وتتهمون الله؟ تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
[1] العنكبوت: 52
[2] النساء: 79
[3] النساء: 166
[4] الرعد: 43
[5] الإسراء: 96
[6] الفتح: 28
[7] كتاب الغيبة – الشيخ النعماني ص197
[8] منتخب الأنوار المضيئة – السيد بهاء الدين النجفي ص311 – كمال الدين ص654
[9] قرب الإسناد ص380.
[10] يوئيل: 2:28
[11] الأنبياء 1 الى 5