بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين
اسمي حسين علي عباس المنصوري
من ابناء مدينة البصرة – العراق
تاريخ هذه الاحداث هو بين شوال 1424 هـ.ق – ما قبل محرم الحرام 1429هـ.ق
هكذا عرفت الامام احمد الحسن ع
عدت الى مدينتي وذهبت الى بيت السيد ابو زهراء الذي استقبلني واجلسني في غرفة الضيوف وكنت انتظر وفجأة فتح باب غرفة الضيوف ليدخل علي شخص…له نظرة لا تشبه نظرات الناس وعيون ليست كالعيون…شاب طويل بجسم لا يمكن ان يتبادر الى ذهنك شيء عندما تراه الا ما يصف به ارباب المقاتل العباس (ع)…كان يحكي العباس (ع) حتى في نظرة عينيه….فمجرد ان تراها…تشعر بالانبهار…فعينيه تحكي ثباته وعزيمته وتصميمه لا يمكن ان تهزها كل جيوش العالم… عيون لا يتسرب لها شك ولا تردد…ثابتة النظرة وتعرف ما تريد وعميقة الى درجة انك تظن ان الله ينظر منهما
سلم علينا وصافحنا ثم جلس من هنا بدأت الرحلة مع الامام احمد الحسن (ع) وهي رحلة سهلة بالنسبة لنا شاقة جدا بالنسبة اليه
فهو الطاهر المطهر المرسل ليعلم الناس التوحيد ونحن الناظرون الى انفسنا المحملون بإرث الماضي…ماضي السيئات والانحراف…ماضي الاعتقاد الخاطئ…بل ماضي التربية السيئة…ماضي قصورنا وتقصيرنا
وهو المرسل لتطير الارض بالحكمة والسيف….ونحن اهل الارض ما بين من انطوت نفسه على الجبن وبين من يمكن ان يحمل السيف لكن بلا حكمة
هو ونحن…..بينما يريد هو ان نكون نحن كلنا كما يريد الله
جلس معنا (ع) في تلك الغرفة التي لا تجد فيها اجهزة تبريد او تدفئة حديثة…جلس معنا على السجادة المفروشة
وبدأت أسئلة وهو يجيب (ع) باسترسال العالم الذي لا تجد في كلامه الشك بل الجواب البسيط الواضح
اخرجت سيجارتي بوقاحة لأدخن فقام بتواضعه ليضع مطفأة السجائر امامي
كم هو البعد سحيق بينك وبين من يدعون المرجعية ؟
انت تجيب بلا تردد وببساطة
وهم يجب ان نتخطى الحرس والبوابين لنراهم ونقدم لهم فروض الطاعة قبل ان نسألهم ثم في اخر الامر يقول لك اذهب الى الشيخ المكلف بإجابة الاسئلة او او او؟؟؟
يقدمون ايديهم للتقبيل كما تفعل الملوك… بينما انت تقدم يدك للمصافحة مع انها احق يد بالتقبيل
هم يسكنون البيوت الفارهة المجهزة بأحدث وسائل الراحة…بينما انت تقابل الناس وتعلمهم والعرق يتصبب منك
هم تذهب لهم الناس محملة بفروض الطاعة والتسليم فاذا اعترض عليهم معترض طردوه وسفهوا قوله صائبا كان ام مخطئا….بينما انت تأتيك الناس بين مشككة ومجادلة وبين مؤمن لكنه يحمل افكاره واراءه ويريدك ان تمضيها له وتقرها له فتربيه وتعلمه بلا ان تجرحه ولا ان تقر له بشيء من الباطل الذي يحمله
هم يدعون الى انفسهم…وانت تدعوا الى المهدي ع
اذن فالفرق بينك وبينهم هو الفرق بين الارض والسماء….الفرق بين الدنيا والاخرة…الفرق بيت ضرتان لا تجتمعان
بعد ان جلست معه عليه السلام وسألته واجابني وحدثني وحدثته اراد ان يخرج (ع) من بيت ابو زهراء فوقف وهو يرتدي عباءته فسألته أيضا سؤالا آخر فأجابني مباشرة فلم يكن مني الا ان رميت بنفسي عليه لأعانقه
فعانقني…. لم يدفعني او يعنفني
اخيرا حضينا بقائد يمس قلبنا قلبه فيحس بآلامنا وامالنا
بعدها صافحنا وخرج مودعا ع
وفي الايام التي تلت توالت القاءات معه (ع) في بيت ابو زهراء
في الايام القليلة التي بعدها جاء معي صديقي مصطفى ابو احمد ليلتقي بالإمام احمد الحسن (ع) وجلس معه وسأله ايضا عن الدعوة بينما كان الامام (ع) يرشده الى ان يسئل الله عن هذه الدعوة فلما الح مصطفى بالسؤال عن الادلة قال له الامام (ع) لو كانت بجانبي حصاة وهي الدليل فلن اعطيها لك مما اثار مصطفى قليلا فقال بشيء من العصبية لماذا لا تعطيني دليل على انك مرسل من الامام (ع) فأجابه الامام (ع) بشيء من الغضب قائلا ما معناه أقول لك ارجع الى الله فتسألني أنا !
ارجع الى الله وأسأله فان قال لك الله ان هذه الدعوة باطلة تعال فأقبلك بين عينيك
وعجبا رأيت بعدها
مباشرة خضع مصطفى واخذته هيبة الامام (ع) وتغير لونه من كلمات الامام (ع) فقال مباشرة على هذه كلمتك انا معك من الان
بعدها بايع جمع من الاشخاص….الشهيد شيخ جلال..الشهيد مجتبى…علاء…محمد…ايمن…شيخ جهاد…ابو جعفر وبايع ايضا ابو مريم وجماعته وهم خمسة تقريبا كانوا ايضا مبشرين عن طريق الغيب بالإمام (ع)
وكنا نأتي جميعا تقريبا للقاء الامام (ع) في تلك الغرفة الصغيرة وربما نبات فيها لأننا لا نقدر ان نقوم ونذهب الى بيوتنا لحلاوة ما نسمع ونرى منه (ع) وايضا يأتي الانصار من محافظات اخرى وفي احدى المرات بات عدد كبير فلم يكفي عدد البطانيات فتأكد (ع) ان الجميع قد اخذ غطاء وبقينا انا وهو (ع) وبطانية واحدة فغطاني بها ومع اني أصريت ان يأخذها هو (ع) لكنه تكلم بإصرار ان اخذها فلم اجد بد من الخضوع له وكان الجو شتاء وانصاره حوله كلهم عليهم الاغطية بينما هو (ع) القى عليه عباءته ونام وكانه لا يوجد برد؟!
اما تعامله معنا فلن تصفه الكلمات فهو والله كما قال الشاعر
يغضي حياء ويغضى من مهابته فلا يكلم الا حين يبتسم
وكما قال ضرار في وصف علي ع
عن أبي صالح مولى أم هانئ قال دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي عليا فقال أو تعفيني من ذلك قال لا أعفوك قال أما إذ لا بد فإنه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته كان و الله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه و يخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر و من الطعام ما جشب كان و الله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و كان مع دنوه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف عن عدله أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و كأني أسمعه و هو يقول يا دنيا يا دنيا أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبنتك ثلاثا عمرك قصير و خيرك حقير و خطرك غير كبير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق……….
بحارالأنوار ج : 33 ص : 275
حقيقة هي معجزة كبرى انه (ع) استطاع ان يربينا مجتمعين في تلك الغرفة على اختلاف آرائنا وتشتت تطلعاتنا فلم تكن تلك المهمة سهلة ابدا خصوصا مع عدم التفاتنا في ذلك الوقت لحمله (ع) هذا العبء الثقيل لأنه لم يتذمر ولا مرة ولم يشعرنا حتى بالانزعاج من تصرفاتنا…. مشاكلنا و الكثير الذي يمكن ان يتفكر الانسان فيه لو ضربنا المثال برب اسرة له خمسة اطفال كم سيكون عليه من العبء لتربيتهم مع ان فرصته اكبر وهم يسكنون معه وله عليهم سلطان الابوة الذي يجعل الابناء يطيعوه بديهة… والمهمة هنا اصعب…فنحن لسنا خمسة اطفال….بل مجموعة كبيرة في البصرة فقط فضلا عن باقي المحافظات…ولم نكن نسكن معه….وعلى الرغم من تكرر لقاءاتنا به (ع) فكانت متفرقة تفصلها ايام وربما اسابيع…ونحن لم نكن اطفالا……لم نكن صفحة بيضاء ليكتب عليها ما يريد بلا عناء…بل كنا صفحات قد كتب فيها غيره وكان هو (ع) شديد الحرص ان يمسح منها ما لابد من مسحه من دون ان تتلف الورقة وفعل ذلك بمعجزة فعلا…فعله بدون ان يقول او يأمر كما تفعل القادة مع شعوبها او جنودها….لم يسن القوانين في مسلة…ولم يكن له قوة تنفيذية كما للدول شرطة…وانما كان لديه تلك الهيبة…هيبة الحق التي كانت تفرض قوتها وهيمنتها على الجميع بلا كلام… وكانت لديه الحكمة التي تجعل الجميع لا يخطر في بالهم ان يخالفوه…وكانت لديه تلك الثقة التي تجعل الجميع يخضعون لسلطانه بلا سيف مسلط على الرقاب…ضرب المثال الاروع للإنسان الكامل….كان والدا افتقدناه في ابائنا واماما افتقدناه في زماننا فلم نجد بدا من ان نطيعه ليس خوفا منه بل حبا فيه ورغبة في ان يربينا لنصل ولو الى بعض كماله
وليتها كانت تربية في مضمونها مبسطة وبسيطة…بل كانت معقدة…نعم…هو (ع) كان بسيطا في طرحها اما هي فلم تكن كذلك ابدا…اتذكر كيف سأله ابو جعفر مرة عن قول فرعون انا ربكم الاعلى…فقال الامام (ع) مباشرة..ربكم الاعلى محمد.. ثم شرع يجيب عن سؤال ابو جعفر…لقد مرر معلومة مناسبة للمقام…معلومة ثقيلة جدا على الكثيرين…لكنه لم يقل ربما سيرتدون اذا قلتها…هذا هو احمد الحسن (ع) الذي عرفناه… كما قال هو ع…لا نفرح بمن يأتي ولا نحزن على من يذهب….. مع ان ابو جعفر لم يكن مر على دخوله في الدعوة الا اسبوع او شهر بالكثير وبعد فترة وجيزة صاعقة اخرى…صاعقة على اعداءه والا فأنصاره لا يرتابون فاذكر اني والعياذ بالله من الانا في جوابه عن ربكم الاعلى و وما ساتلوه لكم ابتسمت في كليهما ودخلني سرور عظيم…كنت وقتها في حسينية النجف فاخرج الامام (ع) رسم في ورقة هو لختمه الى الانصار وقال لهم اصنعوا ختما بهذا الشكل…نظرنا الى الختم واذا به النجمة السداسية. فعلا ابتسمت وقتها…ودخلني سرور عظيم…لم يكن مصلحا فقط…بل هو ايضا مصمم ان يهدم كل هيكل الباطل بلا اي خوف…يظهر الحق المر الثقيل وسط اعدائه ويرفع نجمة داوود (ع) في وسط البلد الذي يمكن ان تقتل فقط وفقط لأنك تقول انها نجمة داوود….ياه…اي رجل هذا؟؟؟
فهو يعرف ان دفاعه عن الحق كله يعني ان الظلم كله…اي العالم كله…سيقف ضده…ورغم ذلك هو يدافع عنه ببساطة وكانه يقول لهم انتم كلكم تظنون انكم ضدي لكنكم مخطئين…فانتم ضد الله ومن كان الله معه لا يهتم…او كما قال هو (ع) ذات يوم…انا حجر فاذا وقع علي احد يتألم وان وقعت على احد يتألم…فمن يقدر ان يعاديه دون ان يتألم؟؟
وهو فعلا كذلك (ع) حتى في صفاته الجسدية فمجرد ان يقع بصرك عليه تتذكر لامة الحرب…كأنها ما خلقت لسواه والله وهو كما قال بنفسه (ع) ذات يوم عندما كان يكتب احد كتبه…رمى القلم على الورقة وقال انا رجل حرب ولست رجل قلم ولكن ينبغي لمثلي ان يحتج عليهم…فما اشدها خسارة المتشيعة لا هم التفوا حوله وصدقوه ليظفروا بالثأر الذي انتظروه ولا هم قرئوا كتبه ليتعظوا بما بها من عبر وهو الذي ما كتب كلمة في ورقة ثم مسحها…نعم هي الحقيقة..كان لما يكتب عليه السلام….يضع القلم على الورقة ثم يكتب ويكتب باسترسال فاذا انهى الكتاب رفع راسه ليقول خذوه اطبعوه…فاذا اخذه الانصار وقلبوا الورقات لم يجدوا حرفا خطه ثم اخطأ فيه ليمسحه… وكيف لا وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى
ومن الصفات البارزة في تربيته لأنصاره (ع) انه كان يربيهم في العقيدة خلافا لكل الدعوات التي حولنا والتي تهتم بالقشور من الاحكام الشرعية مثلا بصورة كلاسيكية فحتى لو وعلى فرض ان اتباع تلك الدعوات طبقوا توجيهات قائدهم فهم في الحقيقة سوف يبقون قشر اسلام اما دواخلهم فمظلمة بعيدة عن الاسلام…بينما هو (ع) كان يهتم بالعقيدة وطرحها من القران والروايات وملء داخل الانسان بالعقيدة الحقة التي من اضاءت في داخله فلا بد ان تشع على ظاهره بالحياة الحقيقية حياة محمد وال محمد ص…فتراه يفسر الصلاة بالعمل بين يدي القائم والتسبيح كذلك ووو…انه يترجم كل شيء الى عمل…ولكن ليس اي عمل بل عمل عن معرفة وعمل نابع عن اعتقاد وليس مجرد حركات لا يعرف مؤديها السبب الذي يؤديها لأجله او ربما كان غاية اداءه لها انه يريد ان يدخل الجنة
اذن هو عبء ثقيل فما بين تربية انصاره وتوجيههم للعمل بقوة وبين هجوم اعداءه بقي احمد الحسن (ع) سجينا…نعم حقيقة هو سجين لأنه لم يكن كمقتدى الصدر ورثا جيشا من المقلدين عن ابيه ولا كالسيستاني ورث جيشا عن سابقه الخوئي ولا كالخامنائي ورث جيشا ودولة عن خلفه السيد الخميني…فكل هؤلاء ورثوا جيوشا واموالا…اما هو (ع) فبدأ فردا في مواجهة الجميع واليوم صار هذا الفرد امة بعد جهد جهيد ومشقة وغدا سيكون العالم كله بجهده وتضحيته ع
فما بين حذره (ع) من اعداءه الذين ما اكثرهم وما اشد محاولتهم تصفيته (ع) جسدا وشخصية وبين تربيته لأنصاره وتوجيههم في نفس الوقت الى ما يفعلوه لينشروا الدعوة كان كفتي ميزان عدله ثابتة بحكمة فهو يتحرك بين المحافظات ليتابع كل انصاره ويحضر بينهم ليحل مشاكلهم فردا فردا وجماعة جماعة وفي نفس الوقت بدون ان يعطي الفرصة لأعدائه ان يكون هدفا سهلا لهم…لم يكن لديه مواكب حماية ولا حراس بسيارات البيكب تتبعه بل كان يخرج دائما بسيارة واحدة قديمة الطراز خالية الا من الانصار وسيفه الذي كان يحمله معه غالبا في بداية الدعوة…نعم سيف من حديد واحيانا عصى موسى (ع) التي ضرب بها البحر فانفلقت كل فرق كالطود العظيم…قد يستغرب البعض من هذا لكن فعلا كانت بيده عصا موسى (ع) وهي الاخرى بمجرد ان تراها تحس بقدمها وهيبتها وكان يحمل دائما ايضا قران ومسبحه…هذا ما بدأ به احمد الحسن (ع) في ظاهره اما في داخله فكان يحمل القران وال محمد (ع) او كما قال ذات يوم (ع) ان الامام (ع) قال له مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ…مقولة عرف الامام (ع) معناها بعد ذلك…كان نائما (ع) والقران في جيب ثوبه الجانبي وفي اثناء نومه التف ثوبه حتى صار القران على قلبه فلما استيقظ عرف معنى كلمة الامام (ع)…فالمتاع هو القران.
هذه واحدة من الدقائق التي كان الامام (ع) يركز عليها في تعليمه لنا وهي ان نسمع الله في كل شيء فكان يعلمنا التوسم فاذا تحرك غصن او حدث امر…قال هذا يعني كذا وكذا سيحصل وفعلا يكون كما قال (ع) وبالتوسم سارت سفينة الانصار اضافة الى اشياء اخرى من بينها الرؤيا التي كان كل ما لقانا او كنا نياما واستيقظنا سئلنا (ع) هل من مبشرات فنقص عليه ثم يقص علينا هو رؤاه او رؤى انصار من محافظات اخرى
وعندما كنت اسمع كلامه (ع) اغتبط كثيرا واقول في نفسي ما اسعد حظي فالناس لا تسمع هذا الكلام… ثم شاء لي القدر ان اسافر ذات يوم معه (ع) وننزل عند اكثر من مجموعة من الانصار ونجلس وفي كل مرة كان (ع) يعيد على الانصار نفس الكلام…نعم نفس الكلام بلا تغير كانه يحفظه عن ظهر قلب حكاه لنا في البصرة ثم ذهبنا للناصرية فحكاه بحذافيره وهكذا في باقي الاماكن…الرؤى نفسها…اللفتات نفسها والكلام نفسه…هذه هي عدالة احمد الحسن (ع) التي ايقنتها اكثر لما بدأت تطبع كتبه فكلما كنت اتصفح صفحة من كتاب اقول…ياه هذا الكلام الذي اخبرنا به وقلت لما سمعته منه مشافهة ما اسعد حظي واسوء حظ الناس انها لم تسمعه…..اذن هو حتى في علمه عادل….اعطى انصاره ومن يدعوهم للحق وحتى من يعادوه… بل حتى مع من ارتدوا عن دعوته…فاذكر ذات يوم كيف سأله احد الانصار عن الشيخ اسعد البصري وهو احد المرتدين عن الدعوة وكان مدير مكتب مقتدى الصدر وقتها…. فلم اسمعه يذمه بكلمة واحدة مع انه مرتد ؟؟؟
هذا هو الامام احمد الحسن (ع) الذي سل عليه الشيعة سيفا له في ايمانهم وكانوا البا لأعدائهم على اوليائهم فتعسا لمن كان شفيعه خصمه يوم القيامة
لا يمكن ان تصف الكلمات المشقة التي تحملها الامام احمد الحسن (ع) ولا التي لا زال يتحملها وكيف يمكن ان اصف الجهد الذي بذله رجل واحد بدأ دعوته من حسينية من طين بناها مع انصاره بتبرعاتهم البسيطة حتى ان احدى المؤمنات اعطت زوجها ذهبها القليل ليبيعه ثم يستعينوا به على بناء تلك الحسينية التي من طين…تعلوها قبة خضراء خفيفة فعقروها اهل النجف لما شع منها من نور فضح ظلام ظلمهم المغطي على الدنيا؟
نعم عقروها فناقة صالح في اخر الزمان عليها قبة خفيفة وثمود هم رهط من الشيعة كما اخبر ال محمد ع
هكذا كان احمد الحسن (ع) ما حدث او يحدث الا وقال تجدوه في هذه الرواية او تلك الآية القرآنية
اخر كلم زوجته كي تبيع حلقة خطوبتها فخلعتها وباعها ليطبع بها بيانات الامام (ع) وينشرها بين الناس واخرون كانوا يبقون في حسينية النجف فاذا اصبح الصباح ليس معهم من الطعام ما يفطروا به ولا من النقود ما يشترون به الطعام
هكذا بدئت هذه الدعوة الحقة بالمشقة والالم التي لم نحس بها لان احمد الحسن (ع) كان يجوع قبلنا ويضرب لنا المثل الاعلى
اتذكر للان سفرتي الاولى او الثانية معه (ع) يوم خرجنا دون افطار من النجف الى البصرة ومعنا بعض الانصار ثم في منتصف الطريق (اشترينا لفات فلافل) كان وقتها اول يوم احس بالجوع فعلا حتى اني كدت ابكي من الجوع لولا ان الحياء منعني
علمنا ان هذا اهون ما يكون في سبيل الله فصار ما يراه الناس تعاسة سعادتنا التي لا نعرف ان نعيش بدونها…نعم فاحمد الحسن (ع) علمنا ان العيش في الوجع في سبيل الله هو جنة الخلد لان الله ينظر لك بعين الرضا بل علمنا ان نعمل لان الله يريد لا لأننا نريد الجنة او نخاف النار بل لأننا عبيد والعبد يطيع امر مولاه فقط ولا ارادة له مع مولاه.
وكان هو (ع) بنفسه يضرب المثل الاروع لهذا…رايته ذات يوم يلبس ثوبا فيه قصر عن حافة الارض خمسة اصابع كف تقريبا فتساءلت هل ان رسول الله كان هكذا ثوبه والامام (ع) لبس هكذا استنانا بسنة جده ؟
نعم هكذا كنا نراقب كل ما يقوم به (ع) وكثيرا ما يمنعنا الحياء ان نسأله…بقيت اتساءل في نفسي الى ان انتبهت انه (ع) كان قد ابدل ثيابه بعد سفره ولم يكن معه ثياب فلبس ثوبا من صاحب الدار الذي هو اخيه…فهل هو (ع) ليس لديه سوى ثوب واحد… لا ادري حقيقة ولا استغرب ان كان كذلك
بل لا استغرب ان كان يحمل معه ثياب عندم كان مسافرا لكن الانصار طلبوها منه فأعطاهم اياها…فهو (ع) يعطي انصاره كل شيء.. حتى الثوب الذي عليه…اكثر من مرة يأتونه الانصار ويقولون له نريد ثوبك الذي تلبسه هذا فيختلي بنفسه قليلا ثم يعود مرتديا ثوبا اخر ويقدم الذي كان يلبسه لسائله
نعم هذا هو احمد الحسن (ع) الذي عندما كنت اجلس معه احس بشعور غريب كنت احس بحقارتي واحس بالخجل واتمنى ان لا ابقى موجودا… يقول هو (ع) ان علي (ع) عندما يتحدث عن ظلمه في ادعيته كان يقصد بها وجوده…فعلي (ع) يعتبر وجوده ذنب…وهذا الذنب هو الذي غفر لمحمد ص عندما فتح له مثل سم الابرة فهو يخفق مع الحجاب الذي بينه وبين الله…حقيقة ان كثيرين ربما لا يفهمون هذا الكلام…وهو كيف ان علي (ع) يعد وجوده ذنبا….لكن من يجلس مع احمد الحسن (ع) يعرف كيف ان وجود العبد مع وجود سيده ذنب عظيم…شيء يحسه في قرارة نفسه يصرخ به ويقول الا تراه كيف هو انه كامل وانت ناقص انه عظيم وانت حقير انه عالم وانت جاهل انه وانه وانت وانت…عندها تقر وتعترف ان وجودك مع وجود احمد (ع) هو ذنب عظيم.
وما يزيد هذا تعامله معك..فلو وحاشاه كان يصرخ في وجهك ويقول لك يا حقير ربما زال بعض الم وجودك… لكنه يبتسم في وجهي ويحبك و يحترمك ويقدرك وتحس معه بإنسانيتك كما لم تحس به في كل حياتك…نعم انا الحقير التافه…من اكون لتبتسم في وجهي…انا العاصي الجاني مكاني في جهنم…لكن الله يمن علي بفضله وبلا استحقاق فاجلس مع ولي الله…اذن لابد لي ان اتمنى ان لايبقى لي وجود ومن لا يتمنى ان يحترق بنار الحقيقة وهو يراها امامه؟
كان يجلس معنا (ع) فاذا دخل داخل علينا لم يره من قبل لا يعرفه لشدة تواضعه ولأنه لا يميز نفسه عن انصاره بملبس ولا بمأكل ولا بمشرب ولا ولا…….كان هو هم وهم هو….وهوهو وهم..هم……….اتذكر اول مرة رايته مع مجموعة من الانصار…كان الوقت صباح فذهبت الى بيت السيد ابو زهراء فادخلي الى غرفة الضيوف فوجدت الامام (ع) ومعه شيخ حبيب وشيخ ناظم جالسين للإفطار حول صينية(مائدة) صغيرة بسيطة يفطرون سوية وثلاثتهم يلبسون السواد.. سلمت عليهم وجلست مباشرة كي لا يقوموا من الطعام فصارت جلستي خلف ظهر الامام (ع) فاذا به مباشرة يتحرك في جلسته احتراما لجليسه كي لا يكون ظهره لي وصار يتحدث معي ويطلب مني ان اشاركهم الفطور…..وقتها قلت له الناس تريد منك دليل لكن جلستك البسيطة مع انصارك هي دليل…وهي فعلا دليل كم شخص يمكن ان يبصره اذا نظر له؟
هكذا كان (ع) لا يحب ان نقدسه بشكليات موهومة بل تراه يطرح علومه على انصاره وهم لا يتكلفون فمن يتعب يمكنه ان يتكأ على وسادة ويسمع او حتى يستلقي ويسمع وخصوصا انه (ع) كان يطرح علمه من حين استيقاظنا صباحا وحتى يمضي من اليل شطر طويل بحيث لا يبقى له ربما سوى ساعتين او اقل لينام فيها ومع هذا فالعجيب انه كان يجلس مستقيم الظهر كل تلك الفترة…فعلا شيء محير كيف يمكن ان يجلس شخص كل تلك الفترة بذلك الظهر المستقيم؟ والحقيقة انه ليس سؤال المقصد منه جواب بل سؤال للتنبيه والا فالإمام احمد الحسن (ع) تذكرك الله رؤيته….نعم… نعم….ترى الله في كفه وهو يشير بها…في تعابير وجه وهو يتكلم…في عدله بنقل نظره على انصاره بالتساوي…في صمته وهمسه ورضاه وغضبه…في كل ذلك يحكي الله جل جلاله
وحتى في وقت الطعام…كنا اذا اجتمعنا حول الطعام لا نحس به انه لا يأكل الا بعد التدقيق وذلك انه (ع) يأكل لقمة ويتكلم كذا جملة وتجدنا نحن منشغلين بين الاكل و الاصغاء الى علمه…فننهي طعامنا وترفع المائدة ونظن انه اكل مثلنا.. بينما الحقيقة انه لم يأكل الا قليلا…واذكر كيف مرة وضع لنا الباذنجان فقال (ع) ان الباذنجان هو اول شجرة اقرت بتوحيد الله (ع) وانه داء لمن ظنه داء ودواء لمن ظنه دواء واخذ يتكلم عما ورد فيه من روايات اخرى وكأن لسان حاله يقول انظروا هذه الثمرة التي كانت ارخص شيء سعرا في العراق ايام الحصار…كم اشبعت بطون العراقيين وكم انقذتهم من الجوع لكنهم قابلوها بماذا…كان اهل العراق يصنعون حتى النكات حول الباذنجان لكثر تذمرهم من اكله الذي اجبروا عليه مع انه انقذهم في الحقيقة…هكذا قابل اهل الارض اهل التوحيد دائما مع انهم جاءوا لينقذوهم
مرة كنا نسير معه (ع) من النجف الى كربلاء لنزور الحسين (ع) فاحس بأخذ التعب منا مأخذه فقال اجلسوا لتستريحوا فجلس احد الانصار فوق مرتفع من التراب وكان قربه بيت نمل وكان النمل يمر من قربه فازعجه النمل فسحقه بقدمه.. وقتها تغير حال الامام (ع) كأنما شخص قتل احد شخص وامر الانصاري بالنهوض والابتعاد عن النمل وكلمه بشدة
نعم….هذا هو احمد الحسن (ع) عادل حتى مع النملة والشجرة…مرة تكلم (ع) عن الحيوانات الداجنة فقال (ع) حتى هذه الحيوانات اليوم غير الناس حياتها الى الخطأ فكذا نوع هو في الاصل يأكل كذا مادة وكذا نوع يأكل كذا مادة وهكذا..
مرة تكلم عن الجبال وكيف انها الرواسي التي تجعل الكرة الارضية تبقى مستقرة مع ان باطنها مائع وهي تدور حول نفسها حتى ان شيخ جلال رحمه الله انبهر بكلامه فقال له سيد كم قرئت في النظريات لكني لم اقرأ مثل هذا الكلام ثم صار يمدح كلام الامام (ع) فتغير لونه (ع) وقال شيخ جلال لولا انك عزيز على قلبي لحثوت التراب في وجهك كما قال رسول الله ص…ولكنك عزيز على قلبي فلا تعد لمثلها
اذن.. نحن لسنا بصدد التكلم عن قائد ديني على النمط الكلاسيكي للحوزات
كلا…بل نحن نتكلم عن حاكم باسم الله اعطاه الله علم الاشياء التي يحكمها وما يصلح حالها… نتكلم عمن يحقق العدل للشجرة والجبل والنملة فضلا عن الانسان…فهذه المخلوقات ايضا لها حقوقها التي اذا لم تعط لها عبرت عن غضبها بتسونامي او مرض تنشره اووو.
وهذه هي حقيقة السماء والارض لما تحارب الكافرين من البشر فهي ايضا نالها حظها من ظلم البشر ولها الحق ان ترد طلبا للعدالة التي تنشدها في مخلصها احمد الحسن (ع)…فاذا اراد البشر الوقوف بوجه هذا الحق فمن يمنعها ان تحارب في سبيل تحقيقه ان اذن الله لها ؟
وربما هذا احد الاسباب التي جعلت انصار الامام (ع) يثقون بقائدهم ثقة مطلقة ويستسلمون لتربيته وهي انه كلما كنا نصل لطريق مسدود في مشكلة عويصة ولا يمكن حلها وتصل مسامعه (ع) يحلها ببساطة….نعم بساطة…يقول افعلوا كذا وكذا…بجملة واحدة غالبا يحل اصعب المشاكل حتى اننا نظل مشدوهين…اين كانت عقولنا عن هذا الحل ونحن نفكر من مدة ؟
بل توجد حقائق علمية لهذا اليوم لم يتمكنوا من سبر غورها وهو (ع) حلها بجملة واحدة…كمثال الفيروسات التي تعرف انها اجسام ميتة فاذا دخلت جسم الانسان دبت فيها الحياة والعلم لهذا اليوم عاجز عن تفسير هذه المسألة بينما الامام (ع) حلها بجملة واحدة قال اغلب الامراض التي تصيب الانسان هي من الجن
اذن نحن نتكلم عن شخص محيط بالأشياء علمه ليس محدود بهذا حرام وذاك حلال ولسنا بصدد مرجع من مراجع الشيعة ولا السنة بل نحن بصدد الكلام عن حاكم الهي ومنقذ البشرية الذي بيده مفتاح الراحة الدنيوية والابدية او كما تقول الزهراء (ع) في خطبتها لو انهم ولو عليا (ع) لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت ارجلهم
هذا هو احمد الحسن (ع) الذي كانت تقابل الحوزات دعوته بالاستهزاء فيرد عليهم بالقران…فمثلا لما انزل (ع) كتابه العجل صار المراجع يهرجون ويقولون كيف وصي ورسول الامام ويسمي كتابه باسم حيوان…وكما ترون فان ابسط ما يقال عن هذا الاشكال انه هروب من الرد على العلم الموجود في الكتاب الى استحمار الناس عن طريق الطعن باسمه وهو اشكال سخيف حقيقة…لكن لما وصل الى مسامع الامام (ع) قال القران فيه سور باسم حيوانات فهناك سورة البقرة وسورة النمل وسورة الفيل….لاحظوا الامام (ع) لم يقل هذا سؤال سخيف…كيف هكذا تجابهوني وانا وصي الامام (ع) بل رد الاشكال…فهو (ع) هكذا كان دائما يرد الاشكال الذي يحاول الشيطان ان يستحمر الناس به وان كان هذا الاشكال سخيف…لأنه (ع) همه انقاذ اكبر عدد من الناس واخذهم من ابليس لعنه الله الى ساحة رحمة الله
اما عبادته (ع) فيشهد الله اني رأيته يوم في محرابه يدعو الله وهو ماد يده يسئله كاستطعام المسكين وكان (ع) اذا صف قدميه للصلاة ذكرت السجاد (ع) كيف ان الرواية تقول كانه خشبه لا يتحرك منه الا ثوبه ويشهد الله اني ايقظته ذات ليلة وكنا نائمين معه على سطح دار احد الانصار في النجف فاذا به (ع) يجلس منتصبا مباشرة ثم رفع راسه الى السماء كمن فارق وطنه ثم خر ساجدا وهو يقول الحمد لله الذي رد روحي على بدني لاحمده واعبده…حتى اني ايقنت انه (ع) كان في السماء و لقد رأيت السماء هبطت مع روحه الى الارض قريبا من جسده قبل ان يسجد
كان يعلمنا (ع) ان لا نستهين باي متحدث ولو كان طفلا ويقول ربما ان الله يريد ان يوصل لك شيء على لسان الطفل فكم هو عظيم اذا احتقرت كلامه او استخفيت به لأنك حينها تكون قد استخفيت بالله جل جلاله… واذكر مرة كيف ان الشهيد شيخ جلال رحمه الله اقترح اقتراح عندما كنا نتباحث في موضوع بناء حسينية للأنصار في البصرة فوجدت اقتراحه صعب جدا وغير قابل للتحقيق برأيي فتكلمت معه بعصبية فالتفت لي الامام (ع) وقال لماذا تكلمه هكذا…الا تدري ان الامام (ع) ييقطع رأس احد اصحابه على شيء كهذا؟
وقبل ذلك رأيت رؤيتين…احداهما كان فيه الامام المهدي (ع) والاخرى الامام احمد الحسن (ع) وفي كلاهما يخبرني الامام (ع) اني ساقود الانصار في البصرة في تلك المرحلة…ولم اخبر احدا بالرؤيتين.. ثم بعد ايام قليلة كنت ذاهب الى بيت ابو زهراء وكان الامام (ع) يهم بالخروج من البيت فلقيته في باب الدار وكان معه مازن من اقاربه فوضع يده على كتفي وقال لي نفس الكلام الذي في الرؤيا وقال ابو زهراء سيبلغ الانصار بذلك فأخبرته كيف اني رأيت الرؤيتين ولم اتكلم ثم انصرف (ع) مودعا
لقطات كثيرة في ذاكرتي لكني لا يمكن ان اجعل كل واحدة تحت عنوان بل كل واحدة بحد ذاتها هي مدرسة كبيرة…في احد الايام سمع الامام (ع) ابنتي الطاهرة تبكي فقال ابنة من هذه ؟ فقلت له ابنتي…قال لماذا تبكي ؟ قلت له هي هكذا دائما تبكي من الولادة فقال الم تكتب لها حرز؟ قلت له لا اعرف كيف اكتب.. فسحب ورقة وقلم وكتب لها حرزا… وفعلا تحسنت طفلتي كثيرا وبدئت تتوقف عن البكاء عندما علقناه عليها
في يوم اخر كان (ع) في بيت سيد رافد في البصرة و كان يوم سبت وقت الغداء فوضع سيد رافد السفرة وكانت سمك وبدأ الانصار يأكلون ومعهم الامام (ع) ثم فجأة غص الامام (ع) بالطعام ما اوضع اللقمة في فمه وطلب من سيد رافد ان يخرج للحديقة حتى اننا كلنا خفنا عليه فعلا وسيد رافد صار خائفا عليه جدا.. خلال خروج الامام (ع) الى الحديقة تكلم شيخ جلال وقال تعرفون ما جرى ؟
ان الامام المعصوم لا يأكل السمك يوم السبت كما ان علي (ع) يقول ما تمسكت قط ولذلك فان السيد (ع) استحى ان يقول ذلك وحاول ان يأكل لكن مع ذلك لم يتقبل جسده الطعام
بعدها عاد الامام (ع) الى طبيعته ثم جاء وجلس معنا ولكنه لم يأكل فاغلب الانصار ابتعدوا عن الطعام لأنه (ع) لن يأكل فكلمني وقال بالعراقي اكل حسين فصرت اكل
في احد الايام صلى بنا صلاة الجمعة في حسينية البصرة وكان عدد الحضور كبير ولازلت اذكر ذلك اليوم بوضوح كان يقف (ع) ووجهه الى المصلين يخطب فيهم ولم تكن الحسينية مكتملة البناء يومها بل كانت فقط سياج خارجي من البلوك وكنت انا والعياذ بالله من الانا ابعد عنه كثيرا وبرغم عدم وجود مكبرات صوت وقتها لأننا لا نملك ثمنها فكان لما يتكلم (ع) يصل صوته بوضوح على الرغم من انه لم يكن يصيح بكل صوته بل يتكلم بصوت عال…وصوته يخترق الهواء ويصل صافيا بشكل غريب فعلا
في يوم اخر كنت جالس مع سيد ايمن في الحسينية والساعة السادسة فجرا تقريبا وتكلم ايمن انه مشتاق للإمام (ع) ورؤيته وفجأة فتح باب الحسينية ودخل علينا (ع) ثم التفت الى الراية التي كانت على باب الحسينية وقال هل هكذا يجب ان تكون راية الامام (ع) ؟
لان الراية كانت كبيرة الحجم فلا ترف في الهواء وفعلا تم تغييرها فيما بعد براية من الحجم الطبيعي وصارت ترف في الهواء…هكذا كان (ع) يتابع كل شيء بنفسه.
ومرة لما كنا نسير بين النجف وكربلاء لزيارة الحسين (ع) بدئت قدم الامام (ع) تنزف الدم من كثر السير ولم يكن معنا حتى قطعة قماش لنشد مكان النزف فطلبت منه ان اضع حافظتي نقودي تحت قدمه والف عليها شيء بحيث توقف النزف الذي كان من باطن القدم فالتفت الي (ع) وقال لو كنتم هكذا تهتمون بالفقراء لكنا بخير
وفعلا بعد ان انشأت حسينية البصرة كان كثيرون من الايتام والارامل يأتون ليأخذوا ما يسد حاجتهم من تبرعات الانصار الذين صار كثير منهم يقدم جزء كبير مما يحصل عليه لسد حاجة الايتام وللقيام بأمور الدعوة من طبع منشورات واقامة ندوات وغيرها
اما علمه (ع) فكما قدمت فإننا كنا نسمع منه مباشرة اجوبة الاسئلة وهي نفسها التي نشرها (ع) في كتبه ومنها اني يوم سألته (ع) عن آيات في القران كنت محتارا فعلا في فهمها وهي
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4}
فكيف يمكن ان يجلي النهار الشمس مع ان الشمس في الحقيقة هي من تجلي النهار؟
فأجاب (ع) السلام مباشرة
الشمس رسول الله ص والقمر علي (ع) والنهار هو الامام المهدي وهو الذي يجلي الشمس أي يظهر حقيقتها وفضلها للناس في اخر الزمان
وكان (ع) يشرح لنا اشياء تحل مشكلات ويضرب امثلة بسيطة ورائعة تسهل الفهم
فمثلا قضية زواج الرسول ص من نساء كثيرة والتي يتهم الغرب بها الرسول ص ولم يجد المسلمين أي رد عليها قال عنها ع
لو كان لديك نابض حلزوني معلق في السقف كم تحتاج من الثقل لتبقيه في الارض ؟….لاشك ان الثقل يجب ان يكون وزنه بحسب قوة النابض حلزون
ورسول الله ص روحه معلقة بالملأ الاعلى فلكي يبقى في الارض لأداء الرسالة يحتاج الى ثقل يبقيه هنا ولذلك كان كثير الزواج (ع) وكمثال على ذلك فان عيسى (ع) لما اراد الله ان يرفعه فقط امتنع عن الطعام ثلاثة ايام فارتفع الى السماء
وبالتأكيد فان نقلي الان للكلام هو ليس كما لو ان الانسان يجلس امامه (ع) ويسمعه منه مباشرة
وخلال مسيرتنا معه (ع) لم يكن فقط يعطي التفسير في القران او يتكلم فقط عن ظهور الامام المهدي (ع) كواقع مفروض وعلى الناس ان تنصاع لما يقول بل ناقش تقريبا كل شيء فقد ناقش المدارس الفلسفية والاشراقية والعقل والروح ومناهج الحوزة والانحراف المالي والعملي وبالتأكيد تبقى هذه السطور عاجزة عن ايفاءه الحق لكن كمثال اذكر كيف ان شيخ جهاد لما رأى الامام (ع) اخذ يسأله عن بداية الحكمة ونهاية الحكمة وغيرها فكان الامام (ع) يجيبه عن كل شيء وكيف ان ملا صدرا في الشواهد الربوبية اعلن توبته من اتباع الفلسفة واتضح لنا انه (ع) كان قرأ كل كتبهم ولديه الجواب على كل سؤال فهو (ع) ليس عالما كما يتوهم بالبعض فيما يقوله ويمليه في كتبه فقط بل كان والله كما قال احدهم لما سئل الامام الباقر (ع) عن مسألة فقال له الباقر (ع) اهل العراق يقولون وكذا واهل المدينة يقولون وكذا وووو…في النهاية قال السائل صدق من قال اعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس…فالإمام احمد الحسن (ع) حقيقة هو محيط بعلوم كل هؤلاء من كل جهاتها ولذلك عرف خللها وخطأ التطبيق لبعضها ومخالفة بعضها للإسلام وكثير مما يقصر بياني عن ايضاحه
وانى للظلمة ان تصف نور محمد وال محمد ص
و لم اره (ع) يوما يمزح قط مع ان ذلك لا يعني انه لم يكن يبتسم بوجه الناس طيب العشرة…بل كان يبتسم ويضحك بلا قهقهة…وكان والدا شفيقا ومع ذلك لم يكن يهادن احد على باطل ولو كان اقرب الناس له… فهو (ع) يرضى عنك في هذه اللحظة لأنك جيد ويغضب في الاخرى حتى كانه لم يعرفك من قبل اذا اتيت بباطل…وكان اذا غضب (ع)…حتى لو لم يكن غضبه على الانصار وانما لحادثة سيئة قام بها المراجع مثلا وهو ينتقدها فيتكلم بغضب عنها….وقتها نحس حتى الحيطان ترتجف ونتمنى لو اننا تراب خوفا منه (ع) حتى لو لم يكن الامر يخصنا فما بالك لو كنت انا والعياذ بالله من الانا المقصود….نسئل الله العفو
كما انه يجدر الاشارة الى ان قولي ان الامام (ع) نشر ما كان يكلمنا به لا يعني انه كتب كل شيء بل كانت هناك ايضا رؤى وكلمات (ع) بعد ان يقصها يقول لا تحدثوا بها احد وهي اما اشياء مستقبلية اخبرنا بها تتعلق بمصير الدعوة او مجرياتها وبعضها وقع ولا يزال يقع امام اعيننا ولكننا التزاما بأمره (ع) لا نصرح بها
اتذكر يوم اراد جامع الجمهورية مناظرتنا فقلت ذلك للإمام احمد الحسن (ع) فخرجنا بسيارة ابو زهراء ومعنا ايمن وكنت اسوق السيارة لان ابو زهراء لم يقدر يومها ان يذهب معنا…خرج معنا (ع) وذهبنا الى العمارة وجلسنا هناك عند عشيرة شيخ ناظم واحضرناه ثم عدنا للبصرة وفي طريق العودة لا اعلم ماذا حصل لي…لكن كانت سياقتي مرتبكة جدا ربما لأني لم اكن وقتها اجيد السياقة اذا كان مبدل السرعات يدوي فصار (ع) يقول لي ما بك فأقول له لا اقدر ان اتجاوز هذه السيارة لان كذا وكذا فيقول لي افعل كذا وكذا…..الى هذه الدرجة كنا مقصرين وهو (ع) يعلمنا ويصبر علينا
ثم عدنا مع شيخ ناظم واجرينا المناظرة وكان (ع) يتابع كل شيء ثم لما انتهت رأى تصويرها الفيديوي واعطى ملاحظاته منها قال للشيخ ناظم اذا ناظرت مرة اخرى القي الحنق حول عنقك لان عدم القاءه يسبب البرص والقاء الحنك في المناظرات من اسباب النصر فيها وقال ايضا (ع) ان الشيخ ناظم كان يدير المناظرة ومناظره بأصبعه والمناظر كان اسعد البصري وهو شيخ معروف في الحوزة ومدير مكتب مقتدى الصدر وقتها.
ايضا قال الامام (ع) لشيخ ناظم لما رأى كيف طلب اسعد البصري من شيخ ناظم روايات تذكره (ع)…انه كان المفروض ان يعيطه الروايات في هذا الموضع…فهو (ع) كان يعطي ملاحظاته على كل شيء.
وفي اليوم التالي انسحب اسعد البصري من المناظرة
ومرة رأيته في بيت ابو حسين في النجف وكان (ع) وقتها يكتب بعد ن سلمنا عليه وجلسنا وكنت وقتها ابكي وابكي لظلامته (ع) ولا اقدر ان اتوقف عن البكاء وفي اخر الامر قاطعته وهو يكتب فقلت له هل يمكن ان اسلم عليك من جديد فقال نعم فقمت اليه وسلمت عليه وحضنته وصرت ابكي ثم رجعت الى مجلسي ورجع هو الى كتابته (ع).
وفي مرة التقيته (ع) في بيت شيخ حيدر في الناصرية وكان شيخ حيدر جالس على الكمبيوتر فقال له (ع) ان يقوم من الكمبيوتر ثم اجلسني معه امام الكمبيوتر وشغل فلم الشبيه واخذ يشرحه لي ونحن نتابع الفلم وفي النهاية قال سألني ان كنت اقدر ان ازيح المناظر الي تظهر فيها مريم (ع) في الفلم بلا حجاب فقلت له ان شاء الله وفعلا لما عدت للبصرة ازحت المقاطع باستخدام باستخدام احد البرامج وكان اول عمل لي في الانتاج الفيديوي ولما التقيته (ع) اخبرته اني انجزت العمل فقال كيف عملت فقلت له فعلت كذا وكذا فضحك (ع) وقال لي اني احتلت على البرنامج ثم امرنا ان ننشر الفلم الذي حذفنا منه المقاطع التي فيها لقطات سفور.
ومرة كنت معه (ع) في بيت ابو زهراء فشغل الراديو على اذاعة ايران ليسمع الاخبار فلما رنت الموسيقى التي يضعونها في بداية النشرة كتم الصوت (ع) الى ان انتهت الموسيقى ثم بدأ يسمع الاخبار
ومرة في بيت شيخ حيدر كان الوقت قريب من المغرب وكان شيخ حبيب نعسان جدا فاستلقى لينام فقال له (ع) انهض ولا تنم في هذا الوقت لان النوم في هذا الوقت يورث الجنون
ومرة استحم شخص لا اذكر من هو فلما دخل علينا قال له الانصار نعيما فأجابهم الله ينعم عليكم كما هي عداتنا في العراق فقال الامام (ع) ليس هكذا تقولون بل سنة اهل البيت (ع) ان تقول لمن يستحم طاب ما طهر منك فيجيب طهر ما طاب منك
وكان (ع) غالبا يدعو غالبا بهذا الدعاء في قنوت الصلوات
يا هو يا من لا هو الا هو صلي على محمد وال محمد وانصرنا على القوم الكافرين
وكان يفصل بين المغرب والعشاء بزيارة عاشوراء وقراءة يس وكنا لما نبات معه (ع) نراه كيف صلي صلاة اليل وكان (ع) غالبا يفصل بين الركعات مثلا يصلي اربعا ثم ينام او يعلمنا ثم بعدها يصلي اربعة اخرى او اثنتان اثنتان
وكان ايضا يفصل بين الظهر والعصر بالوعظ ويقول هذه هي سنة رسول الله ص فانه كان ص اذا انتهى من الظهر التفت الى اصحابه يعظهم فترة ثم بعد ذلك يصلي العصر وكان عليه السلام في ذلك الوقت يعطينا تكاليف عبادية نؤديها كل يوم لفترة معينة كقراءة سور من القران و دعاء ذخيرة وصلاة ناشئة اليل واشياء اخرى
ولقاءات اخرى كثيرة في حسينية البصرة والنجف وبيوت الانصار منها مرة في بيت ابو سجاد في النجف وقال احد الانصار للإمام (ع) انه يريد ان يتزوج مرة اخرى فقال له (ع) الم تسمع قول رسول الله ص اذا كان اخر الزمان حلت العزوبة وذكر قولا عن احد الائمة (ع) ما معناه كيف ان الانصار يحتارون بنسائهم واطفالهم ينقلونهم من راس جبل الى رأس جبل اخر
وكنا غالبا لما نلتقي به (ع) تكون سفرة الطعام اعتيادية ان لم نقل فقيرة او متوسطة وهو (ع) يأكل معنا
كانت يلبس من الثياب ما لا يعاب فلا هي ثياب الخيلاء ولا هي هي ثياب يمكن ان ينتقدها الناس وكان (ع) شديد الحياء…اتذكر كيف سأله احد الانصار -وكان قد آمن للتو وقتها – ان يريه ختم النبوة الذي في ظهره فتغير وجه الامام (ع) حياءا وكرها للطلب فقال له (ع) بصيغة المستنكر هل تريد ان اخلع ثوبي؟ فقال الانصاري نعم…..قال له (ع) لست متعود ان يراني احد الا بكامل ثيابي فسكت الانصاري
وكان الكثير منا طلبة مدارس او كليات ومعاهد فكان (ع) دائما يسألنا عن دراستنا ويحثنا على النجاح واخذ الشهادة
وكان ينصح المدخنين منا بترك التدخين
هذا بعض ما اتذكره اليوم من حياتي مع الامام احمد الحسن (ع) واعتذر لأني نسيت الكثير كما قصر بياني اكثر
والحمد لله مالك الملك